مسیح کا دوسرا چہرہ
الوجه الآخر للمسيح: موقف يسوع من اليهودية – مقدمة في الغنوصية
اصناف
ولكن الوضع في الجليل تغير ظاهريا بعد ضمه إلى أملاك اليهودية في عهد الملك المكابي أرسطو بولس الأول، وفرض الدين اليهودي على أهله بقوة السلاح من قبل خلفه الملك أليكسندر ينايوس، وذلك في مطلع القرن الأول قبل الميلاد، أي قبل جيلين أو ثلاثة أجيال من ميلاد يسوع، ومع ذلك فقد بقيت الديانة اليهودية بمثابة قشرة سطحية تعلو الثقافة والمجتمع الجليليين والمراجع اليهودية ملأى بالإشارات إلى قلة دين الجليليين وجهلهم بأداء الطقوس والواجبات الدينية اليهودية، وعدم وجود فريسيين أو كتبة أو علماء شريعة بينهم يعلمونهم أصول دينهم. ويروي أحد المراجع الربانية المتأخرة أن ناموسيا يدعى يوحنا بن زكاي، قد صعد من اليهودية وأقام في مدينة جبارا الجليلية حيث نذر نفسه مدة ثمانية عشر عاما لتعليمهم أصول الدين الصحيح، ولكنه في نهاية هذه الفترة تخلى عن مهمته وقفل راجعا إلى أورشليم وهو يقول بأن الجليليين قوم يكرهون التوراة، وأما عن الفريسيين والكتبة والناموسيين الذين حاورهم يسوع في الأناجيل، فإننا نفهم دوما من سياق النص أنهم لم يكونوا مقيمين في الجليل، وإنما زوار جاءوا من اليهودية في مهمات مؤقتة.
بعد دخول الرومان إلى سورية واستيلائهم على أورشليم عام 63ق.م. وانسلاخ الجليل وبقية المقاطعات التي ضمها المكابيون بالقوة إلى الدولة اليهودية، ساد جو من التسامح الديني شجع الكثيرين على الارتداد عن اليهودية والعودة إلى دين آبائهم، ولا سيما في عهد الملك هيرود الذي شجع الديانات المحلية على التعبير عن نفسها، وبنى المعابد لها، وهذا يعني أن الجليل لم يقع تحت السيطرة اليهودية إلا لفترة قصيرة لم تزد على أربعين سنة، وأن من بقي على اليهودية في الجليل بعد ذلك لم ينظر إلى نفسه كيهودي أرثوذكسي، مثلما لم يعد يهوديا حقا من قبل أهل اليهودية.
في جليل الأمم هذا ولد يسوع، وعاش طفولته وشبابه، وفيه بشر برسالته الجليلية الأممية، وكان تلاميذه وأتباعه جليليين، وهو لم يذهب إلى اليهودية إلا في آخر رحلته التبشيرية حيث صلبه اليهود، وأما عن أبويه، فربما كانا على الديانة الكنعانية التقليدية، أو من أسرة تهودت قبل جيلين أو ثلاثة، واستمرت على اليهودية بحكم العادة، أو أنهما كانا من أتباع جماعة روحانية من جماعات جبل الكرمل، وهذا ما نرجحه، وما قدمنا له من شواهد.
بعد هذا المدخل التاريخي الذي توصلنا في نهايته إلى رسم صورة لبيئة الجليل التي عاش فيها يسوع، وألقينا ظلالا من الشك حول يهودية يسوع، وكونه قد ولد في أسرة يهودية، سوف نلجأ إلى مقاربة نقد-نصية نستنطق من خلالها الأناجيل الرسمية الأربعة، لنتبين منها الموقف الحقيقي ليسوع من اليهود واليهودية.
الفصل الرابع
المداخلات اليهودية في العهد الجديد وموقف يسوع من اليهود واليهودية
سوف نتحدث في هذا الفصل عن أهم المداخلات اليهودية في العهد الجديد، ونظهر مدى غرابتها وشذوذها عن السياق العام للنص، معتمدين في ذلك على أسفار العهد الجديد نفسه، وعلى أقوال يسوع ومواقفه العملية التي أظهر من خلالها تجاوزه للموروث الوثني واليهودي على حد سواء، وعبر عن نقد حاد لليهود واليهودية وشريعة إله التوراة. (1) مكان الميلاد
تطرح قصة الميلاد في إنجيل متى أخطر المداخلات اليهودية في العهد الجديد، وهي التي رسخت فكرة الأصل اليهودي ليسوع، وتركت أثرا لا يمحى على مجرى تاريخ المسيحية، وعلى تشكل اللاهوت المسيحي، فلقد ولد يسوع عند متى في مدينة بيت لحم اليهودية الواقعة قرب أورشليم من أسرة يهودية، ولكي يبرر مؤلف الإنجيل نشوء يسوع في الجليل وقضائه كل حياته هناك، فقد دبج قصة مذبحة مواليد بيت لحم، وفرار العائلة المقدسة بيسوع إلى مصر، ثم عودتها إلى فلسطين بعد وفاة الملك هيرود الكبير، واستقرارها في مدينة في الجليل تدعى الناصرة. أما قصة الميلاد عند لوقا، فعلى الرغم من اختلافها في معظم التفاصيل عن قصة متى، إلا أنها حافظت بدورها على بيت لحم اليهودية باعتبارها المكان الذي ولد فيه يسوع، ولكن لوقا يعترف بالأصل الجليلي لأسرة يسوع، ويجعل يوسف النجار وامرأته مريم الحبلى بيسوع يقصدان بيت لحم بمناسبة الإحصاء العام للسكان، الذي جرى بأمر الإمبراطور أوغسطوس عندما كان كيرينيوس واليا على سورية، فقد كان يوسف من بيت داود وعشيرته، وعليه أن يكتتب وزوجته في بيت لحم مدينة داود، وهناك وضعت مريم مولودها، ثم عادت الأسرة إلى الجليل ، إلى مدينتهم الناصرة.
وبما أننا نعرف الآن من سجلات التاريخ الروماني أن الإحصاء الذي يشير إليه لوقا قد تم في سنة 6 ميلادية، فإن ميلاد يسوع عند لوقا يأتي متأخرا عشر سنوات على الأقل عنه عند متى، الذي جعله في عهد هيرود الكيبر المتوفى سنة 4ق.م. فهل وقع لوقا في خطأ تاريخي، أم أنه قصد فعلا تأخير ميلاد يسوع هذا العدد من السنوات؟ إن عدم ذكر لوقا لهيرود الكبير في قصة الميلاد، يرجح أن لوقا كان يعرف التاريخ الحقيقي للإحصاء، وأنه قد تعمد فعلا وضع ميلاد يسوع في هذا التاريخ المتأخر.
ونحن إذا نحينا هذه المداخلة جانبا، لما وجدنا فيما تبقى من سيرة يسوع أي رابط يربطه ببيت لحم ومقاطعة اليهودية، فهو مواطن جليلي، ولد وترعرع وعاش كل حياته في الجليل، وأبواه جليليان، وكذلك كل أنسبائه ومن تبعه من التلاميذ، وفي الجليل بشر برسالته، وكان له مقر دائم فيها يعود إليه من رحلاته التبشيرية، وهو لم يذهب إلى أورشليم إلا مرة واحدة وفق الأناجيل الإزائية، أو ثلاث مرات وفق إنجيل يوحنا، حيث صلبه اليهود. إن نصوص العهد الجديد ملأى بالإشارات إلى جليلية يسوع، ولقبه «الناصري» يشير إلى أصله من ناصرة الجليل، التي يدعوها إنجيل مرقس وطن يسوع: «وانصرف من هناك وجاء إلى وطنه يتبعه تلاميذه» (مرقس 6: 1-6)، وعندما لم يلق من أهل الناصرة أذنا صاغية في أول الأمر قال يسوع: «لا يزدرى نبي إلا في وطنه وذوي قرابته وبيته» (مرقس 6: 4). وعندما كان اليهود يتجادلون في أمر يسوع على ما نقرأ في إنجيل يوحنا، قال بعضهم: «هذا هو النبي حقا، وقال غيرهم هذا هو المسيح، وقال آخرون: أمن الجليل يأتي المسيح؟» (يوحنا 7: 40-42).
نامعلوم صفحہ