مع قريش حين قالت له تفاخره: «أتباعك من هؤلاء الموالي (كبلال، وعمار، وصهيب) خير من قصي بن كلاب، وعبد مناف، وهاشم، وعبد شمس؟»
فقال: «نعم، والله لئن كانوا قليلا ليكثرن، ولئن كانوا ضعفاء ليشرفن، حتى يصيروا نجوما يهتدى بهم ويقتدى فيقال: «هذا قول فلان» «وذكر فلان». فلا تفاخروني بآبائكم الذين موتوا في الجاهلية فلما يدهده الجعل بمنخره خير من آبائكم الذين موتوا فيها .
فاتبعوني أجعلكم أنسابا. والذي نفسي بيده، لتقتسمن كنوز كسرى وقيصر!»
فقال له عمه أبو طالب: «أبق علي وعلى نفسك!» فظن النبي أنه خاذله فقال: «يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته.» ثم استعبر باكيا، ثم قام فلما ولى ناداه: «أقبل يا ابن أخي.» فأقبل فقال: «اذهب وقل ما شئت، فوالله لا أسلمتك لسوء أبدا!» •••
أرأيتم خيرا من هذه الأمثلة يسوقها الخطيب يعظ بها قومه، ويضرب لهم بها أعلى الأمثال؟
مثال الطمع وعاقبته
فإذا شاء الخطيب أن يقرب للناس مثل الطمع وعاقبته، فلعل أبلغ مثال يسوقه إليهم هو أن يقص عليهم: «حكاية الدرويش وصاحب الجمال»
وخلاصتها أن رجلا كان يملك ثمانين جملا، فكان يستأجره الناس لحمل متاجرهم من بلد إلى بلد، ففي ذات يوم كانت جماله الثمانون تحمل خشبا من بغداد إلى البصرة؛ فلقيه في طريقه درويش وسار معه زمنا، ثم جاء وقت الغداء فأكل الدرويش معه، وبعد قليل قال له الدرويش: «لقد صرنا رفيقين وصديقين، وسأرشدك إلى كنز ثمين تحمل منه ما شئت من ذهب ولآلئ - على جمالك - ثم نقتسم هذا الغنم معا، فما رأيك؟»
فهش الرجل، وطار فرحا بهذه الصفقة الرابحة التي تضمن له الغنى طول حياته.
وقاده الدرويش إلى ذلك الكنز الثمين، وفتحه، وحملا الجمال الثمانين ما استطاعت حمله من نفائس وذخائر.
نامعلوم صفحہ