وكانت أم أنمار هذه امرأة خزاعية قد ألمت بمكة، وتزوجت من بعض أحلاف زهرة فيها، وعاشت تسعى بأداتها في دور قريش، وكان الشباب قد انصرم عنها، وجعلت الشيخوخة تسعى إليها مبطئة ، وكانت كثيرة الصمت، إلا أن تثار إلى الكلام، وهناك لا تجد إلى السكوت ولا يجد إليها السكوت سبيلا.
فلما عادت مساء ذلك اليوم وجدت ابنها وغلامها قد تصرفا في فنون اللعب حتى أدركهما بعض الجهد، فأطعمتهما وسقتهما، ثم أخذت تتحدث إلى الغلام في دعة ورفق. قالت له: ما اسمك يا بني؟ قال الغلام: خباب.
قالت أم أنمار: خباب ابن من؟
قال الغلام: خباب بن الأرت. ولكنه لم ينطق الراء كما ينطقها الصبية حين يكمل خلقهم وتستقيم ألسنتهم، وإنما انحرف بها بين شيء إلى اللام والياء.
قالت أم أنمار: خباب بن الأرت! من أي أحياء العرب أنت يا بني؟
قال الغلام: أحياء العرب! أحياء العرب! لا أدري.
قالت أم أنمار: أأعجمي أنت؟
قال الصبي: أعجمي؟ أعجمي! لا أدري.
قالت أم أنمار: وما اسم أمك يا بني؟ هنالك انتحب الصبي حتى رق له قلب العجوز، فكفت عن سؤاله، وجعلت ترفق به وتكفكف دمعه حتى ثاب إليه شيء من طمأنينة وهدوء، ثم آوته إلى مضجعه، وما زالت تلطف به حتى أسلمته إلى النوم، وقد أرجأت تعرف قصته إلى غد أو بعد غد.
وقد حاولت أم أنمار من الغد ومن بعد الغد أن تستوفي قصة الصبي، فعرفت منه بعد لأي وبعد نحيب وشهيق وبعد رفق كثير به وعطف كثير عليه، أن هؤلاء الرهط من بني عامر أصابوا أسرته على غرة والحي خلوف،
نامعلوم صفحہ