وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
اصناف
ورغم أن ماهية أي فئة هي شيء باطن غير منظور فإن من المفترض أنها السبب من وراء خصائص يتصف بها أعضاء هذه الفئة، بعض هذه الخصائص معروف وبعضها لما يزل بانتظار الكشف. هذه الطبيعة الخفية والملغزة للماهية لا تنال من أهميتها عند الناس ولا تقلل من استخدامهم لهذا البناء الذهني المجرد، وهم يتغلبون على هذه الصعوبة باستخدام
essence placeholder (ماسك مكان الماهية/محل الماهية)، وهو ما يتيح لهم أن يستقوا استدلالات علية من الماهية إلى الخصائص الملاحظة دون الحاجة إلى إعطاء الماهية وصفا ماديا قد يحدها، وقد يحول دون إجراء استدلالات ماهوية عن ما هو غير مكتشف بعد. ونحن نرى أن «الجينات» (أو على الأقل الطريقة التي يتصورها بها عامة الناس) تعمل كماسك مكان لهذه الماهية المتخيلة، وهو ما يفسر لنا الطرائق التي يستجيب بها الأفراد عندما يتلقون معلومات جينية عن الناس. (2) الماهوية الجينية
ثمة مكون هام للماهوية السيكولوجية، وهو فكرة «الإمكان الفطري»
innate potential . إن العضوية في نوع من الأنواع تفرض على خصائص الأعضاء ضوابط معينة؛ ذلك أن الماهية تنحدر خلال النسل البيولوجي. ترتبط الماهية الثابتة بالفطرية من جهة، وترتبط الفطرية بالجينات من جهة أخرى، مما يشير إلى أن الخصائص الملاحظة لجماعة ما يفترض أنها تقوم على أساس جيني مشترك.
تتماثل العناصر المقومة للماهوية السيكولوجية (ثابتة، أساسية، متجانسة، منمازة، طبيعية) مع التصور العامي الشائع عن الجينات. يومئ هذا التشابه إلى أن الأعضاء المشتركين في بنية جينية محددة مشتركون أيضا في ماهيتهم. هكذا تعمل الجينات في فهم الناس عمل «ماسك مكان الماهية»، وتتيح لهم أن يستدلوا على قدراتهم وميولهم وقدرات غيرهم وميولهم بناء على جينات مشتركة مفترضة. يطلق على هذا الميل إلى استنتاج خصائص شخص ما وتصرفاته كشيء يقوم على بنيته الجينية مصطلح «الماهوية الجينية». يصوغ نلكن وليندي هذا المعنى بقولهما: «ترد الماهوية الجينية النفس إلى كيان جزيئي؛ إذ تساوي بين الكائنات الإنسانية بكل تعقيداتها الاجتماعية والتاريخية والأخلاقية وبين جيناتها.»
6
ما إن يتلقف الناس خبرا عن أساس جيني لأي شيء حتى تستيقظ تحيزاتهم الماهوية السيكولوجية وتضفي على هذا الشيء صفة الثبات والدوام والحتمية، بمعزل عن التأثيرات البيئية والحرية الشخصية والاختيار الفردي، فما دام الجين موجودا فالمآل متوقع والمصير محتوم. وما دام الجين موجودا فالحالة موجودة، وما دام غائبا فالحالة مستبعدة، ولا وزن هنالك لأية عوامل أنتوجينية أو بيئية أو خبروية.
من شأن الماهوية الجينية أن تحمل الناس على أن يتصوروا الجماعات المشتركة في الأساس الجيني على أنها «متجانسة» و«منمازة» (عن غيرها)، وكأن الحالة الجينية والجماعة مشتركتان في الحدود؛ فجميع أعضاء الجماعة المشتركين في الماهية الجينية لديهم نفس الصفة. وهذه الصفة تغيب بالضرورة عن أولئك الذين لا يشاركون في الأساس الجيني التحتي.
كما أن العلل الجينية تدفع الناس إلى تصور نتائجها على أنها «طبيعية»
natural ، الأمر الذي قد يستحث «مغالطة المذهب الطبيعي» (أي أن تستمد خواص أخلاقية (خير، حق، ... إلخ) من خواص طبيعية (طويل، أخضر، ...) أو أن تستمد «ما ينبغي أن يكون» من «ما هو كائن»). إن النزوع الذي نراه «طبيعيا» سيكون عندنا أكثر قبولا من الذي نراه «غير طبيعي». من ذلك أن الجنسية المثلية سينظر إليها - إن تبين لها أساس جيني - نظرة أكثر إيجابية مما إذا كانت اختيارا حياتيا إراديا حرا.
نامعلوم صفحہ