أما بعد، فإني أرى أن أبا العلاء لم يكره الدنيا أبدا، ولم يكن يوم اعتزل دنياه إلا حيوانا مفترسا نزع الدهر ما كان يملك من أظافر وأنياب، ولو كان أبو العلاء كره دنياه لاكتفى منها بأيسر العيش، ولكنه عاش عمرا طويلا جدا، وطول العمر يشهد بقوة الأواصر بين المحب والمحبوب، فالقتال بين أبي العلاء وبين دنياه كان قتالا بين عاشقين يظهران البغض والحقد، ويضمران العطف والحنان.
والناس متفقون على أن أبا العلاء كان طلق دنياه فلم يظفر بما في حواشيها من نعيم ومتاع، ولكني بعد التأمل عرفت أنه زهد في جميع الأشياء إلا المجد، والمجد هو أشهى الأطايب في دنيا الرجال، فإن لم يكن هذا صحيحا فكيف نفسر خضوعه لما شاع في زمانه من التقاليد الأدبية، والخضوع للتقاليد الأدبية دليل الحرص على انتهاب ما يملك الناس، وأحب أن أشرح هذه النظرية فأقول:
ينقسم شعر أبي العلاء إلى قسمين:
أولهما:
ممثل في سقط الزند.
وثانيهما:
ممثل في اللزوميات.
أما سقط الزند فمجموعة شعرية تشهد بأن الرجل كان يعجبه ويرضيه أن يكون من أقطاب اللغويين، وهو قد أفصح عن ذلك حين خاطب الشريف الرضي والشريف المرتضى في القصيدة التي رثى بها أبا أحمد الموسوي فقال:
يا مالكي سرح القريض أتتكما
مني حمولة مسنتين عجاف
نامعلوم صفحہ