...قلت وقد استفدنا من كلامه أن إزالة ما انهدم كان قبل البناء وهو الظاهر لما فيه من الوفاء لما يجب البدار له من إزالة ذلك من المحل المقدس وما قدمناه من كلام ابن زبالة يقتضي أنه بعد البناء، ويجمع بينهما بأن ذلك فعل مرتين، فالأولى هي ما أصاب ذلك المحل الشريف بسبب انهدام الجدار وهي التي اقتصر على ذكره مالك رحمه الله، والثانية هي إزالة ما نشأ عن البناء من تراب وغيره ليقع الاحتياط قي تنظيف المحل الشريف وهي التي اقتصر عليها ابن زبالة.
وقال العلامة ابن رشد في (جامع بيانه) في الكلام على عبارة الإمام مالك السابقة: إنما ستر عمر القبر إكراما له وخشي لما رأى الناس قد اجتمعوا أن يدخلوا البيت فيتزاحموا على القبر فيؤذوه بالوطء لتزاحمهم عليه رغبة في التبرك به، فأمر مزاحما مولاه بالانفراد في الدخول فيه وقمه وإصلاح ما انثلم فيه بانهدام الحائط عليه وإنما ستر القبر عن الناس وبنى عليه صيانة له مخافة أن ينقل ترابه ليستشفى به، أو يتخذ مسجدا يصلى فيه، وأما ما وقع من ذلك بعد عمر بن عبد العزيز فهو ما ذكره الحافظ ابن النجار ونقله عنه من بعده من المؤرخين من أن في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة سمع من داخل الحجرة المشرفة هده، فكان الوالي يومئذ بالمدينة المشرفة قاسم بن مهنا الحسيني، قال: وكان يفهم العلم فذكر له ذلك فقال: ينزل شخص من أهل الدين والصلاح فلم يجدوا يومئذ أمثل حالا من الشيخ عمر النشئي شيخ شيوخ الصوفية بالموصل، وكان مجاورا بالمدينة الشريفة فكلموه في ذلك عن الأمير، فاعتذر بمرض كان يحتاج معه إلى الوضوء في غالب الوقت فألزمه الأمير قاسم بالدخول فقال: أمهلوني حتى أروض نفسي فيقال أنه امتنع عن الأكل والشرب مدة وسأل الله تعالى إمساك المرض عنه بقدر ما يبصر ويخرج، فأنزلوه بالحبال من بين السقفين من الطابق المتقدم وصفه في الباب الأول فنزل بين حائط بيت النبي صلى الله عليه وسلم وبين الحائز الذي بناه عمر بن عبد العزيز ومعه شمعة ليستضيء بها، ومشى إلى باب البيت ودخل من الباب إلى القبور المقدسة، فرأى شيئا من الردم إما من السقف أو من الحيطان فأزاله وكسح ماعليها بلحيته، وكان مليح الشيبة، وأمسك الله عنه المرض بقدر مادخل وخرج وعاد إليه وجعه.
صفحہ 113