206

وحي بغداد

وحي بغداد

اصناف

أما الملاهي الغربية: فتقوم على الرقص الإفرنجي، وهي ملاه قليلة جدا ؛ لأن الذهب إليها يعد من العيوب، وهي مع ذلك تزدحم بالرواد في أكثر الليالي.

ومن هذا تفهمون أن المجتمع العراقي يعاني صعوبة الانتقال من وضع إلى وضع.

وما نقول به في الحكم على مدينة بغداد نقول به في الحكم على مدينة البصرة، ففيها رأيت مرقصا إفرنجيا لو شهده الجاحظ لكتب في وصفه رسالة أو رسالتين!!

وقد أقمت في مدينة الموصل خمسة أيام فرأيتها أكثر احتشاما من البصرة وبغداد، والسر في ذلك أن الموصل يكثر فيها النصارى فيحرص المسلمون على آدابهم أشد الحرص ليقيموا التوازن بين المذاهب ويذهبوا قالة السوء عن العقيدة الإسلامية. •••

ويسوقنا هذا الوصف إلى الحديث عن تدين أهل العراق، فهم في رأيي من أشد الأمم تمسكا بالإسلام، وربما كان العراق هو الأمة الوحيدة التي لا تزال تختلف وتأتلف حول المذاهب الإسلامية، والاختلاف حول تلك المذاهب يوحي إلى الجمهور حب التعمق في درس الآراء والنظريات، وكذلك يعرف أهل العراق من تاريخ الخلفاء والأئمة ما لا يعرف جمهور المسلمين في غير العراق.

وفي العراق عدة جمعيات تهتم بنشر المعارف الدينية، منها جمعية الشبان المسلمين، وجمعية الهداية، والجمعية الإسلامية، والأخيرة جمعية يديرها جماعة من فضلاء الهنود.

وعلماء الدين في العراق يحترمون أئمة الإسلام احتراما شديدا، وقد يصلون في ذلك إلى حد التعصب الممقوت، وأذكر أن جماعة منهم قاطعوا محاضراتي في بغداد بسبب كتاب (الأخلاق عند الغزالي).

ومحطة الإذاعة العراقية تصنع مثل الذي تصنع محطة الإذاعة المصرية من الاهتمام بتلاوة القرآن وإذاعة الأحاديث الدينية، وهم ينظرون إلى من يذكرهم بالدين والأخلاق نظر الاحترام والإعجاب وهم يتوجعون لما قد يقع بالمسلمين من سوء، تشهد لذلك مواساتهم التي لا تنقطع لأهل فلسطين.

وبهذه المناسبة أذكر أن يهود العراق يكادون ينفصلون عن الدعوة الصهيونية بفضل اهتمام أهل العراق بقضية فلسطين، وإني لأذكر أن أول إعانة قدمتها هناك لمنكوبي فلسطين كانت ونحن مجتمعون في بيت رجل من بني إسرائيل.

وجملة القول في هذا الباب أن العواطف الدينية في العراق عواطف سليمة جدا، والمصلح الموفق يستطيع أن يقود العراقيين باسم الدين إلى أشرف الغايات.

نامعلوم صفحہ