عصمة الأنبياء
إذا كان إرسال الأنبياء إلى البشر لأجل هدايتهم إلى تزكية أنفسهم بما تصلح به أحوالهم فى دنياهم، ويستعدون به الحياة أعلى من هذه الحياة الدنيا فى نشأة أخرى، فلا يتم هذا الغرض ولا تتحقق هذه الحكمة إلا إذا كان هؤلاء الأنبياء أهلا لأن يقتدى بهم فى أعمالهم وسيرتهم، والتزام الشرائع والآداب التى يبلغونها عن ربهم، ومن ثم قال علماؤنا بوجوب عصمة الأنبياء من المعاصى والرذائل، وبالغ بعضهم فيها حتى قالوا بعصمتهم من الذنوب الصغائر كالكبائر قبل النبوة وبعدها، وخصّ بعضهم العصمة من الصغائر بما كان باعثه الخسة والدناءة.
وأهل الكتاب لا يقولون بهذه العصمة، وكتبهم المقدسة ترمى بعض كبار الأنبياء بكبار الفواحش المنافية لحسن الأسوة، بل المجرئة على الشرور والمفاسد.
والنصارى منهم يجعلون معاصى الأنبياء دليلا على عقيدتهم وهى أن المسيح هو المعصوم وحده لأنه رب وإله، ولأنه هو المخلص للناس من العقاب على الخطيئة اللازبة اللازمة لكل ذرية آدم بالوراثة له، وأنه لا شفيع ولا مخلص لهم غيره؛ لأن المخطئ لا يخلص المخطئين وهو منهم، وهذه العقيدة وثنية مخالفة لدين الأنبياء وكتبهم وللعقل، ومطابقة للأديان الوثنية الهندية وغيرها.
بيد أنّ كتب العهدين القديم والجديد المقدسة عندهم المحرفة فى اعتقادنا لا تشهد لهم برمى جميع أنبيائها بالذنوب فضلا عن المعاصى التى هى أشد من الذنوب، فإن يوحنا المعمدان (هو يحيى بن زكريا ﵉ لم يوصم بخطيئة قط. بل شهدت له أناجيلهم بما يدل على أنه كان أعظم من المسيح فى عصمته، ففي إنجيل لوقا (١: ٦٥ إنه يكون عظيما أمام الرب، وخمرا ومسكرا لا يشرب، ومن بطن أمه يمتلئ بروح القدس) وفيه «كانت يد الرب معه»، وقال المسيح فيه: «متى ١١: ١١ الحق أقول لكم إنه لم يقم بين المولدين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان»، ثم قال فيه: «١٨ جاء يوحنا لا يأكل ولا يشرب فيقولون فيه شيطان ١٩ وجاء ابن الإنسان يأكل ويشرب فيقولون: هو ذا إنسان أكول، وشريب خمر، محب للعشارين والخطاة».
1 / 31