وكان ذلك في اليوم الذي تشرف فيه المسيو دي كومنين بإعطاء أول درس في الأدب الفرنسي لحضرة صاحب الجلالة الملك فاروق. •••
وبعد أشهر افتتح معهد الليسيه بمصر، وعين المسيو دي كومنين مديرا لذلك المعهد، فابتسم وقال: أصبحت جارك يا دكتور مبارك، وبعد أيام طلبتني حكومة العراق فتذكرت نصيبي من سهرات المسيو دي كومنين، ذكرت نصيبي من تلك السهرات في حسرة ولوعة، فمضيت إليه وأنا أرجو أن يصدر أمره العالي بمعني من السفر إلى العراق، ولكن الرجل أخلف ظني، فقد قال: إن سفرك إلى العراق واجب يا دكتور مبارك، لأنك شغلت نفسك أعواما طويلة بأدباء العراق، ورؤية تلك البلاد تعود عليك بأعظم النفع، ولو أنك فكرت في السفر إلى فرنسا لمنعتك لأنك عرفت فرنسا وعرفتك. •••
ثم دعاني المسيو دي كومنين إلى وليمة عشاء قبل الفراق، ويا لها من سهرة وياله من عشاء! لم يكن عند المسيو دي كومنين غير جملة واحدة يرددها وهو محزون: «لقد فرحت بانتقالي إلى مصر الجديدة لأكون بجوار الدكتور مبارك، وما كنت أعلم أن الأقدار ستحكم بفراق الدكتور مبارك».
وفي اليوم التالي نشر الجورنال ديجبت أني مسافر إلى العراق فلم يبق فرنسي يعرفني بالقاهرة إلا وهو يسأل بالتليفون كيف أسافر وأترك المسيو دي كومنين؟ وكانت أبلغ تحية تحية المسيو كازاتي الذي لم يرني غير مرة واحدة، وأنا اليوم أعد الأيام والليالي لأعرف متى ألقى المسيو دي كومنين.
فما هذا الضعف النبيل الذي يربطني بأصدقائي إلى هذا الحد؟
ما هذه العواطف التي تقض مضجعي وتشرد نومي؟.
سنلتقي بإذن الله يا مسيو دي كومنين.
سأعود إلى المنزل الذي تشهد أحجاره وأشجاره بأنني أكرم صاحب وأشرف صديق.
سأعود إلى الصديق الذي لم يكن يثق بأحد سواي. سأعود إلى الصديق الذي عميت عينه عن عيوبي فكنت عنده أعظم الرجال.
سأعود بإذن الله إلى الرجل الذي يتحلى بأخلاق الملوك، وكان أجداده من الملوك.
نامعلوم صفحہ