21

لم يقطع كلود علاقته بالآنسة ميلمور. أخذها إلى بركة التزلج عدة مرات، رغم أنه عبر لها في البداية عن خوفه من أن يكون كاحلاها ضعيفين للغاية. قضيا نزهتهما الأخيرة في ضوء القمر، وبعد ذلك المساء تحاشى كلود مقابلة الآنسة ميلمور قدر الإمكان من دون أن يكون فظا معها. لم تعد جذابة بالنسبة إليه. كانت طريقتها في إخضاع أي شخص تتمثل في التقرب منه وجعله يتعلق بها. يكاد أن نسمي هذا تخطيطا، ولكنه درجة أقل من ذلك. سبق أن أوقعت بهذه الطريقة ابن عم لها شاحب البشرة في أتلانتا؛ ولهذا السبب أرسلت إلى الشمال. اعترف كلود غاضبا بأن لا يوجد تحفظ لديها، على الرغم من أن مظهرها كان يوحي بأنها تتمتع بقدر كبير منه عند رؤيتها للمرة الأولى. لم يغره فرط المشاعر لديها ولو بأقل قدر. لقد كان فتى لديه غرائز قوية، وكان يمقت فكرة العبث بها. حكايات والده التي لا تنضب عن الرجال ذوي السمعة السيئة لم تفسده، وإنما جعلته يمقت بشدة الشهوانية. في الحقيقة، كان لديه فخر شديد بالعفة.

10

كان آل إرليش يحبون حفلات الذكرى السنوية وأعياد الميلاد والمناسبات. في ذلك الربيع، أتت ابنة عم السيدة إرليش - فيلهلمينا شرودر شاتس - التي كانت تغني لصالح شركة شيكاجو أوبرا إلى لينكن لتقدم عرضا غنائيا منفردا في مهرجان مايو. ولما كان قد اقترب موعد حفلها، بدأ أقاربها الترتيب من أجل الاحتفاء بها. خطط أن تقدم فرقة ماتينيه ميوزيكال حفل استقبال رسميا لها؛ ومن ثم قرر آل إرليش إقامة مأدبة عشاء لها. دعا كل فرد في العائلة ضيفا واحدا؛ ولذا واجهوا صعوبة كبيرة في تحديد الصديق الذي يستحق أن يحظى بهذا الشرف. كان الرجال سيصبحون أكثر من النساء؛ إذ تذكرت السيدة إرليش أن ابنة عمها فيلهلمينا لم تكن قط تميل إلى صحبة من هن من نفس جنسها.

لما كان أولادها يراجعون القائمة في إحدى الأمسيات، ذكرتهم السيدة إرليش أنها لم تسم ضيفها بعد. قالت بحسم: «أما عن ضيفي، فيمكنكم كتابة اسم كلود ويلر.»

قوبل هذا القول بتذمر وضحك.

احتج الابن الأكبر قائلا: «أنت لا تقصدين ذلك يا أمي. كلود الطويل البائس لن يعرف الغرض من كل ما يدور حوله، ويمكن أن يفسد شخص ممل واحد مأدبة العشاء.»

أشارت السيدة إرليش إليه بإصبعها باقتناع. «سترى؛ ستهتم ابنة عمك فيلهلمينا بذلك الفتى أكثر من أي من الآخرين!»

فكر يوليوس أنها لو عارضها أحد بشدة، فلربما تنازلت عن رأيها. تمتم: «أحد الأسباب يا أمي أن كلود لا يمتلك ملابس تناسب حفلات العشاء.» أومأت إليه. وقالت: «بل لديه، سيد يوليوس. إنه يخيط بعض الملابس. وعندما تحدثت معه، أخبرني أن لا صعوبة لديه في هذا الشأن.»

قال الأولاد ما دامت الأمور قد وصلت إلى هذا الحد، فعليهم تقبل الأمر والتعامل معه على أفضل نحو متاح، وكتب كبيرهم «كلود ويلر» متحمسا.

إذا كان أولاد إرليش متخوفين، فقلقهم لم يضاه قلق كلود. كان عليه أن يأخذ السيدة إرليش إلى الحفل الغنائي الخاص بالسيدة شرودر شاتس، وفي مساء يوم الحفل جرجره الأولاد إلى الداخل وقت ظهوره عند الباب كي يروا مظهره. أضاء أوتو الأنوار كافة، ودخلت السيدة إرليش - بحزامها الأسود الجديد فوق الفستان المصنوع من الستان الأبيض - إلى الصالة كي ترى مظهر رفيقها.

نامعلوم صفحہ