(الْجُزْء الأول)
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم مُقَدّمَة الصَّفَدِي)
(عونك اللَّهُمَّ وعفوك)
الْحَمد لله الَّذِي قهر الْعباد بِالْمَوْتِ ونادى بالفناء فِي فنائهم فانهل فِي كل بقْعَة صوب ذَلِك الصَّوْت واسمع كل حَيّ نُسْخَة وجوده فَلم يخل أحدهم من فَوت نحمده على نعمه الَّتِي جعلت بصائرنا تجول فِي مرْآة العبر وتقف بمشاهدة الْآثَار على أَحْوَال من غبر وَتعلم بِمن تقدم أَن من تَأَخّر يُشَارِكهُ فِي الْعَدَم كَمَا اشْترك فِي الرّفْع الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر ونشكره على مننه الَّتِي جلت لما جلت الضراء بمواقعها وحلت عَن وُجُوه حسانها بإحسانها معاقد براقعها وحلت غمائم جودها على رياض عقولنا فاضحت كَأَن صغرى وكبرى من فواقعها
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة تقر لَهُ بِالْبَقَاءِ السرمد وتجرد من التَّوْحِيد سيوفًا لم تزل فِي مفارق أهل الشّرك تغمد وتبعث لنا فِي ظلمات اللحود أنوارًا لَا تخبو أشعتها وَلَا تخمد ونشهد أَن مُحَمَّدًا سيدنَا عَبده وَرَسُوله الَّذِي أنذر بِهِ الْقَوْم اللد وَنَصره بِالرُّعْبِ فَقَامَ لَهُ مقَام المثقفة الملد وَأنزل عَلَيْهِ فِي مُحكم كِتَابه الْعَزِيز وَمَا جعلنَا لبشر من قبلك الْخلد الْأَنْبِيَاء) (صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه الَّذين خَفَقت بهم عذبات الْإِسْلَام ونشرت أَعْلَام علمهمْ حَتَّى استبانت للهدى أَعْلَام واتضحت بهم غرر الزَّمن حَتَّى انْقَضتْ مددهم فَكَأَنَّهَا وَكَأَنَّهُم أَحْلَام صَلَاة لَا تغيب من سَمَاء روضها مجرة نهر وَلَا تسْقط من أنامل غصونها خَوَاتِم زهر مَا رَاح طَائِر كل حَيّ وَهُوَ على حِيَاض المون حايم وأشبهت الْحَيَاة وَإِن طَال أمدها حلم نَائِم وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين وَبعد فَلَمَّا كَانَت هَذِه الْأمة المرحومة وَالْملَّة الَّتِي أمست أَخْبَارهَا بمسك الظلام على كافور الصَّباح مرقومة خير أمة أخرجت للنَّاس وأشرف مِلَّة أبطل فَضلهَا الْمَنْصُوص من غَيرهَا قَوَاعِد الْقيَاس علماؤها كأنبياء بني اسرائيل وامراؤها كملوك فَارس فِي التنويه والتنويل وفضلاؤها آربوا على حكماء الْهِنْد واليونان فِي التَّعْلِيم وَالتَّعْلِيل كم فيهم من فَرد جمع المفاخر وكاثرت مناقبه البحور الزواخر وَغدا فِي الْأَوَائِل وَهُوَ أَمَام فَاتَ سوابق الْأَوَاخِر
1 / 25
(إِذا قَالَ لم يتْرك مقَالا لقَائِل ... بملتمات لَا يرى بَينهَا فصلا)
(كفى وشفى مَا فِي النُّفُوس فَلم يدع ... لذِي إربة فِي القَوْل جدا وَلَا هزلا)
)
وَكم أَتَى فيهم من كحلت مراود رماحه عُيُون اللحوم وتوقل حصونا لم يكن للكواكب فِيهَا ولوج وَلَا لطيف العدى هجوم وَضم عسكره الْمَجْرُور كل فتح أصبح الْعَدو بِهِ وَهُوَ مجزوم
(من كل من ضَاقَ الفضاء بجيشه ... حَتَّى ثوى فحواه لحد ضيق)
إِلَى غير ذَلِك مِمَّن شَارك الْأَوَائِل فِي الْعُلُوم الدقيقة وَاتخذ إِلَيْهَا مجَازًا أَدَّاهُ فِيهَا إِلَى الْحَقِيقَة واستنتج من مقدماتهم بَنَات فكر لم يرض جواهرهم لَهَا عقيقة
جمع المؤرخون رَحِمهم الله تَعَالَى أَخْبَار تِلْكَ الْأَحْبَار ونظموا سلوك تِلْكَ الْمُلُوك واحرزوا عُقُود تِلْكَ الْعُقُول وصانوا فصوص تِلْكَ الْفُصُول فوقفت على تواريخ مَاتَت أَخْبَارهَا فِي جلدهَا وَدخلت بتسطيرها الَّذِي لَا يبْلى جنَّة خلدها الْكَامِل
(وَرَأَيْت كلا مَا يُعلل نَفسه ... بتعلة وَإِلَى الْمَمَات يصير)
وَوجدت النَّفس تستروح إِلَى مطالعة أَخْبَار من تقدم ومراجعة آثَار من خرب ربع عمره وتهدم ومنازعة أَحْوَال من غبر فِي الزَّمَان وَمَا ترك للشعراء من متردم إِذْ هُوَ فن لَا يمل من أثارة دفائن دفاتره وَلَا تبل جوانح من الفه إِلَّا بمواطن مواطره كم من نَاظر اجتنى زهرًا ناضرًا من أوراقه وَكم من ماهر اقتنى قمرًا سافرًا بَين أرواقه لِأَن المطلع على أَخْبَار من درج ووقائع من غَابَ فِي غَابَ الْمَوْت وَمَا خرج ومآثر من رقا إِلَى سَمَاء السِّيَادَة وعرج ومناقب من ضَاقَ عَلَيْهِ خناق الشدَّة إِلَى أَن فتح لَهُ بَاب الْفرج يعود كَأَنَّهُ عاصر أُولَئِكَ وَجلسَ مَعَهم على نمارق الأسرة واتكا بَينهم على وسائد الأرائك واستجلى أقمار وُجُوههم إِمَّا فِي هالات الطيالس أَو فِي دارات الترائك وَشَاهد من أشرارهم شرر الشَّيَاطِين وفض لَهُ فضل أخيارهم فِي مَلأ الملائك وعاطاهم سلافة عصرهم فِي عصرهم السالف ورآهم فِي معاركهم ينتشقون رياحين السيوف ويستظلون القنا الراعف فَكَأَنَّمَا أُولَئِكَ الْقَوْم لداته وأترابه وَمن سَاءَهُ مِنْهُم أعداؤه وَمن سره أحبابه لكِنهمْ درجوا فِي الطليعة من قبله وأتى هُوَ فِي السَّاقَة على مهله الطَّوِيل
(وَمَا نَحن إِلَّا مثلهم غير أَنهم ... مضوا قبلنَا قدما وَنحن على الْأَثر)
والتاريخ للزمان مرْآة وتراجم الْعَالم للمشاركة فِي الْمُشَاهدَة مرقاة وأخبار الماضين لمن عَاقِر الهموم ملهاة الْبَسِيط
(لَوْلَا أَحَادِيث أبقاها أوائلنا ... من الندى والردى لم يعرف السمر)
1 / 26
)
وَمَا أحسن قَول الأرجاني الْبَسِيط
(إِذا عرف الْإِنْسَان أَخْبَار من مضى ... توهمته قد عَاشَ فِي أول الدَّهْر)
(وتحسبه قد عَاشَ آخر دهره ... إِلَى الْحَشْر إِن أبقى الْجَمِيل من الذّكر)
(فقد عَاشَ كل الدَّهْر من كَانَ عَالما ... كَرِيمًا حَلِيمًا فاغتنم أطول الْعُمر)
وَرُبمَا أَفَادَ التَّارِيخ حزما وعزما وموعظة وعلما وهمة تذْهب هما وبيانا يزِيل وَهنا ووهما وجيلا تثار للأعادي من مكامن المكائد وسبلًا لَا تعرج بالأماني إِلَى أَن تقع من المصائب فِي مصائد وصبرًا يَبْعَثهُ التأسي بِمن مضى واحتسابا يُوجب الرِّضَا بِمَا مر وحلا من القضا وكلا نقص عَلَيْك من أنباء الرُّسُل مَا نثبت بِهِ فُؤَادك هود فكم تشبت من وقف على التواريخ بإذيال معال تنوعت أجناسها وتشبه بِمن أخلده خموله إِلَى الأَرْض وأصعده سعده إِلَى السهى لِأَنَّهُ أَخذ التجارب مجَّانا مِمَّن انفق فِيهَا عمره وتجلت لَهُ العبر فِي مرْآة عقله فَلم تطفح لَهَا من قلبه جَمْرَة وَلم تسفح لَهَا فِي خَدّه عِبْرَة لقد كَانَ فِي قصصهم عِبْرَة لأولى الْأَلْبَاب يُوسُف فَأَحْبَبْت أَن أجمع من تراجم الْأَعْيَان من هَذِه الْأمة الْوسط وكملة هَذِه الْملَّة الَّتِي مد الله تَعَالَى لَهَا الْفضل الأوفى وَبسط ونجباء الزَّمَان وأمجاده ورؤوس كل فضل واعضاده وأساطين كل علم وأوتاده وأبطال كل ملحمة وشجعان كل حَرْب وفرسان كل معرك لَا يسلمُونَ من الطعْن وَلَا يخرجُون عَن الضَّرْب مِمَّن وَقع عَلَيْهِ اخْتِيَار تتبعي واختباري ولزنى إِلَيْهِ اضطرام تطلبي واضطراري مَا يكون متسقا فِي هَذَا التَّأْلِيف دره منتشقا من روض هَذَا التصنيف زهره فَلَا أغادر أحدا من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وأعيان الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ والملوك والأمراء والقضاة والعمال والوزراء والقراء والمحدثين وَالْفُقَهَاء والمشايخ والصلحاء وأرباب الْعرْفَان والأولياء والنحاة والأدباء وَالْكتاب وَالشعرَاء والأطباء والحكماء والألباء والعقلاء وَأَصْحَاب النَّحْل والبدع والآراء وأعيان كل فن اشْتهر مِمَّن اتقنه من الْفُضَلَاء من كل نجيب مجيد ولبيب مُفِيد الطَّوِيل
(طواه الردى طي الرِّدَاء وغيبت ... فواضله عَن قومه وفضائله)
فقد دَعَوْت الجفلى إِلَى هَذَا التَّأْلِيف وَفتحت أبوابه لمن دَخلهَا بِلَا تسويغ تسويف وَلَا تكليم تَكْلِيف وَذكرت لمن يجب فتحا يسره أَو خيرا قَرَّرَهُ أَو جودا أرْسلهُ أَو رَأيا أعمله أَو حَسَنَة أسداها أَو سَيِّئَة أبداها أَو بِدعَة سنّهَا وزخرفها أَو مقَالَة حرر فنها وَعرفهَا أَو كتابا وَضعه)
أَو تأليفًا جمعه أَو شعرًا نظمه أَو نثرا أحكمه الْبَسِيط
1 / 27
(ذكر الْفَتى عمره الثَّانِي وَحَاجته ... مَا فَاتَهُ وفضول الْعَيْش أشغال)
وَلم أخل بِذكر وَفَاة أحد مِنْهُم إِلَّا فِيمَا ندر وشذ وانخرط فِي سلك أقرانه وَهُوَ فذ لِأَنِّي لم أتحقق وَفَاته وَكم من حاول أمرا فَمَا بلغه وَفَاته على أَنه قد يَجِيء فِي خلال ذَلِك من لَا يضْطَر إِلَى ذكره ويبدو هجر شوكه بَين وصال زهره
قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى لَا يصل أحد من النَّحْو إِلَى مَا يحْتَاج إِلَيْهِ إِلَّا بعد معرفَة مَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ قلت فقد صَار مَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ مُحْتَاجا إِلَيْهِ لِأَن المتوقف وجوده على وجود شَيْء آخر مُتَوَقف على وجود ذَلِك الشَّيْء وَهَكَذَا كل علم لَا يبلغ الْإِنْسَان اتقانه إِلَّا بعد تَحْصِيل مَا لم يفْتَقر إِلَيْهِ فقد اذكر فِي كتابي هَذَا من لَا لَهُ مزية وَجعلت أصْبع الْقَلَم من ذكره تَحت رزة رزية غير أَن لَهُ مُجَرّد رِوَايَة عَن المعارف متفردة وَلم تكن لَهُ دراية حمائمها على غصون النَّقْل مغردة الْبَسِيط
(والأيك مُشْتَبهَات فِي منابتها ... وَإِنَّمَا يَقع التَّفْضِيل فِي الثَّمر)
وَلَكِن أردْت النَّفْع بِهِ للمحدث والأديب وَالرَّغْبَة فِيهِ للبيب والأريب وَجعلت ترتيبه على الْحُرُوف وتبويبه وتذهيب وَضعه بذلك وتهذيبه على أنني ابتدأت بِذكر سيدنَا مُحَمَّد رَسُول الله ﷺ إِذْ هُوَ الَّذِي أَتَى بِهَذَا الدّين الْقيم وسراجه وهاج وَصَاحب التَّنْبِيه على هَذِه الشرعة والمنهاج فاذكر تَرْجَمته مُخْتَصرا وأسرد أمره مُقْتَصرا لِأَن النَّاس قد صنفوا الْمَغَازِي وَالسير وأطالوا الْخَبَر فِيهَا كَمَا أطابوا الْخَبَر ومليت لما ملئت بشمائله مهارق التواليف وَرفعت لما وضعت تيجانها على مفارق التصانيف فَأول من صنف فِي الْمَغَازِي عُرْوَة بن الزبير ﵄ ثمَّ مُوسَى بن عقبَة ثمَّ عبد الله بن وهب ثمَّ فِي السّير ابْن إِسْحَق وَرَوَاهَا عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم من زَاد وَمن نقص فَمنهمْ زِيَاد بن عبد الله البكائي شيخ عبد الْملك بن هِشَام مُخْتَصر السِّيرَة وَسَلَمَة بن الْفضل الأبرش وَمُحَمّد بن سَلمَة الْحَرَّانِي وَيُونُس بن بكير الْكُوفِي وَعمل أَبُو الْقَاسِم السُّهيْلي رَحمَه الله تَعَالَى كتاب الرَّوْض الْأنف فِي شرح السِّيرَة الْمشَار إِلَيْهَا وَوضع عَلَيْهِ شَيخنَا الإِمَام الْحَافِظ شمس الدّين الذَّهَبِيّ كتابا سَمَّاهُ بلبل الرَّوْض وَفِي الطَّبَقَات الْكُبْرَى لِابْنِ سعد سيرة مُطَوَّلَة ثمَّ دَلَائِل النُّبُوَّة لأبي زرْعَة الرَّازِيّ شيخ مُسلم ثمَّ دَلَائِل السَّرقسْطِي ثمَّ دَلَائِل الْحَافِظ أبي نعيم فِي سفرين ثمَّ دَلَائِل النُّبُوَّة للنقاش صَاحب التَّفْسِير)
وَدَلَائِل النُّبُوَّة للطبراني وَدَلَائِل أبي ذَر الْمَالِكِي ثمَّ دَلَائِل الإِمَام الْبَيْهَقِيّ فِي سِتَّة أسفار كبار فأجاد مَا شَاءَ وأعلام النُّبُوَّة لأبي الْمطرف قَاضِي الْجَمَاعَة وأعلام النُّبُوَّة لِابْنِ قُتَيْبَة اللّغَوِيّ وَمن أَصْغَر مَا صنف فِي ذَلِك جُزْء لطيف لِابْنِ فَارس صَاحب الْمُجْمل فِي اللُّغَة وَكتاب الشَّمَائِل لِلتِّرْمِذِي ﵀ كتبته بخطى وقرأته على
1 / 28
شَيخنَا الْحَافِظ جمال الدّين الْمزي وَالشَّمَائِل لِلْحَافِظِ المستغفري النَّسَفِيّ وَكتاب صفة النَّبِي ﷺ للْقَاضِي أبي البخْترِي وَكتاب الْأَخْلَاق للْقَاضِي اسماعيل الْمَالِكِي وَكتاب الشفا للْقَاضِي عِيَاض وَالْوَفَاء لِابْنِ الْجَوْزِيّ فِي مجلدين والاقتفاء لِابْنِ مُنِير خطيب الاسكندرية ونظم الدُّرَر لِابْنِ عبد الْبر وسيرة ابْن حزم وَحجَّة الْوَدَاع فأجاد فِيهَا وسيرة الشَّيْخ شرف الدّين الدمياطي وسيرة الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ مختصرة وعيون الْأَثر فِي الْمَغَازِي وَالشَّمَائِل وَالسير لشَيْخِنَا الإِمَام الْحَافِظ فتح الدّين مُحَمَّد بن سيد النَّاس ورويتها عَنهُ سَمَاعا لبعضها من لَفظه وإجازة لعامتها وَله سيرة أُخْرَى مختصرة سَمعتهَا من لَفظه ولشيخنا الإِمَام الْحَافِظ شمس الدّين الذَّهَبِيّ فِي أول تَارِيخ الْإِسْلَام مُجَلد فِي الْمَغَازِي ومجلد فِي السِّيرَة قرأتهما عَلَيْهِ وَفِي تَارِيخ ابْن جرير فِي الْأَيَّام النَّبَوِيَّة جملَة من ذَلِك وَلابْن عَسَاكِر فِي صدر تَارِيخه لدمشق جُزْء كَبِير وَلابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه فِيمَا يتَعَلَّق بذلك نفس طَوِيل هَذَا إِلَى مَا فِي الْكتب الصِّحَاح السِّتَّة من ذكر شمائله ومغازيه وسيره الوافر
(وَيبقى ضعف مَا قد قيل فِيهِ ... إِذا لم يتْرك أحد مقَالا)
وَقد اتيت فِي التَّرْجَمَة النَّبَوِيَّة بِمَا لَا غنى عَن عرفانه وَلَا يسع الْفَاضِل غير الِاطِّلَاع على بديع مَعَانِيه وَبَيَانه وسردت ذكر من جَاءَ بعده من المحمدين إِلَى عصري وَأَبْنَاء زماني الَّذين أينع زهرهم فِي روض دهري ثمَّ أذكر البَاقِينَ من حرف الْألف إِلَى الْيَاء على توالي الْحُرُوف وأتيت فِي كل حرف بِمن جَاءَ فِيهِ من الْآحَاد والعشرات والمئين والألوف بِشَرْط أَن لَا أدع كميت الْقَلَم يمرح فِي ميدان طرسه إِذا أجررته رسنه وَلَا أكون إِلَّا من الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه الزمر وَلَا أغدو إِلَّا مِمَّن يلغي السَّيئَة وَيذكر الحسنه مجزوء الْكَامِل
(لَا خير فِي حَشْو الْكَلَام إِذا اهتديت إِلَى عيونه)
اللَّهُمَّ إِلَّا أَن كَانَ لِلْقَوْلِ مجَال ومجاز وَلم يرخ دون الإطالة حجاب وَلَا حجاز فقد رَأَيْت كثيرا مِمَّن تصدى لذَلِك أَتَى فِي كِتَابه بِفُضُول كَثِيرَة وفصول لَا تضطجع الْمَنَافِع مِنْهَا على فرش وثيرة ونقول لَيست مثيبة للْوَاقِف وَلَا للفوائد مثيرة الْخَفِيف)
(إِن بعض القريض مِنْهُ هذاء ... لَيْسَ شَيْئا وَبَعضه أَحْكَام)
(مِنْهُ مَا يجلب البراعة وَالْفضل وَمِنْه مَا يجلب البرسام)
وَقد قدمت قبل ذَلِك مُقَدّمَة فِيهَا فُصُول فوائدها مهمة وقواعدها يملك الْفَاضِل بهَا من الاتقان أزمة تتنوع الإفادة فِيهَا كَمَا تنوع الْأَعْرَاب فِي كم عمَّة وينال بهَا المتأدب مَا ناله أَبُو
1 / 29
مُسلم من الحزم وعلو الهمة ويهيم بهَا فكره كَمَا هام بمية ذُو الرمة ويبدو لَهُ من محاسنها مَا بدا من جمال ريا للصمة ثمَّ إِنِّي أعقد لكل اسْم بَابا يَنْقَسِم إِلَى فُصُول بِعَدَد حُرُوف المعجم تتَعَلَّق الْحُرُوف فِي الْفُصُول بأوائل أَسمَاء الْآبَاء ليتنزل كل وَاحِد فِي مَوْضِعه ويشرق كل نجم فِي هَذَا الْأُفق من مطلعه فَلَا يعدو أحدهم مَكَانَهُ وَلَا يرفع هَذَا تمسك تنسك وَلَا يخْفض ذَاك جِنَايَة خِيَانَة وَلَا يتَأَخَّر هَذَا لمهابط مهانة وَلَا يتَقَدَّم ذَاك لمكارم مكانة وَقد سميته الوافي بالوفيات وَمن الله تَعَالَى اطلب الإغاثة بالأعانة واستمد مِنْهُ التَّوْفِيق لطريق الْإِنَابَة والأبانة واستعينه على زمَان غلبت فِيهِ الزمانة لَا رب غَيره ينول العَبْد مناه وَأَمَانَة وَلَا إِلَه إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ هُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل
1 / 30
(الْمُقدمَة)
وفيهَا فُصُول الأول كَانَت الْعَرَب تورخ فِي بني كنَانَة من موت كَعْب بن لؤَي فَلَمَّا كَانَ عَام الْفِيل أرخت مِنْهُ وَكَانَت الْمدَّة بَينهمَا مئة وَعشْرين سنة قَالَ صَاحب الأغاني أَبُو الْفرج أَنه لما مَاتَ الْوَلِيد بن المُغيرة بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم أرخت قُرَيْش بوفاته مُدَّة لأعظامها إِيَّاه حَتَّى إِذا كَانَ عَام الْفِيل جَعَلُوهُ تَارِيخا هَكَذَا ذكره ابْن دَاب وَأما الزبير بن بكار فَذكر أَنَّهَا تؤرخ بوفاة هِشَام بن الْمُغيرَة تسع سِنِين الى ان كَانَت السّنة الَّتِي بنوا فِيهَا الْكَعْبَة فارخوا بهَا انْتهى وارخ بَنو اسماعيل ﵇ من نَار ابراهيم ﵇ إِلَى بنائِهِ الْبَيْت وَمن بنائِهِ الْبَيْت الى تفّرق معد وَمن تفرق معّد الى موت كَعْب بن لؤيّ وَمن عَادَة النَّاس ان يؤرخوا بالواقع الْمَشْهُور وَالْأَمر الْعَظِيم فأرخ بعض الْعَرَب بعام الْخِتَان لشهرته قَالَ النَّابِغَة الْجَعْدِي الوافر
(فَمن يَك سَائِلًا عني فَإِنِّي ... من الفتيان أَيَّام الْخِتَان)
(مَضَت مئة لعام ولدت فِيهِ ... وعام بعد ذَاك وحجتان)
(وَقد أبقت صروف الدَّهْر مني ... كَمَا أبقت من السَّيْف الْيَمَانِيّ)
وَكَانَت الْعَرَب قَدِيما تورخ بالنجوم وَهُوَ أصل قَوْلك نجمت على فلَان كَذَا حَتَّى يُؤَدِّيه فِي)
نُجُوم وَقَالَ بَعضهم قَالَت الْيَهُود إِن الْمَاضِي من خلق آدم ﵇ إِلَى تَارِيخ الاسكندر ثَلَاثَة آلَاف سنة وَأَرْبَعمِائَة سنة وَثَمَانِية وَأَرْبَعُونَ سنة وَقَالَت النَّصَارَى أَنَّهَا خَمْسَة آلَاف سنة وَمِائَة
1 / 31
وَثَمَانُونَ سنة وَأما الْمدَّة المحررة من هبوط آدم ﵇ من الْجنَّة إِلَى الأَرْض لتاريخ اللَّيْلَة المسفرة عَن صباح يَوْم الْجُمُعَة الَّذِي كَانَ فِيهِ الطوفان عِنْد الْيَهُود ألف سنة وسِتمِائَة وَخَمْسُونَ سنة وَعند النَّصَارَى ألفا سنة ومائتان وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ سنة وَعند السامرة ألف وثلاثمائة سنة وَسبع سِنِين وَقَالَ آخر الْمدَّة الَّتِي بَين خلق آدم وَيَوْم الطوفان ألفا سنة ومائتان وَعِشْرُونَ سنة وَثَلَاثَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَأما تَارِيخ الاسكندر الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن الْعَظِيم وتاريخ بخت نصر فمعلومان وتاريخ الطوفان مَجْهُول فأردنا تَصْحِيح ذَلِك وتحريره فصححناه بحركات الْكَوَاكِب وأوساطها من وَقت كَون الطوفان الَّذِي وضع فِيهِ بطلميوس أوساط الْكَوَاكِب فِي المجسطي فبمعاونة هذَيْن الْأَصْلَيْنِ صححنا تَارِيخ الطوفان بحركات الْكَوَاكِب كَمَا تصحح حركات الْكَوَاكِب بالتاريخ طردًا فعكسنا ذَلِك إِلَى خلف وجمعنا أزمنته وحررناه فَوَجَدنَا بَين الطوفان وبخت نصر من السنين الشمسية على أبلغ مَا يُمكن من التَّحْرِير ألفي سنة وَأَرْبَعمِائَة سنة وثلثي سنة وَربع سنة وَمِنْه إِلَى تَارِيخ السريان أَرْبَعمِائَة سنة وَسِتَّة وَثَلَاثُونَ سنة وجمعنا ذَلِك فَكَانَ مَا بَين الطوفان وَذي القرنين بعد جبر الكسور أَلفَيْنِ وتسع مائَة واثنين وَثَلَاثِينَ سنة ثمَّ زِدْنَا على ذَلِك مَا بَيْننَا وَبَين ذِي القرنين إِلَى عامنا هَذَا وَهُوَ سنة إِحْدَى وَسبعين وسِتمِائَة لِلْهِجْرَةِ فَبلغ من آدم ﵇ إِلَى الْآن سِتَّة آلَاف سنة وَسَبْعمائة وتسعا وَسبعين سنة على أبلغ مَا يُمكن من التَّحْرِير وَقَالَ وهب عَاشَ آدم ألف سنة وَفِي التَّوْرَاة تِسْعمائَة وَثَلَاثِينَ سنة وَكَانَ بَين آدم وطوفان نوح ألفا سنة ومائتان وَأَرْبَعُونَ سنة وَبَين الطوفان وَإِبْرَاهِيم ﵇ تِسْعمائَة وَسَبْعَة وَأَرْبَعُونَ سنة وَبَين إِبْرَاهِيم ومُوسَى ﵉ سَبْعمِائة سنة وَبَين مُوسَى وَدَاوُد ﵉ خَمْسمِائَة سنة وَبَين دَاوُد وَعِيسَى ﵉ ألف سنة وَمِائَة سنة وَبَين عِيسَى وَمُحَمّد نَبينَا صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِمَا سِتّمائَة وَعِشْرُونَ سنة وَالله أعلم بِالصَّوَابِ
(أقدم التواريخ الَّتِي بأيدي النَّاس)
زعم بَعضهم أَن أقدم التواريخ تَارِيخ القبط لِأَنَّهُ بعد انْقِضَاء الطوفان وَأقرب التواريخ الْمَعْرُوفَة تَارِيخ يزدجرد بن شهريار الْملك الْفَارِسِي وَهَذَا هُوَ تَارِيخ أرخه الْمُسلمُونَ عِنْد افتتاحهم بِلَاد)
الأكاسرة وَهِي الْبِلَاد الَّتِي تسمى بِلَاد إيران شهر وَأما التَّارِيخ المعتضدي فَمَا أَظُنهُ تجَاوز بِلَاد الْعرَاق وَفِيمَا بَين هَذِه التواريخ تواريخ القبط وَالروم وَالْفرس وَبني إِسْرَائِيل وتاريخ عَام الْفِيل وأرخ النَّاس بعد ذَلِك من عَام الْهِجْرَة وَأول من أرخ الْكتب من الْهِجْرَة عمر بن الْخطاب ﵁ فِي شهر ربيع الأول سنة سِتّ عشرَة وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ كتب إِلَى عمر ﵁ أَنه يأتينا من قبل أَمِير الْمُؤمنِينَ كتب لَا نَدْرِي على أَيهَا نعمل قد قَرَأنَا صكًا مِنْهَا مَحَله شعْبَان فَمَا نَدْرِي أَي الشعبانين الْمَاضِي أَو الْآتِي فَعمل عمر ﵁ على كتب التَّارِيخ فَأَرَادَ أَن يَجْعَل أَوله رَمَضَان فَرَأى أَن الْأَشْهر الْحرم تقع حِينَئِذٍ فِي سنتَيْن فَجعله من الْمحرم وَهُوَ
1 / 32
آخرهَا فصيره أَولا لتجتمع فِي سنة وَاحِدَة وَكَانَ قد هَاجر ﷺ يَوْم الْخَمِيس لأيام من الْمحرم فَمَكثَ مُهَاجرا بَين سير ومقام حَتَّى دخل الْمَدِينَة شَهْرَيْن وَثَمَانِية أَيَّام وَقَالَ العسكري فِي كتاب الْأَوَائِل أول من آخر النيروز المتَوَكل قَالَ بَينا المتَوَكل يطوف فِي متصيد لَهُ إِذْ رأى زرعا أَخْضَر قَالَ قد استأذنني عبيد الله بن يحيى فِي فتح الْخراج وَأرى الزَّرْع أَخْضَر فَقيل لَهُ أَن هَذَا قد أضرّ بِالنَّاسِ فهم يقترضون ويستسلفون فَقَالَ هَذَا شَيْء حدث أم هُوَ لم يزل كَذَا فَقيل لَهُ حَادث ثمَّ عرف أَن الشَّمْس تقطع الْفلك فِي ثَلَاثمِائَة وَخَمْسَة وَسِتِّينَ يَوْمًا وَربع يَوْم وَأَن الرّوم تكبس فِي كل أَربع سِنِين يَوْمًا فيطرحونه من الْعدَد فيجعلون شباط ثَلَاث سِنِين مُتَوَالِيَات ثَمَانِيَة وَعشْرين يَوْمًا وَفِي السّنة الرَّابِعَة وَهِي الَّتِي تسمى الكبيس نيجر من ذَلِك الرّبع يَوْم تَامّ فَيصير شباط تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا فَكَانَت الْفرس تكبس الْفضل الَّذِي بَين سنتها وَبَين سنة الشَّمْس فِي كل مئة وَسِتَّة عشر سنة شهرا وَهَذَا الكبس على طوله أصح من كبس الرّوم لِأَنَّهُ أقرب إِلَى مَا يحصله الْحساب من الْفضل فِي سنة الشَّمْس فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام عطل ذَلِك وَلم يعْمل بِهِ فاضر بِالنَّاسِ ذَلِك وَجَاء زمن هِشَام فَاجْتمع الدهاقنة إِلَى خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي فشرحوا لَهُ وسألوه أَن يُؤَخر النيروز شهرا فَكتب إِلَى هِشَام بن عبد الْملك وَهُوَ خَليفَة فَقَالَ هِشَام أَخَاف أَن يكون هَذَا من قَول الله تَعَالَى إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر التَّوْبَة فَلَمَّا كَانَ أَيَّام الرشيد اجْتَمعُوا إِلَى يحيى بن خَالِد الْبَرْمَكِي وسألوه أَن يُؤَخر النيروز نَحْو شهر فعزم على ذَلِك فَتكلم اعداؤه فِيهِ فَقَالُوا هُوَ يتعصب للمجوسية فَاضْرب عَنهُ فَبَقيَ على ذَلِك إِلَى الْيَوْم فَاحْضُرْ المتَوَكل إِبْرَاهِيم بن الْعَبَّاس وَأمره أَن يكْتب كتابا فِي تَأْخِير النيروز بعد أَن يحسبوا الْأَيَّام فَوَقع الْعَزْم على تَأْخِيره إِلَى سَبْعَة وَعشْرين يَوْمًا)
من حزيران فَكتب الْكتاب على ذَلِك وَهُوَ كتاب مَشْهُور فِي رسائل إِبْرَاهِيم وَإِنَّمَا احتذى المعتضد مَا فعله المتَوَكل إِلَّا أَنه قد قصره فِي أحد عشر يَوْمًا من حزيران فَقَالَ البحتري يمدح المتَوَكل الْخَفِيف
(لَك فِي الْمجد أول وأخير ... ومساع صغيرهن كَبِير)
(إِن يَوْم النيروز عَاد إِلَى الْعَهْد الَّذِي كَانَ سنه ازدشير)
(أَنْت حولته إِلَى الْحَالة الأولى وَقد كَانَ حائرا يستدير)
قَالَ أَحْمد بن يحيى البلاذري حضرت مجْلِس المتَوَكل وَإِبْرَاهِيم بن الْعَبَّاس يقْرَأ الْكتاب الَّذِي انشأه فِي تَأْخِير النيروز والمتوكل يعجب من حسن عِبَارَته ولطف مَعَانِيه وَالْجَمَاعَة تشهد لَهُ بذلك فدخلتني نفاسة فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي هَذَا الْكتاب خطأ فَأَعَادُوا النّظر فِيهِ وَقَالُوا مَا نرَاهُ وَمَا هُوَ فَقلت أرخ السّنة الفارسية بالليالي والعجم تورخ بِالْأَيَّامِ وَالْيَوْم عِنْدهم أَربع وَعِشْرُونَ
1 / 33
سَاعَة تشْتَمل على اللَّيْل وَالنَّهَار وَهُوَ جُزْء من ثَلَاثِينَ جُزْءا من الشَّهْر وَالْعرب تورخ بالليالي لِأَن سنتهمْ وشهورهم قمرية وَابْتِدَاء رُؤْيَة الْهلَال بِاللَّيْلِ قَالَ فَشَهِدُوا بِصِحَّة مَا قلت واعترف إِبْرَاهِيم وَقَالَ لَيْسَ هَذَا من علمي قَالَ فخف عني مَا دخلني من النفاسة ثمَّ قتل المتَوَكل قبل دُخُول السّنة الجديدة وَولى الْمُنْتَصر واحتيج إِلَى المَال فطولب بِهِ النَّاس على الرَّسْم الأول وانتقض مَا رسمه المتَوَكل فَلم يعْمل بِهِ حَتَّى ولي المعتضد فَقَالَ ليحيى بن عَليّ المنجم قد كثر ضجيج النَّاس فِي أَمر الْخراج فَكيف جعلت الْفرس مَعَ حكمتها وَحسن سيرتها افْتِتَاح الْخراج فِي وَقت لَا يتَمَكَّن النَّاس من أَدَائِهِ فِيهِ قَالَ فشرحت لَهُ أمره وَقلت يَنْبَغِي أَن يرد إِلَى وقته وَيلْزم يَوْمًا من أَيَّام الرّوم فَلَا يَقع فِيهِ تَغْيِير فَقَالَ الْحق عبد الله بن سُلَيْمَان فوافقه على ذَلِك فصرت إِلَيْهِ ووافقته وحسبنا حسابه فَوَقع فِي الْيَوْم الْحَادِي عشر من حزيران وَأحكم أمره على ذَلِك وَأثبت فِي الدَّوَاوِين وَكَانَ النيروز الْفَارِسِي فِي وَقت نقل المعتضد لَهُ يَوْم الْجُمُعَة لإحدى عشرَة لَيْلَة خلت من صفر سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَمن شهور الرّوم الْحَادِي عشر مكن نيسان فاخره حَسْبَمَا أوجبه الكبس سِتِّينَ يَوْمًا حَتَّى رَجَعَ إِلَى وقته الَّذِي كَانَت الْفرس ترده إِلَيْهِ وَكَانَ قد مضى لذَلِك مِائَتَان وَاثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سنة فارسية تكون من سني الْعَرَب مِائَتَيْنِ وَتِسْعَة وَثَلَاثِينَ سنة وَبضْعَة عشر يَوْمًا وَوَقع بعد التَّأَخُّر يَوْم الْأَرْبَعَاء لثلاث عشرَة لَيْلَة خلت من شهر ربيع الآخر سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَمن شهور الرّوم الْحَادِي عشر من حزيران)
انْتهى مَا حَكَاهُ العسكري قلت قَوْله تَعَالَى إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر التَّوْبَة الْآيَة فِي النسيء قَولَانِ الأول إِنَّه التَّأْخِير قَالَ أَبُو زيد نسأت الْإِبِل عَن الْحَوْض إِذا أخرتها وَكَأن النسيء عبارَة عَن التَّأْخِير من شهر إِلَى شهر آخر وَالثَّانِي هُوَ الزِّيَادَة قَالَ قطرب نسأ الله فِي الْأَجَل إِذا زَاد فِيهِ وَالصَّحِيح الأول نسأت الْمَرْأَة إِذا حملت لتأخير حَيْضهَا ونسأت اللَّبن إِذا أَخَّرته حَتَّى أَكثر المَاء فِيهِ كَانَت الْعَرَب تعتقد تَعْظِيم الْأَشْهر الْحرم تمسكا بِهِ من مِلَّة إِبْرَاهِيم ﵇ وَكَانَ يشق عَلَيْهِم الْكَفّ عَن مَعَايشهمْ وَترك الإغارة والقتال ثَلَاثَة أشهر على التوالي فنسئوا أَي أخروا تَحْرِيم ذَلِك الشَّهْر إِلَى غَيره فأخروا حُرْمَة الْمحرم إِلَى صفر فيحلون الْمحرم ويحرمون صفر وَإِذا احتاجوا إِلَى تَحْرِيم صفر أخروه إِلَى ربيع الأول هَكَذَا كل شهر حَتَّى يَدُور التَّحْرِيم على شهور السّنة كلهَا فَقَامَ الْإِسْلَام وَقد رَجَعَ الْمحرم إِلَى مَوْضِعه وَذَلِكَ بعد دهر طَوِيل فَخَطب ﷺ فِي حجَّة الْوَدَاع وَقَالَ إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَاوَات وَالْأَرْض السّنة اثْنَا عشر شهرا مِنْهَا أَرْبَعَة حرم ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات ذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم وَوَاحِد فَرد وَهُوَ رَجَب مُضر الَّذِي بَين جُمَادَى وَشَعْبَان ووقف ﷺ بِعَرَفَة فِي حجَّة الْوَدَاع يَوْم التَّاسِع وخطب بمنى يَوْم الْعَاشِر واعلمهم أَن
1 / 34
أشهر النسيء قد تناسخت باستدارة الزَّمَان وَعَاد الْأَمر إِلَى مَا وضع عَلَيْهِ حِسَاب الْأَشْهر يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأمرهمْ بالمحافظة عَلَيْهَا لِئَلَّا تتبدل فِيمَا يَأْتِي من الزَّمَان وَأول من نسأ النسيء بَنو مَالك بن كنَانَة أَبُو عبيد بَنو فقيم من كنَانَة أَو أول من فعل ذَلِك نعيم بن ثَعْلَبَة من كنَانَة وَكَانَ يكون الْمَوْسِم فَإِذا هم النَّاس بالصدر قَامَ فَخَطب وَقَالَ لَا مرد لما قضيت فَلَا أعاب وَلَا أحاب فَيَقُول لَهُ الْمُشْركُونَ لبيْك فيسألونه أَن ينسئهم شهرا يغيرون فِيهِ فَيَقُول فَإِن صفرًا الْعَام حرَام فيحلون الأوتار وينزعون الأسنة الأزجة وَإِن قَالَ حَلَال عقدوا الأوتار وشدوا الأزجة وأغاروا وَكَانَ من بعده جُنَادَة بن عَوْف وَهُوَ الَّذِي أدْركهُ النَّبِي ﷺ وَكَانَ يُقَال لَهُ القملش أَو أول من نسي النسيء عَمْرو بن لحي بن قمعة بن جُنْدُب
(الْفَصْل الثَّانِي)
تَقول الْعَرَب أرخت وورخت فيقلبون الْهمزَة واوًا لِأَن الْهمزَة نَظِير الْوَاو فِي الْمخْرج فالهمزة)
من أقْصَى الْحلق وَالْوَاو من آخر الْفَم فَهِيَ محاذيتها وَلذَلِك قَالُوا فِي وعد أعد وَفِي وُجُوه أجوه وَفِي أثوب أثوب وَأحد ووحد فعلى ذَلِك يكون الْمصدر تَارِيخا وتوريخًا بِمَعْنى وَقَاعِدَة التَّارِيخ عِنْد أهل الْعَرَبيَّة أَن يورخوا بالليالي دون الْأَيَّام لِأَن الْهلَال إِنَّمَا يرى لَيْلًا ثمَّ إِنَّهُم يؤنثون الذّكر ويذكرون الْمُؤَنَّث على قَاعِدَة الْعدَد لِأَنَّك تَقول ثَلَاثَة غلْمَان وَأَرْبع جوَار إِذا عرفت ذَلِك فَإنَّك تَقول فِي اللَّيَالِي مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْر ثَلَاث لَيَال إِلَى بَابه وَتقول فِي الْأَيَّام مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة ثَلَاثَة أَيَّام وَأَرْبَعَة أَيَّام وبابه فَإِن قلت لأي شَيْء فعلوا ذَلِك والتأنيث فرع على التَّذْكِير كَمَا تقرر فِي بَاب مَا لَا ينْصَرف لما كَانَ التَّأْنِيث عِلّة من الصّرْف قلت لِأَن الأَصْل فِي الْعدَد التَّأْنِيث لكَونه جمَاعَة والمذكر الأَصْل فأنث الأَصْل فِي هَذَا الْبَاب وَبَقِي الْمُذكر بِغَيْر تَأْنِيث لِأَنَّهُ فرع وَلِأَن الْفرق لَا يحصل إِلَّا بِزِيَادَة وَالزِّيَادَة يحتملها الْمُذكر لِأَنَّهُ أخف من الْمُؤَنَّث وَقَالُوا يَوْم وَاحِد ويومان وَثَلَاثَة أَيَّام وَمَا بعده إِلَى الْعشْرَة فَلم يضيفوا وَاحِد وَلَا اثْنَان إِلَى مُمَيّز فَأَما مَا جَاءَ من قَول الشَّاعِر الرجز
(كَأَن خصييه من التدلدل ... ظرف عَجُوز فِيهِ ثنتا حنظل)
1 / 35
فبابه الشّعْر وضرورة الشّعْر لَا تكون قَاعِدَة فَإِن قلت لأي شَيْء فعلوا ذَلِك قلت لِأَنَّهُ يعود إِلَى بَاب إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه لِأَنَّك إِذا قلت اثْنَا يَوْمَيْنِ أَو وَاحِد رجل فاليومان هما الأثنان وَالْوَاحد هُوَ الرجل وَإِذا قلت يَوْم ورجلان فقد دللت على الكمية وَالْجِنْس وَلَيْسَ كَذَلِك فِي أَيَّام وَرِجَال فِيمَا فَوق الثَّلَاثَة لِأَن ذَلِك يَقع على الْقَلِيل وَالْكثير فيضاف الْعدَد إِلَيْهِ لتعلم الكمية وأضافوا الْعدَد من الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة إِلَى جموع الْقلَّة فَقَالُوا ثَلَاثَة أَيَّام وَأَرْبَعَة أجمال وَخَمْسَة أشهر وَسِتَّة أرغفة وَلَا يُورد هَهُنَا قَوْله تَعَالَى ثَلَاثَة قُرُوء الْبَقَرَة لِأَنَّهُ ميز الثَّلَاثَة بِجمع الْكَثْرَة لِأَن الْمَعْنى كل وَاحِدَة من المطلقات تَتَرَبَّص للعدة ثَلَاثَة أَقراء ثَلَاثَة أَقراء فَلَمَّا كَانَ مَجْمُوع الْأَقْرَاء من المطلقات كثيرا ميز الثَّلَاثَة بِجمع الْكَثْرَة وَلَا ينْقض هَذَا بقوله تَعَالَى الله يتوفى الْأَنْفس الزمر فَأتى بِجمع الْقلَّة والنفوس المتوفاة كَثِيرَة إِلَى الْغَايَة أشعارًا بتهوين هَذَا الْفِعْل فِي مَقْدُور الله تَعَالَى وَكَأن توفى هَذِه النُّفُوس الْكَثِيرَة الَّتِي علم كثرتها وَتحقّق تزايدها فِي مَقْدُور الله تَعَالَى كَأَنَّهُ توفى أنفس قَليلَة دون الْعشْرَة وَلَا يُضَاف عدد أقل من سِتَّة إِلَى مميزين ذكر وَأُنْثَى لِأَن كل وَاحِد من المميزين جمع وَأَقل الْجمع ثَلَاثَة وَقَالُوا فِي الْعدَد الْمركب من بعد الشعرة إِلَى الْعشْرين وَهُوَ أحد عشر وَبَاب إِحْدَى عشرَة لَيْلَة واثنتا عشرَة سَاعَة وَثَلَاث عشرَة لَيْلَة وَمَا بعده إِلَى الْعشْرين بِإِثْبَات التَّأْنِيث فِي الجزءين من إِحْدَى عشرَة واثنتا عشرَة وَحذف التَّأْنِيث)
من الْجُزْء الأول فِي الْبَاقِي للمؤنث وَأحد عشر يَوْمًا وَاثنا عشر يَوْمًا وَثَلَاثَة عشر يَوْمًا وَمَا بعده إِلَى الْعشْرين بخلو الجزءين الْأَوَّلين من التَّأْنِيث وإثباته فِي الْجُزْء الأول لما بعده فِي الْمُذكر والحجازيون يسكنون الشين فِي عشرَة وَبَنُو تَمِيم يكسرونها وميزوا مَا بعد الْعشْرَة إِلَى الْعشْرين وَمَا بعْدهَا من الْعُقُود إِلَى التسعين بمنصوب فَقَالُوا أحد عشر كوكبًا وَأَرْبَعين لَيْلَة
فَإِن قلت هلا اجروا هَذَا الْمُمَيز مجْرى مَا قبل ذَلِك من الْوَاحِد إِلَى الْعشْرَة قلت أما فِي أحد عشر وبابه فَإِن حق الْجُزْء الْأَخير التَّنْوِين إِنَّمَا حذف تنوينه لبنائه من كَونه مركبا فَكَأَن التَّنْوِين مَوْجُود فِي اللَّفْظ لِأَنَّهُ لم يقم مقَامه شَيْء يبطل حكمه فَكَانَ بَاقِيا فِي الحكم فَمنع مميزه من الْإِضَافَة لِأَنَّهَا لَا تَجْتَمِع مَعَ التَّنْوِين وَأما فِي عشْرين وبابه لِأَن النُّون قَائِمَة مقَام التَّنْوِين الَّتِي فِي الْمُفْرد وَلِهَذَا تسْقط مَعَ الْإِضَافَة كالتنوين فَامْتنعَ الْمُمَيز أَيْضا من الْإِضَافَة فانتصب
وَأتوا بواو الْعَطف بعد الْعشْرين ومنعوها بعد الْعشْرَة إِلَى الْعشْرين فَقَالُوا أحد وَعِشْرُونَ وَأحد عشر فَإِن قلت مَا الْعلَّة فِي ذَلِك قلت حذفوها مَا بعد الْعشْرَة حملا على الْعشْرَة وَمَا قبلهَا من الْآحَاد لقربها مِنْهَا على لفظ الْأَعْدَاد المفردة فَلَمَّا بَعدت بعد الْعشْرين عَنْهَا أَتَوا بِالْوَاو فَإِن قلت فَهَلا اشتقوا فِي العشرات من لفظ الِاثْنَيْنِ كَمَا اشتقوا من الثَّلَاثَة ثَلَاثِينَ وهلم جرا إِلَى التسعين
1 / 36
قلت لِأَن اثْنَيْنِ أعرب بِالْألف فِي حَالَة الرّفْع وَعِشْرُونَ جرت مجْرى الْجمع السَّالِم فأعربت بِالْوَاو حَالَة الرّفْع فَلَو أَنهم فعلوا ذَلِك احْتَاجَ الْمُشْتَقّ فِي العشرات من الِاثْنَيْنِ أَن يكون لَهُ إعرابان فثنوا عشرَة فَقَالُوا عشرُون فَإِن قلت كَانَ يلْزم على هَذَا أَن يَقُولُوا عشرُون بِفَتْح الْعين والشين وَالرَّاء لِأَنَّهَا تَثْنِيَة عشر قلت لِأَن الأَصْل هَهُنَا كَمَا أوردت أَن يشتق من لفظ اثْنَيْنِ وَكَانَ أول الِاثْنَيْنِ مكسورًا فكسروا أول الْعشْرين وَسَكنُوا الشين طلبا للخفة وكسروا الرَّاء لمناسبة مَا جمع بِالْوَاو وَالنُّون أَلا تراهم ضموها فِي حَالَة الرّفْع وَأَيْضًا فان الْعشْرَة تؤنث وَجَمعهَا لَا يؤنث فكسروا أَولهَا فِي الْجمع لَان الْكسر من جنس الْيَاء وَقَالُوا مائَة يَوْم وَمِائَتَا يَوْم فَجعلُوا الممّيز من الْمِائَة الى الْألف وَمَا بعده مُضَافا وَلم يجروه مجْرى مَا بعد الْعشْرَة إِلَى التسعين فان قلت مَا العلّة فِي ذَلِك قلت لِأَن الْمِائَة حملت على الْعشْرَة لكَونهَا عقدا مثلهَا وحملت على التسعين لِأَنَّهَا تَلِيهَا فألزم مميزها الْإِضَافَة تَشْبِيها بِالْعشرَةِ وميزت بِالْوَاحِدِ دون الْجمع تَشْبِيها بالتسعين وَقَالُوا ثَلَاث مائَة وَأَرْبَعمِائَة وبابه فميزوه بالمفرد وَلم يميزوا بِالْجمعِ فَقَالُوا ثَلَاث مائين فَإِن قلت مَا الْعلَّة فِي ذَلِك قلت اكْتِفَاء بِلَفْظ الْوَاحِد عَن الْجمع قَالَ الله تَعَالَى)
ثمَّ يخرجكم طفْلا غَافِر أَي أطفالا وَقَالَ الشَّاعِر الْكَامِل
(كلوا فِي بعض بطنكم تعفوا ... فَإِن زمانكم زمن خميص)
على أَنه قد قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَلَبِثُوا فِي كهفهم ثَلَاث مائَة سِنِين الْكَهْف بِإِضَافَة مائَة إِلَى سِنِين وَهَذَا إِضَافَة الْمُمَيز إِلَى جمع فعلى هَذِه الْقِرَاءَة أقل مُدَّة لبثهم على مَذْهَب من يرى أَن الْجمع اثْنَان فَمَا فَوْقهمَا تكون سِتّمائَة سنة وتسع سِنِين لكَونه أضيف الْمُمَيز إِلَى جمع وَقَالُوا ألف لَيْلَة فأجروا ذَلِك فِي التَّمْيِيز مجْرى الْمِائَة فَإِن قلت مَا الْعلَّة فِي ذَلِك قلت لِأَن الْألف عقد كَمَا أَن الْمِائَة عقد وَقَالُوا ثَلَاثَة آلَاف لَيْلَة فَجمعُوا الْألف وَقد دخل على الْآحَاد وَلم يفرد مَعَ الْآحَاد كالمائة فَإِن قلت هَذَا ينْقض مَا قَرّرته أَولا من التَّعْلِيل قلت أَن الْألف طرف كَمَا أَن الْوَاحِد طرف لِأَن الْوَاحِد أول وَالْألف آخر ثمَّ تَتَكَرَّر الْأَعْدَاد فَلذَلِك أجري مجْرى الْآحَاد) تَنْبِيه (لفظ ألف مُذَكّر وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى يمددكم ربكُم بِخَمْسَة آلَاف من الْمَلَائِكَة آل عمرَان وَقد تقرر أَن الْمَعْدُود الْمُذكر يؤنث والمؤنث يذكر وَلَا يُورد قَوْلهم هَذِه ألف دِرْهَم فَإِن الْإِشَارَة إِنَّمَا هِيَ إِلَى الدَّرَاهِم لَا إِلَى الْألف وَتَقْدِيره هَذِه الدَّرَاهِم ألف وَقَالَت الْعَرَب ألف صنم وَألف أَقرع وَإِذا أردْت تَعْرِيف الْعدَد الْمُضَاف أدخلت الأداة على الِاسْم الثَّانِي فتعرف بِهِ الأول نَحْو ثَلَاثَة الرِّجَال وَمِائَة الدِّرْهَم كَقَوْلِك غُلَام الرجل قَالَ ذُو الرمة الطَّوِيل
1 / 37
(وَهل يرجع التَّسْلِيم أَو يكْشف الْعَمى ... ثَلَاث الأثافي والرسوم البلاقع)
وَلَا يجوز الْخَمْسَة دَرَاهِم لِأَن الْإِضَافَة للتخصيص وَتَخْصِيص الأول بِاللَّامِ يُغْنِيه عَن ذَلِك فَأَما مَا لم يضف فأداة التَّعْرِيف فِي الأول نَحْو الْخَمْسَة عشر درهما إِذْ لَا تَخْصِيص بِغَيْر اللَّام وَقد جَاءَ شَيْء ف على خلاف ذَلِك) تَنْبِيه (الفصيح إِن تَقول عِنْدِي ثَمَانِي نسْوَة وثماني عشرَة جَارِيَة وثماني مائَة دِرْهَم لِأَن الْيَاء هُنَا يَاء المنقوص وَهِي ثَابِتَة فِي حَالَة الْإِضَافَة وَالنّصب كياء قَاض فَإِن قلت قَول الْأَعْشَى الْكَامِل
(وَلَقَد شربت ثمانيا وثمانيا ... وثمان عشرَة واثنتين وأربعا)
يُخَالف ذَلِك قلت بَابه الضَّرُورَة فِي الشّعْر كَمَا قَالَ الآخر الوافر
(وطرت بمنصلي فِي يعملات ... دوامي الأيد يخبطن السريحا)
يُرِيد الْأَيْدِي على أَنه قد قريء وَله الْجوَار المنشئات الرَّحْمَن بِضَم الرَّاء
(الْفَصْل الثَّالِث)
)
(فِي كَيْفيَّة كِتَابَة التَّارِيخ)
تَقول للعشرة وَمَا دونهَا خلون لِأَن الْمُمَيز جمع وَالْجمع مؤنث وَقَالُوا لما فَوق الْعشْرَة خلت وَمَضَت لأَنهم يُرِيدُونَ أَن مميزه وَاحِد وَتقول من بعد الْعشْرين لتسْع أَن بَقينَ وثمان أَن بَقينَ تَأتي بِلَفْظ الشَّك لاحْتِمَال أَن يكون الشَّهْر نَاقِصا أَو كَامِلا وَقد منع أَبُو عَليّ الْفَارِسِي رَحمَه الله تَعَالَى أَن يكْتب لليلة خلت كَمَا منع من صبيحتها أَن يُقَال المستهل لِأَن الاستهلال قد مضى وَنَصّ على أَن يورخ بِأول الشَّهْر فِي الْيَوْم أَو بليلة خلت مِنْهُ وَقَالَ الحريري فِي) درة الغواص (وَالْعرب تخْتَار أَن تجْعَل النُّون للقليل وَالتَّاء للكثير لأَرْبَع خلون ولأربع عشرَة لَيْلَة خلت قَالَ وَلَهُم
1 / 38
اخْتِيَار آخر وَهُوَ أَن تجْعَل ضمير الْجمع للكثير الْهَاء وَالْألف وَضمير الْجمع الْقَلِيل الْهَاء وَالنُّون الْمُشَدّدَة كَمَا نطق الْقُرْآن إِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا فِي كتاب الله يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أَرْبَعَة حرم ذَلِك الدّين الْقيم فَلَا تظلموا فِيهِنَّ أَنفسكُم التَّوْبَة فَجعل ضمير الْأَشْهر الْحرم بِالْهَاءِ وَالنُّون لقلتهن وَضمير شهور السّنة الْهَاء وَالْألف لكثرتها وَكَذَلِكَ اخْتَارُوا أَيْضا أَن ألْحقُوا لصفة الْجمع الْكثير الْهَاء فَقَالُوا أَعْطيته دَرَاهِم كَثِيرَة وأقمت أَيَّامًا مَعْدُودَة وألحقوا لصفة الْجمع الْقَلِيل الْألف وَالتَّاء فَقَالُوا أَقمت أَيَّامًا معدودات وَكسوته أثوابًا رفيعات وعَلى هَذَا جَاءَ فِي سُورَة الْبَقَرَة وَقَالُوا لن تمسنا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة الْبَقَرَة وَفِي سُورَة آل عمرَان إِلَّا أَيَّامًا معدودات آل عمرَان كَأَنَّهُمْ قَالُوا أَولا بطول الْمدَّة ثمَّ أَنهم رجعُوا عَنهُ فقصروا الْمدَّة انْتهى وَالْوَاجِب أَن تَقول فِي أول الشَّهْر لليلة خلت مِنْهُ أَو لغرته أَو لمستهله فَإِذا تحققت آخِره قلت انسلاخه أَو سلخه أَو آخِره قَالَ ابْن عُصْفُور وَالْأَحْسَن أَن تورخ بِالْأَقَلِّ فِيمَا مضى وَمَا بقى فَإِذا اسْتَويَا أرخت بِأَيِّهِمَا شِئْت قلت بل إِن كَانَ فِي خَامِس عشر قلت منتصف أَو فِي خَامِس عشر وَهُوَ أَكثر تَحْقِيقا لاحْتِمَال أَن يكون الشَّهْر نَاقِصا وَأَن كَانَ فِي الرَّابِع عشر ذكرته أَو السَّادِس عشر ذكرته
) فَائِدَة (وَرَأَيْت الْفُضَلَاء قد كتبُوا بعض الشُّهُور بِشَهْر كَذَا وَبَعضهَا لم يذكرُوا مَعَه شهرا وَطلبت الْخَاصَّة فِي ذَلِك فَلم أجدهم أَتَوا بِشَهْر إِلَّا مَعَ شهر يكون أَوله حرف رَاء مثل شَهْري ربيع وشهري رَجَب ورمضان وَلم أدر الْعلَّة فِي ذَلِك مَا هِيَ وَلَا وَجه الْمُنَاسبَة لِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَن يحذف لفظ شهر من هَذِه الْمَوَاضِع لِأَنَّهُ يجْتَمع فِي ذَلِك راءان قد فروا من ذَلِك وَكَتَبُوا دَاوُد وناوس وَطَاوُس بواو وَاحِدَة كَرَاهِيَة الْجمع بَين المثلين وَجَرت الْعَادة بِأَن يَقُولُوا فِي)
شهر الْمحرم شهر الله وَفِي شهر رَجَب شهر رَجَب الْفَرد أَو الْأَصَم أَو الأصب وَفِي شعْبَان شعْبَان المكرم وَفِي رَمَضَان رَمَضَان الْمُعظم وَفِي شَوَّال شَوَّال الْمُبَارك ويورخوا أول شَوَّال بعيد الْفطر وثامن ذِي الْحجَّة بِيَوْم التَّرويَة وتاسعه بِيَوْم عَرَفَة وعاشره بعيد النَّحْر وتاسع الْمحرم بِيَوْم تاسوعاء وعاشره بِيَوْم عَاشُورَاء فَلَا يَحْتَاجُونَ أَن يذكرُوا الشَّهْر وَلَكِن لَا بُد من ذكر السّنة قد يَجِيء فِي بعض الْمَوَاضِع نَيف وبضع مثل قَوْلهم نَيف وَعشْرين وَهُوَ بتَشْديد الْيَاء وَمن قَالَ نَيف بسكونها فَذَلِك لحن وَهَذَا اللَّفْظ مُشْتَقّ من أناف على الشَّيْء إِذا أشرف عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ لما زَاد على الْعشْرين كَانَ بِمَثَابَة المشرف عَلَيْهَا وَمِنْه قَول الشَّاعِر المتقارب
(حللت برابية رِأسها ... على كل رابية نَيف)
وَاخْتلف فِي مِقْدَاره فَذكر أَبُو زيد أَنه مَا بَين الْعقْدَيْنِ وَقَالَ غَيره هُوَ الْوَاحِد إِلَى الثَّلَاثَة وَلَعَلَّ هَذَا الْأَقْرَب إِلَى الصَّحِيح وَقَوْلهمْ بضع عشرَة سنة الْبضْع أَكثر مَا يسْتَعْمل فِيمَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْر وَقيل بل هُوَ مَا دون نصف العقد وَقد آثروا القَوْل الأول إِلَى النَّبِي ﷺ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين الرّوم وَذَلِكَ أَن الْمُسلمين كَانُوا يحبونَ أَن تظهر الرّوم على فَارس لأَنهم أهل كتاب وَكَانَ الْمُشْركُونَ يميلون إِلَى أهل فَارس لأَنهم أهل أوثان فَلَمَّا بشر الله تَعَالَى الْمُسلمين بِأَن الرّوم سيغلبون فِي بضع سِنِين سر الْمُسلمُونَ بذلك
1 / 39
ثمَّ أَن أَبَا بكر بَادر إِلَى مُشْركي قُرَيْش فَأخْبرهُم بِمَا نزل عَلَيْهِم فِيهِ فَقَالَ لَهُ أبين بن خلف خاطرني على ذَلِك فخاطره على خمس قلايص وَقدر لَهُ مُدَّة الثَّلَاث سِنِين ثمَّ أَتَى النَّبِي ﷺ فَسَأَلَهُ كم الْبضْع فَقَالَ مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة فَأخْبرهُ بِمَا خاطر بِهِ أبي بن خلف فَقَالَ مَا حملك على تقريب الْمدَّة فَقَالَ الثِّقَة بِاللَّه وَرَسُوله فَقَالَ لَهُ النَّبِي ﷺ عد إِلَيْهِم فزدهم فِي الْخطر وازدد فِي الْأَجَل فَزَادَهُم قلوصين وازداد مِنْهُم فِي الْأَجَل سنتَيْن فاظفر الله تَعَالَى الرّوم بِفَارِس قبل انْقِضَاء الْأَجَل الثَّانِي تَصْدِيقًا لتقدير أبي بكر ﵁ وَكَانَ أبي قد مَاتَ من جرح رَسُول الله ﷺ فَأخذ أَبُو بكر الْخطر من وَرَثَة أبي فَقَالَ لَهُ النَّبِي ﷺ تصدق بِهِ وَكَانَت المخاطرة بَينهمَا قبل تَحْرِيم الْقمَار وَقيل الَّذِي خاطر أَبَا بكر إِنَّمَا هُوَ أَبُو سُفْيَان وَالْأول أصح
(الْفَصْل الرَّابِع)
(النّسَب مِمَّا يضْطَر إِلَيْهِ المورخ)
)
فَأَقُول النّسَب هُوَ الْإِضَافَة لِأَن النّسَب إِضَافَة شَيْء إِلَى بلد أَو قَرْيَة أَو صناعَة أَو مَذْهَب أَو عقيدة أَو علم أَو قَبيلَة أَو وَالِد كَقَوْلِك مصري أَو مزي أَو منجنيقي أَو شَافِعِيّ أَو معتزلي أَو نحوي أَو زهري أَو خالدي فَهَذَا الْمَعْنى إِنَّمَا هُوَ إِضَافَة وَلِهَذَا كَانَ النُّحَاة الأقدمون يترجمونه بِبَاب الْإِضَافَة وَإِنَّمَا سميته نسبا لِأَنَّك عَرفته بذلك كَمَا تعرف الْإِنْسَان بآبائه وَإِنَّمَا زيد عَلَيْهِ حرف لنقله إِلَى الْمَعْنى الْحَادِث عَلَيْهِ طردًا للقاعدة فِي التَّأْنِيث والتثنية وَالْجمع فَإِن قلت لأي شَيْء اخْتصّت الْيَاء دون اختيها الْوَاو وَالْألف وَالْكل من حُرُوف الْمَدّ واللين قلت لِأَن النّسَب قد تقرر أَنه إِضَافَة شَيْء إِلَى شَيْء فِي الْمَعْنى وَأثر الْإِضَافَة فِي الثَّانِي الْجَرّ والكسرة من جنس الْيَاء فَنَاسَبَ زِيَادَة الْيَاء دون الْوَاو وَالْألف فأعرفه فَإِن قلت فلأي شَيْء شَدَّدُوا يَاء النّسَب قلت لِأَن النّسَب أبلغ فِي الْمَعْنى من الْإِضَافَة فشددوا للدلالة على الْمَعْنى لأَنهم قَالُوا صَرْصَر الْبَازِي وصر الجندب فَإِن قلت فلأي شَيْء كسروا مَا قبلهَا قلت توطيدًا لَهَا واعتناءً بأمرها لِأَن الْيَاء لَا يكون مَا قبلهَا إِلَّا من جِنْسهَا إِذا نسبت إِلَى الِاسْم الصَّحِيح الثلاثي الْمُفْرد أقررته على بنائِهِ فَتَقول بكري وعمري إِلَّا أَن يكون مكسور الْعين فتقل نمري ومعدي وابلي ودؤلي نِسْبَة إِلَى نمر ومعدة وابل ودؤل فتفتح الْمِيم وَالْعين وَالْبَاء وَالْوَاو وَإِنَّمَا فعلوا ذَلِك فِرَارًا من توالي الكسرات وَإِذا نسبت إِلَى رباعي أَو خماسي أقررته على بنائِهِ وزدته يَاء النّسَب فَتَقول أحمدي وسفرجلي نِسْبَة إِلَى أَحْمد وسفرجل فَإِن كَانَت عين الرباعي مَكْسُورَة مثل تغلب ويثرب ومغرب ومشرق قلت تغلبي ويثربي ومغربي ومشرقي بِكَسْر ثالثه وَعند الْمبرد الْفَتْح مطرد وَعند سِيبَوَيْهٍ مَقْصُور على السماع وَإِذا نسبت إِلَى معتل الطّرف محذوفه لزمك فِي النّسَب رد مَا حذف مِنْهُ فَتَقول أخوي وأبوي وذووي وعموي وغدوى وعضوى نِسْبَة الى أَخ وَأب وَذُو بِمَعْنى صَاحب وَعم
1 / 40
وغد وعضة لأَنهم قَالُوا فِي التَّثْنِيَة أَخَوان وأبوان وعميان فان كَانَ الْمَنْسُوب إِلَيْهِ لم يرد إِلَيْهِ مَا حذف مِنْهُ بالتثنية فَأَنت بِالْخِيَارِ إِن شِئْت رَددته وَإِن شِئْت حذفته فَتَقول يَدي وَدمِي ويدوي ودموي نِسْبَة إِلَى يَد وَدم لأَنهم قَالُوا يدان وَدَمَانِ فَإِن كَانَ فِي الِاسْم تَاء الحاق فِي آخِره أَو همزَة وصل فِي أَوله فَإنَّك تحذفهما فَتَقول اخوي وبنوي نِسْبَة إِلَى أُخْت وَبنت وَابْن كَمَا قلت فِي مذكريهما وهمزة الْوَصْل إِن لم تحذفها لم ترد الْمَحْذُوف وَإِن حذفتها لزمك ردهَا فَتَقول ابْني وبنوي وسموي واسمي فَإِذا كَانَ الْمَنْسُوب إِلَيْهِ حرفين لَا ثَالِث لَهما وَلم يكن الثَّانِي حرف لين جَازَ لَك التَّضْعِيف وَعَدَمه فَتَقول كمي وكمي بتَخْفِيف الْمِيم وتشديدها)
نِسْبَة إِلَى كم فَإِن كَانَ الثَّانِي حرف لين وَجب تَضْعِيفه فَتَقول فيوى ولووي نِسْبَة إِلَى فِي وَلَو فَإِن كَانَ حرف اللين ألفا ضوعف وأبدلت الثَّانِيَة همزَة ثمَّ أوليت يَاء النِّسْبَة فَتَقول لائي نِسْبَة إِلَى لَا وَيجوز قلب الْهمزَة واوًا فَتَقول لاوى وَإِذا نسبت إِلَى مَحْذُوف الأول سليم الآخر لم ترد إِلَيْهِ الْمَحْذُوف فَتَقول صفي وعدي نِسْبَة إِلَى صفة وعدة وَلَك الْخِيَار فِي الصَّحِيح فَتَقول ثبي وقلي وثبوي وقلوي كَمَا قلت فِي دم فَإِن كَانَ معتل الآخر وَجب الرَّد فَتَقول وشوى وحرحى بِكَسْر الْوَاو وَفتح الشين نِسْبَة إِلَى شية وحر وَفِي لُغَة لغي ولغوي فَإِذا نسبت إِلَى مضاعف الثَّانِي لم تفكه فَتَقول رَبِّي وَلَا تَقول رببي نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ فَإِذا نسبت إِلَى الْمَقْصُور حذفت أَلفه خَامِسَة فَصَاعِدا ورابعة إِذا تحرّك ثَانِي مَا هِيَ فِيهِ فَتَقول حبارى وجمزى نِسْبَة إِلَى حبارى وجمزى وَإِن كَانَت الْألف رَابِعَة وَسكن ثَانِي مَا هِيَ فِيهِ جَازَ لَك حذفهَا وقلبها واوًا مُبَاشرَة للياء أَو مفصولة بِأَلف فَتَقول حُبْلَى وحبلوى وحبلاوى نِسْبَة إِلَى حُبْلَى ودنيوي ودنياوي نِسْبَة إِلَى دنيا وَالْمُخْتَار الأول وَإِذا نسبت إِلَى الْمَقْصُور الثلاثي قلبت الْألف واوًا فَتَقول قفوي ورحوي وعصوي نِسْبَة إِلَى قفا ورحى وعصا وَإِذا نسبت إِلَى المنقوص حذفت ياءه إِن كَانَت خَامِسَة فَصَاعِدا كَقَوْلِك معتدى نِسْبَة إِلَى مُعْتَد فَإِن كَانَت رَابِعَة جَازَ حذفهَا وقلبها واوًا كَقَوْلِك قَاضِي وقاضوي نِسْبَة إِلَى قَاض والحذف هُوَ الْمُخْتَار قَالَ الشَّاعِر فِي لُغَة الْقلب الطَّوِيل
(وَكَيف لنا بالشرب إِن لم يكن لنا ... دَرَاهِم عِنْد الحانوي وَلَا نقد)
وَقَول النَّاس قضوى لَيْسَ من هَذَا الْبَاب وَإِنَّمَا هَذَا نِسْبَة إِلَى قضا بِالْقصرِ وَإِذا نسبت إِلَى المنقوص الثلاثي فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا فتح عينه وقلب الْيَاء واوًا تَقول شجوي وندوي نِسْبَة إِلَى شجي وندي وَإِذا نسبت إِلَى مَمْدُود فَإِن كَانَت الْهمزَة أَصْلِيَّة كقراء سلمت فَقلت قرائي نِسْبَة إِلَى قراء
1 / 41
لِأَن التَّثْنِيَة قراءان وَإِن كَانَت بَدَلا من ألف التَّأْنِيث قلبت واوا فَتَقول صحراوي نِسْبَة إِلَى صحراء لِأَن التَّثْنِيَة صحراوان وَإِن كَانَت منقلبة عَن أصل أَو زَائِدَة للالحاق جَازَ فِيهَا أَن تسلم وَأَن تقلب واوا فَتَقول كسائي وكساوي نِسْبَة إِلَى كسَاء لِأَن التَّثْنِيَة كساءان وكساوان وَإِذا نسبت إِلَى مثل مَاء وَشاء قلبت الْهمزَة واوًا فَقلت ماوي وشاوي وَالْقَصِيدَة ياوية وَقَالَ الراجز الرجز
(لَا ينفع الشاوي فِيهَا شاته ... وَلَا حِمَاره وَلَا أداته)
وَإِذا نسبت إِلَى شقاوة وَنَحْوه مِمَّا آخِره وَاو سَالِمَة بعد ألف وَكَذَا سِقَايَة وحولايا مِمَّا الْيَاء فِيهِ غير ثَالِثَة قلت شقاوى وسقاءي وحولاوي وَإِذا نسبت إِلَى وزن فعيلة فتحت ياءه وحذفت عينه)
فَتَقول جهني ومزني نِسْبَة إِلَى جُهَيْنَة وَمُزَيْنَة وشذ من هَذَا رديني وعميري نِسْبَة إِلَى ردينة وعميرة وَإِذا نسبت إِلَى الْمُؤَنَّث وَلم يكن على هَذَا الْوَزْن حذفت التَّاء أَيْن وَقعت فَتَقول طلحي ومكي وبصري وعجوزي وسفرجلي نِسْبَة إِلَى طَلْحَة وَمَكَّة وَالْبَصْرَة وعجوزة وسفرجلة اللَّهُمَّ إِلَّا مَا كَانَ على وزن فعيلة بِفَتْح الْفَاء فَتَقول دِرْهَم خليفتي نِسْبَة إِلَى الْخَلِيفَة وَإِذا نسبت إِلَى فعيل وفعيل بِفَتْح الْفَاء وَكسر الْعين فِي الأول وَضم الْفَاء وَفتح الْعين فِي الثَّانِي فَإِن كَانَا صحيحي اللَّام فالمطرد فِي النِّسْبَة إِلَيْهِمَا عقيلي وعقيلي نِسْبَة إِلَى عقيل وَعقيل وَقد يُقَال فيهمَا فعلي وفعلي بِضَم الْفَاء وَفتحهَا تَقول ثقفي وهذلي وَإِذا نسبت إِلَى وزن أُميَّة وطهية قلت أموي وأموي بِضَم الْهمزَة وَفتحهَا وطهوي وطهوي بِضَم الطَّاء وَفتحهَا وَالْفَتْح على غير قِيَاس فيهمَا وَإِذا نسبت إِلَى مَا هُوَ مضاعف إِلَى مثل جليلة وطويلة لم تحذف الْيَاء لِأَنَّك لَو حذفت قلت جللي وطولي وَكَانَ مستثقلًا فك التَّضْعِيف وَالصَّوَاب أَن تَقول جليلي وطويلي
وَكَذَلِكَ النِّسْبَة إِلَى سلول وعدو تَقول سلولي وعدوي وَإِذا نسبت إِلَى مركب فَإِن كَانَ الْمركب جملَة فعلية نسبت إِلَى صدر الْجُمْلَة وَقلت تأبطي وبرقي وكنتي وكوني نِسْبَة إِلَى تأبط شرا وبرق نَحره وَكنت وَإِن
1 / 42
كَانَ الْمركب مُضَافا ومضافًا إِلَيْهِ وَالْأول يتعرف بِالثَّانِي نسبت إِلَى الثَّانِي وحذفت الأول كَقَوْلِك بكري وزبيري وكراعي نِسْبَة إِلَى أبي بكر وَابْن الزبير وَابْن كرَاع وَإِن كَانَا قد جعلا بِمَنْزِلَة زيد وَلم يقْصد تَعْرِيف الأول بِالثَّانِي نسبت إِلَيْهِمَا بِصِيغَة ربَاعِية منحوتة مِنْهُمَا أَي مركبة وَذَلِكَ مسموع غير مقيس كَقَوْلِك عبدري وعبقسي وتيملي وعبشمي وحضرمي نِسْبَة إِلَى عبد الدَّار وَعبد قيس وتيم اللات وَعبد شمس وحضرموت إِلَّا أَن خفت التباسًا فِي مثل امرء الْقَيْس وَعبد منَاف فَإنَّك تَقول امرءي ومنافي وَأَجَازَ الْجرْمِي النِّسْبَة إِلَى كل من الجزءين فَتَقول حضري أَو موتِي وَإِن كَانَ الْمركب تركيب مزج فعلت بِهِ كالقسم الأول فَتَقول بعلي ومعدي وخمسي نِسْبَة إِلَى بعلبك ومعدي كرب وَخَمْسَة عشر وقالي نِسْبَة إِلَى قالي قلا وَمِنْهُم من ينْسب إِلَيْهِمَا قَالَ الشَّاعِر الطَّوِيل
(تَزَوَّجتهَا رامية هرمزية ... بِفضل الَّذِي أعْطى الْأَمِير من الرزق)
فنسبها إِلَى رام هُرْمُز وَإِذا نسبت إِلَى مَا آخِره يَاء كياء النّسَب فَإِن كَانَت رَابِعَة فَصَاعِدا فحذفت وَجعل موضعهَا يَاء النّسَب فَتَقول شَافِعِيّ فِي النِّسْبَة إِلَى الشَّافِعِي وَكَذَا تفعل فِي نَحْو مرمى فِي الْأَصَح مَعَ كَون ثَانِي يائيه غير زايدة وَمن الْعَرَب من يحذف أول يائيه ويقلب الثَّانِيَة واوا بعد فتح الْعين فَيَقُول مرموي وشفعوي)
وَإِذا نسبت إِلَى مَجْمُوع فَإِن كَانَ جمع تكسير وَلم يكن لَهُ وَاحِد من لَفظه مثل عباديد وشماطيط قلت عباديدي وشماطيطي فَإِن كَانَ للْجمع وَاحِد من لَفظه وَلم يكن بَاقِيا على جمعيته قلت أنماري وأنصاري ومدائيني وهوازني نِسْبَة إِلَى الأنمار وَالْأَنْصَار والمدائن وهوزان وَإِن كَانَ بَاقِيا على جمعيته نسبت إِلَى واحده فَقلت فَرضِي ورجلي نِسْبَة إِلَى الْفَرَائِض وَالرِّجَال وَقد جَاءَ فِي الشّعْر شاذًا قَول الْقَائِل الرجز مُشَوه الْخلق كلابي الْخلق الْقيَاس كَلْبِي نِسْبَة إِلَى كلاب وَزعم الْخَلِيل أَن نَحْو ذَلِك مسمعي فِي المسامعة ومهلبي فِي المهالبة فَإِن كَانَ لَا وَاحِد لَهُ نسبت إِلَيْهِ كَقَوْلِك نفري ورهطي نِسْبَة إِلَى نفر ورهط فَإِن جمعت الْجمع رَددته إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَتَقول فِي أَنْفَار نفري وَفِي أَقوام قومِي وَفِي نسْوَة وَنسَاء نسوي وَتقول فِي محَاسِن وأعراب محاسني وأعرابي لِأَنَّك لَو قلت عَرَبِيّ لتغير الْمَعْنى لِأَن الْأَعرَابِي لَا يَقع إِلَّا على البدوي والعربي لَيْسَ كَذَلِك وَإِذا نسبت إِلَى أَبنَاء فَارس قلت بنوي فأجروه على الأَصْل
وَإِن كَانَ الْجمع جمع سَلامَة فَإِن كَانَ جمعا غير علم حذفت الزيادتين وَقلت زيدي نِسْبَة إِلَى زيدين فَإِن كَانَ علما قلت زيديني وَكَذَا فِي الْمثنى إِن كَانَ تَثْنِيَة قلت زيدي وَإِن كَانَ علما قلت زيداني وَإِن كَانَ الْجمع قد جعلت النُّون
1 / 43
فِيهِ حرف أَعْرَاب قلت نصيبيني ويبريني وقنسريني نِسْبَة إِلَى نَصِيبين ويبرين وقنسرين وَكَذَلِكَ حكم سِنِين أَن جَعلتهَا جمعا كمسلمين قلت سنهي وسنوي وسني وَإِن كَانَ النُّون فِيهِ حرف الْأَعْرَاب قلت سنيني وَإِن كَانَ الْجمع سالما بِالْألف وَالتَّاء فَإِن سميت رجلا بتمرات قلت فِي النِّسْبَة إِلَيْهِ تمري بِفَتْح الْمِيم وَإِن كَانَ جمعا قلت تمري بِسُكُون الْمِيم وَقَالُوا فِي النِّسْبَة إِلَى أَذْرُعَات أذرعي وَفِي عانات عاني
وَأما الْمَنْسُوب على غير قِيَاس فَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع الأول مَا كَانَ حَقه التَّغْيِير فَلم يغيروه كَقَوْلِهِم فِي النِّسْبَة إِلَى سليقة سليقي وَإِلَى عميرَة كلب عميري وسليمة سليمي وَإِلَى حَمْرَاء حمرائي بِالْهَمْزَةِ وَإِلَى بعلبك بعلبكي حَكَاهُمَا الْكُوفِيُّونَ وَإِلَى كنت كنتني قَالَ الشَّاعِر الطَّوِيل
(وَلست بكنتي وَلست بعاجز ... وَشر الرِّجَال الكنتني وعاجز)
وَالثَّانِي مَا كَانَ حَقه إِن لَا يتَغَيَّر فغيروه كَقَوْلِهِم فِي النِّسْبَة إِلَى هُذَيْل وسليم هذلي وسلمي وَإِلَى فقيم وقريش ومليح خُزَاعَة فقمي وقرشي وملحي وَفِي فقيم دارم ومليح خُزَيْمَة فقيمي ومليحي)
وَإِلَى أمس وَالْبَصْرَة أمسي وبصري بِكَسْر الْهمزَة وَالْبَاء وَإِلَى السهل والدهر سهلي ودهري بِضَم السِّين وَالدَّال وَإِلَى الْبَحْرين والنهرين والحصنين بحراني ونهراني وحصناني فرقا بَين النِّسْبَة إِلَى الْبَحْر وَالنّهر والحصن وَبَين مَا تقدم وَقَالُوا فِي النِّسْبَة إِلَى مَا فِي الْجَسَد من الْأَعْضَاء الرؤسي والشفاهي والأياري والجماني والرقباني واللحياني والشعراني إِذا كَانَ عَظِيما فِي هَذِه الْأَعْضَاء مُخَالفَة للنسب إِلَى الْبَلَد وَالْأَب وَقَالُوا فِي الْأُفق أفقي بِفَتْح الْهمزَة وَالْفَاء وَفِي الطلح طلاحي وَفِي خُرَاسَان خراسى وخرسى وَفِي حمض حمضي بِفَتْح الْمِيم وَفِي حرم مَكَّة حرمى بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون الرَّاء وَفِي الرّبيع والخريف ربعى وخرفى بِسُكُون الرائين وَالْبَاء وَالْخَاء وَفِي قفا قفي وَفِي الشأم وَالْيَمِين وتهامة شآم ويمان وتهام وَمِنْهُم من يَقُول يماني وشامي وتهامي كَأَن هَذَا نسب إِلَى الْمَنْسُوب وَفِي الرّوح روحاني وَإِلَى مرو والري مروزى ورازي قَالَ إِبْنِ عُصْفُور وَلَا يُقَال فِي غير الْإِنْسَان إِلَّا مروى الثَّالِث مَا كَانَ حَقه ان يتَغَيَّر ضربا من التَّغْيِير فغيروه تغييرًا آخر كَقَوْلِهِم فِي النّسَب إِلَى زبينة زباني وَإِلَى الْحيرَة وطيء حارى وطائي قَالَ سِيبَوَيْهٍ مَا أظنهم قَالُوا فِي طَيء طائي إِلَّا فِرَارًا من اجْتِمَاع الياءات وَإِلَى الْعَالِيَة علوي وَإِلَى الْبَادِيَة بدوي وَإِلَى الشتَاء شتوي وَإِلَى بني عُبَيْدَة عَبدِي
1 / 44