وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
اصناف
عنه. لقد اعتبروا كل تغير خطأ، وتوفروا على رصد الخطأ ومطاردته (بدلا من أن يقوموا بعملهم الحقيقي ويقننوا التغير!) ودبجوا في ذلك أسفارا ومجلدات.
لم يدرس قدامى اللغويين التغير؛ لأنهم اعتبروه «لحنا» فدرسوا اللحن. «كان يجب على قدامى النحاة بعد الفراغ من دراستهم لتلك المرحلة (الفترة من منتصف القرن الثاني قبل الهجرة إلى منتصف أو نهاية القرن الثاني الهجري) ألا يدوروا حول أنفسهم فيها، وإنما يدرسوا ويوصوا بمتابعة الدراسات المتعاقبة ويتتبعوا الظواهر المتغيرة في كل أوضاعها على مر العصور وفي مختلف البيئات ... فلو أنهم رصدوا حركات التطور لأفادوا اللغة التي حاولوا المحافظة عليها، بالإضافة إلى أنهم كانوا ربما اهتدوا إلى معرفة قوانين التطور وإلى تسخيرها لمصلحة اللغة (غير واقفين في وجه سننها) ... وبذلك يكون علاجهم لها علاجا مبنيا على أسس علمية.»
4 «وليس من حق الباحث في اللغة أن يفترض فيها التوقف عند فترة معينة أو جيل خاص أو عدة أجيال، فيجمد الدراسة ويترك عمله الحقيقي في ملاحظة اللغة الدائبة التغير، وينصرف إلى تفريعات ومماحكات وعنت ذهني عقيم لا حاجة باللغة إليه، ثم يفرض ما لاحظه عن اللغة في فترة من فتراتها على فترة أخرى أدى إليها تطورها. وهذا عكس لمهمة الدارس من الوصف إلى التحكم، ومن الملاحظة إلى المصادرة.»
5
هكذا يتبين لنا أن هواة «قل ولا تقل» ليسوا أكثر من نفر لم يكملوا تعليمهم اللغوي؛ لأنهم لم يدرسوا «التغير اللغوي» بما هو تغير لغوي لا بما هو لحن ... بما هو صواب لا بما هو خطأ.
لقد توقف النحاة في تقعيداتهم عند زمن معين لا يتجاوزونه، بينما اللغة الحقيقية تمضي في سبيلها غير عابئة بهم، توقفت القواعد بينما العرف اللغوي يتغير مع الزمن، فاتسعت الفجوة بينهما وصارت هوة. هكذا انشطرت لغتنا إلى لغتين بينهما ثأر وخصام ولدد: المحكية والفصحى. وهكذا تجمدت الدماء في عروق الفصحى وتخلفت عن ركب اللغات، فصرنا ندرس العلم بلغة أجنبية، ونتنفج بلغة الغير وقد غرقنا في الدونية إلى الأذقان.
هذا ما فعلت بنا الماهوية: لقد قتلت العربية وغربتها: غربة الزمان لا المكان، وجعلتها لغة أجنبية يتجافى عنها اللسان وتمجها السليقة. (8) في فهم الأمراض النفسية وتقسيماتها
كان لنزعة الماهية أثر سلبي على فهمنا للأمراض النفسية وطريقتنا في تقسيمها؛ فرغم أن الفئات التشخيصية في الطب النفسي هي مجرد تصورات تنظم الخبرة الإكلينيكية وترشد القرارات العلاجية، فما يكاد يعم استخدام مفهوم تشخيصي - كالفصام ... إلخ - حتى تتناوله النزعة الماهوية بداخلنا بالتشييء
reification
وكأنه كيان واقعي حقيقي أو «ماهية» محددة تقبع وراء أعراض المريض وتفسرها. ورغم أن واضعي الدليل التشخيصي والإحصائي حريصون على الإشارة إلى أن كل فئة تشخيصية ليست كيانا مسيجا منفصلا عن غيره من الفئات وعن السواء
نامعلوم صفحہ