وفي لحظة ظهر يقول: مولاي، جاء رجل مجنون يصر على مقابلة دولتكم في هذه الدقيقة، ولما كان ميعاد المقابلات للأشخاص المجهولين قد فات رده الحارس، فأصر، فرده ثانية، وأخيرا رام أن يدخل عنوة وقهرا، فأطلق الحارس مسدسه تهويلا له فولى. - أين هو. ألا يزال هنا؟ - أظنه ما زال واقفا في آخر الشارع. - أما ذكر من هو؟ - قدم بطاقة باسم مجهول. - استدعه حالا وقل له أني أود أن أراه. أسرع!
بعد دقائق عاد الحارس يقود شابا في شرخ الشباب، عالي الجبين وضاح المحيا، حديد الباصرة حداق الحدقة، طويل القامة أنيق الملبس.
ثم أومأ الغازي مصطفى باشا كمال إلى الحارس فخرج، وبقي الشاب وحده لديه. فقال الغازي: ماذا تريد هنا في آخر السهرة؟ - جئت بمهمة إليك. - من أنت أولا وما اسمك؟ - اسمي رجاء الدين أفندي موظف في السفارة الروسية.
فاستغرب الغازي وقال: عجبا! لا أتوقع رسولا من السفارة الروسية في مثل هذه الحال، ولا أعتاد أن يأتي إلي مندوب من السفارة بهذه الكيفية وفي مثل هذا الوقت. فلا ريب أنك ...
فقاطعه رجاء الدين أفندي قائلا: مهلا يا فخامة الغازي، لا أسهل من إثبات شخصيتي. وضرب الشاب يده في جيبه واستخرج بعض أوراق. ومن غير أن يتناولها الغازي قال: ولكن لماذا لم تقل للحارس إنك مندوب من السفارة الروسية؟! قدمت له بطاقة باسم غير معروف عندنا، فهو معذور فيما فعل. - كلا يا صاحب الدولة، إنه غير معذور؛ فقد رجوته أن يقدم بطاقتي للحارس الداخلي فأبى. فرجوته أن يسمح لي بمقابلة الحارس الداخلي كي أتفاهم معه فلم يسمح. فحاولت أن أدخل لمقابلة الحارس الداخلي عنوة فتهددني بإطلاق الرصاص. - ولكن بطاقتك لا تدل على وظيفتك. - ليس هذا شغله. كان عليه أن يقدمها لدولتكم وأنتم تفهمون. - كيف أفهم وأنا لا أعرف هذا الاسم؟ - أما خاطب سعادة السفير حضرتكم بالتلفون منذ برهة؟ - كلا. - عجبا! لقد أخبرني سعادته أنه سيخاطب دولتكم تلفونيا وينبئكم بتشرفي! - لم يفعل. وهبه فعل، فماذا كان يضرك لو قدمت بطاقة تدل على وظيفتك؟ - إني مأمور بزيارة سرية لدولتكم، وأستغرب أن سعادة السفير لم يتلفن لدولتكم.
عند ذلك رن جرس التلفون، فتقدم الغازي إلى السماعة ووضعها على أذنه، فإذا سفير روسيا يخاطبه وسخط على مصلحة التلفون لأنها لم تلبه. ثم أخبره أن مندوبا من قبله سيصل إليه ويبسط له أمرا.
فقال الغازي: لقد وصل والحمد لله بالسلامة ونجا من خطر. - عجبا! ماذا جرى؟ - حدث سوء تفاهم بينه وبين الحارس، وسيروي لك ما حدث.
فقال السفير: وهو سيروي لك الآن ماذا حدث.
عند ذلك خاطب مصطفى باشا مركز التلفون ووبخ الإدارة، وكان عذرها أن عطلا حدث كالعادة.
فتمرمر الغازي لنفسه وقال: يالله! متى نستطيع أن نتقن أعمالنا كالإفرنج! إن هذا الشرق عليل، عليل، عليل، يجب أن نطلقه.
نامعلوم صفحہ