لقد كان يعز علي أن تخرج من بغداد بلا هوى، فمن الفضيحة لبغداد أن لا تكون فيها عيون ترمي فتصيب، ولكني ما كنت أحب أن أحملك جريحا محطما إلى الأنامل الرقاق التي تعبت في تضميد جروحك بين مصر الجديدة والزمالك، وما كان يخطر بالبال أن تكون دار السلام دار حرب، وأن تتألب ظباؤها على قلب أعزل كان يرجو أن لا يعرف البلاء وهو ضيف العراق.
من كان يظن أن هذه المدينة الجافية التي لا تعرف غير وصل النهار بالليل في سبيل الرزق أو المجد، من كان يظن أن مثل هذه المدينة تعيش فيها مباسم وعيون لا تتقي الله في الناس؟ من كان يظن أن ينعدم كرم الضيافة في بغداد حتى يستبيح ظباؤها انتياش قلب غير لا يملك من وسائل الدفاع غير الأنين؟
أهذا جزاء الصنع الجميل في بغداد؟
أهذا جزاء من يملأ الصحف العربية بالثناء على العراق؟
سيعود ناس إلى أوطانهم صحاح القلوب، وأعود إلى وطني بقلب ممزق لم تبق منه غير أطياف من الأشلاء.
بغداد!
لقد كاد يسفر الصبح ولم تغف عيناي، أكذلك تكون ليالي الأعياد، يا بغداد؟ ليتني أعرف أين يقيم اللصوص الذين سرقوا النوم من جفوني، ليتني أعرف أين يقيم أولئك اللصوص فأنتقم منهم أشنع انتقام بتقبيل جفونهم في غفوات الليل.
بغداد!
خذي من نومي ما تشائين، بل خذي من دمي ما تشائين، فلن أنسى ما حييت تلك المؤامرة الوجدانية، مؤامرة العيون، عيون المها، على قتلي، فإن من الشرف أن يكون المرء قتيل المها في بغداد.
إي والله! هذا الصبح يتنفس وما غفت عيناي، فهل تعرف الظباء التي كانت تعترض طريقي لتصرعني أنني لا أزال بين الأحياء؟
نامعلوم صفحہ