ويراه النبي ذات يوم وقد بلغ الحزن من نفسه وقلبه ما لم يبلغه منهما قط، وعيناه تنهلان بدموع غزار، فيدنو النبي منه رفيقا به، فيكفكف دمعه ويمسح عينيه ويقول: ويحك ابن سمية! أخذك الكفار فغطوك في الماء حتى قلت كذا وكذا، فإن عادوا فعد! ولكنهم لم يعودوا من فورهم، وإنما انتظروا بعمار حتى أطعموه في العافية، ثم أخذوه فعذبوه وفتنوه، ثم تركوه. وأقبل عمار على النبي خزيان أسفا تنهل دموعه غزارا على وجه مربد كئيب، فلما رآه النبي قال: «ما وراءك؟» قال عمار وهو ينتحب: شر يا رسول الله، والله ما تركوني حتى ذكرت آلهتهم بخير وذكرتك بما تكره ويحبون. قال رسول الله: «فكيف تجد قلبك؟» قال عمار : أجده مطمئنا بالإيمان، قال رسول الله: «فإن عادوا فعد.» وأنزل الله في ذلك قرآنا:
من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم .
ولم يخلص عمار من هذه الفتنة المنكرة التي كانت تتلاحق طورا وتتقطع طورا آخر إلا حين أذن الله للمسلمين في الهجرة إلى أرض الحبشة، فهاجر عمار الهجرة الثانية ثم هاجر بعد ذلك إلى المدينة، فعاش مع رسول الله آمنا سالما موفورا.
15
استوثق رسول الله
صلى الله عليه وسلم
لدعوته ولأصحابه ولنفسه من حيي يثرب: الأوس والخزرج، وعاهدهم أن يؤووه وينصروه ويحموا ظهره ويقاتلوا من دونه من بغى عليه أو أراده بسوء حتى يبلغ رسالات ربه، وبايعه على هذا العهد نقباء
240
هذين الحيين: الأوس والخزرج، ثم أذن الله بعد ذلك لرسوله وللمسلمين في الهجرة إلى مستقرهم الجديد، وكان الإسلام قد سبقهم إلى يثرب، بشر به من أرسله رسول الله ليبشر به، فكانت الهجرة إلى دار استقر فيها الإسلام قبل أن يستقر فيها المهاجرون، وقد أذن رسول الله لأصحابه في الهجرة إلى المدينة فجعلوا يذهبون إليها أرسالا، وهو
صلى الله عليه وسلم
نامعلوم صفحہ