182
الفتى فينعقد لسانه فلا يقول شيئا، وإنما يقف واجما ذاهلا يردد طرفه الحائر بين الرجلين. ويظل الفتى كذلك، وقد انصرف عنه ذو النظر المطمئن وصاحبه ومضيا مستأنيين لا ينظران إليه ولا يقولان له شيئا، ولم يدر الفتى أطال وقوفه ذلك الحائر أم قصر، ولم يدر الفتى ماذا صنع ولا فيم فكر بقية يومه، وإنما يرى نفسه حين تنصرف الشمس إلى مغربها مجررة أذيالها تلك الشاحبة التي تتعلق بأعالي الربى ورءوس الجبال ريثما تسحبها الشمس أو يمحوها الليل - يرى نفسه في تلك الساعة رائحا إلى مكة وبين يديه غنيماته يهش
183
عليها بعصاه دون أن يفكر فيها أو يحفل بها، وقد امتلأت نفسه بخاطر يحسه ولا يتبينه، ثم يرى نفسه وقد آوى الغنيمات إلى حظيرتها، وأقبل يسعى هادئا مطمئن الخطو ذاهل النفس مع ذلك مشرد العقل يلتمس عقبة بن أبي معيط، فيراه قد جلس في صحن داره ومن حوله بنوه وبعض ذوي قرابته، فيسعى الفتى حتى يقف منه غير بعيد، ثم يقول: أي أبا الوليد، أغد
184
مع غنيماتك غيري من رقيقك وأحلافك؛ فإني عن رعيها راغب منذ اليوم.
قال عقبة: ويحك يا فتى هذيل! ماذا أنكرت منا أو منها؟!
قال الفتى: لم أنكر منكم ولا منها شيئا، ولكني رغبت عن رعي الغنم. ثم ولى لا يسمع لما كان يقال له، ولا يحفل
185
بما كان يظن به، ولم يعد إلى بيته، وإنما عاد إلى ذلك المكان الذي كان يرعى فيه غنيماته، واستحضر في نفسه ذينك الرجلين يعروهما بعض الروع
نامعلوم صفحہ