وقد نقل السبكي في (شفاء السقام) أن معاوية رضي الله عنه لما أجرى العين التي استنطها بالمدينة وذلك بعد أحد بنحو من خمسين سنة وأمر بنقل الموتى أصابت المساحي قدم حمزة رضي الله عنه فسال منه الدم، ذكره مستدلا به في حياة الشهداء، ولعل هذه العين هي المعروفة بعين الشهداء لا بعين الأزرق وهو مروان بن الحكم أجراها بأمر معاوية أيضا لأن أصلها بقبا معروف ولا ممر لها بالشهداء، فإن قيل: قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه) دال على عدم استمرار الحياة، قلنا: بل هو دال عليها، كما استدل به البيهقي وقال: معنى إلا وقد ورد الله على روحي: توجيهه كما قال بعضهم أنه دل على الرد عند سلام أول مسلم. وكونها تقبض بعد ذلك لم يرد ولم يقل به أحد ولا يجوز اعتقاده فإنه يفضي إلى موتات لا تحصر بل لا تخلو ساعة من الساعات من سلام عليه، فالحياة دائمة الثبوت رد السلام دائما. وقال بعضهم: هذا الرد عبارة عن إيثار خاص والتفات روحاني يحصل من الحضرة النبوية إلى عالم الدنيا وتنزل إلى دوائر البشرية من الاستغراق في الحضرة العلية حتى يحصل عنه ذلك برد السلام وشهود عرض أعمال الأمة وغير ذلك، أو يقال أن هذا خطاب على مقدار فهم المخاطبين من أهل الدنيا على ما يفهمون من شأن الخارج من الدنيا لا بد من عود روحه إليه حتى يسمع ويجيب فكأنه قال: أنا أجيب تمام الإجابة وأسمع ذلك تمام السماع، فلا ترتابوا فيه، أو يقال إتيانه بحرف الاستعلاء في قوله علي روحي دليل على أن الأنانية ثابتة والروح ترد عليها فكان ذلك عبارة عن تجدد وصف مع ثبوت أصل الوجود والحياة وإنما يتوهم خلاف ذلك لو قال رد روحي في أو في جسدي، ذكر ذلك الشيرازي.
وقد قال الأستاذ أبو منصور البغدادي في أجوبة مسائل الجاجرميين: قال المتكلمون المحققون من أصحابنا أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حي بعد وفاته وأنه يسر بطاعات أمته وأن الأنبياء لا يبلون وقد أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم أنه رأى موسى عليه السلام في قبره مصليا.
وقال البيهقي في كتابه (الاعتقاد) الأنبياء عليهم السلام بعدما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء.
وقد رأى نبينا صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج جماعة منهم وقد أفردنا لإثبات حياتهم كتابا.
وقال صاحب (التلخيص) من أصحابنا: أن ماله عليه الصلاة والسلام الذي خلفه قائم على ملكه فينفق منه على أهله وعده من خصائصه، وصحح ذلك إمام الحرمين وقال: أنه الموافق لسيرة الصديق فيما خلفه صلى الله عليه وسلم انتهى.
وهذا يقتضي إثبات الحياة في أحكام الدنيا أيضا، وقد نازعه ابن أبي الدم في ذلك وقال: إن أراد الله ما أراد به في حق الشهيد بقوله: (بل هم أحياء عند ربهم يرزقون) فصحيح ولكن لا خلاف أن الشهيد إذا قتل تترتب أحكام الموت عليه ومن جملتها انقطاع ملكه عن موجوده.
صفحہ 121