ومع أن مصر أعظم موئل للعروبة باعتراف الجميع فهناك شبهات يجب تبديدها في هذا المقام، هناك إشاعة تقول إن مصر فرعونية، وتقول إن الذي أذاع هذه الفكرة هو كاتب مصري اسمه سلامة موسى، وأرجوكم أن تصدقوني أيها السادة إذا أكدت لكم أن هذا الكلام اخترعه ناس في غير مصر وسمع به الأستاذ سلامة موسى كما سمعه غيره من المصريين، ومن هذا ترون أن الدسيسة جاءتنا من الخارج، جاءتنا من المستعمرين وأتباع المستعمرين، وأنتم تعرفون جيدا أن المستعمرين قد ملأوا بدنانيرهم جيوب فريق ممن يكتبون باللغة العربية، والمستعمرون يفهمون جيدا أن الأمم العربية تمنح مصر حق الزعامة الأدبية فهم يسلكون جميع المسالك ليسوءوا سمعة مصر بين الأمم العربية.
وأجهل الناس يعرف أن العروبة إن انعدمت في مصر فلن تقوم لها قائمة إلا بعد أعوام طوال يوم يصبح العراق وفيه عشرون مليونا من السكان وله ميزانية تبلغ مائة مليون.
والمصريون لا ينكرون أنهم ورثوا بلاد الفراعين وأنهم من أجل ذلك يسمون مصريين، وهل يضير العروبة أن يتشبث المصريون ببلادهم وأن يبذلوا في سبيلها كل شيء لتبقى تلك البلاد ملكا خاصا للغة العربية والدين الإسلامي؟
ما الذي يضير العرب أيها السادة إذا رأونا نهتم بالآثار الفرعونية وكلكم يعرف أن مصر تفردت من بين الأمم بأثمن مجموعة من الآثار والفنون عرفتها الإنسانية؟ نحن في مصر نزور آثار الجيزة وسقارة والأقصر وأسوان لنؤمن بأن مصر في طبيعتها صالحة لقيام أعظم إمبراطورية، فهل يسوءكم أن نسمر أقدامنا في تلك الأرض وأن نجعلها إلى الأبد - بإذن الله - من أملاك العروبة؟
حدثوني أيها السادة ماذا يسوءكم من تمجيدنا لنهر النيل؟ نحن نحبه لنحرص عليه ونموت في سبيله إن عدا عليه العادون، فهل يسوءكم أن يبقى النيل لأمة عربية توحد بارئ الأرض والسموات؟
نحن عرب ولكننا مع ذلك مصريون، وأنتم عرب ولكنكم مع ذلك عراقيون، وسكان الجزيرة عرب ولكنهم مع ذلك حجازيون أو يمنيون، فأرجوكم أيها السادة أن تزنوا الأمور بموازينها ولا تظلمونا من غير موجب، فإن الحب أساسه الإنصاف. •••
وهناك شبهة أخرى هي كلمة «الأدب المصري» وقد بددت هذه الشبهة حين تكلمت في نادي القلم العراقي، فكلمة الأدب المصري في اللغة العربية ترادف كلمة الأدب الأمريكي في اللغة الانجليزية وكلمة الأدب البلجيكي في اللغة الفرنسية، فالأدب الأمريكي هو أدب إنجليزي ولكن كتابه وشعراءه أمريكيون، والأدب البلجيكي هو أدب فرنسي ولكن كتابه وشعراءه بلجيكيون، وكذلك الأدب المصري فهو أدب عربي ولكن كتابه وشعراءه مصريون.
وقد سمعتم أن الأستاذ الدكتور طه حسين اقترح إنشاء كرسي للأدب المصري في كلية الآداب بالجامعة المصرية، فهل معنى هذا أن الكرسي المنشود سيجلس عليه أستاذ لا يدرس غير «المواويل» التي يتغنى بها المغنون في قهوات الحلمية القديمة؟ هيهات، إنما هو كرسي يهتم من يجلس عليه بدرس الكتاب والشعراء والمؤلفين الذين أنجبتهم الديار المصرية وهم يعدون بالمئات، ولهم فضل عظيم على الثقافة العربية، وما أظنكم تبخلون علينا بإنفاق ألف دينار في كل سنة لدرس الأدباء الذين نبغوا في مصر ونحن ننفق الوف الدنانير في كل أسبوع لدرس الأدباء الذين نبغوا في سائر الأقطار العربية.
أيها السادة
اسمعوا هذا الحديث:
نامعلوم صفحہ