قال أبو جهل عمرو بن هشام وقد انتفخ سحره
68
وورم أنفه وصعد الدم إلى وجهه، وجعلت عيناه تقدحان شررا: هيهات! لا واللات والعزى لا تصلون إلى هؤلاء الأسارى وقائم هذا السيف في هذه اليد، وإني لأعلم أني أحدثت في هذا الحرم ما لا عهد لأهله به، ولكنك تعلم يا عم أن محمدا قد سبقني فأحدث في هذا الحرم ما لا عهد لأهله به.
قال الوليد في رفق: ويحك يا ابن أخي! فإن محمدا لم يحرق دارا، ولم يعنف بأحد، ولم يضع أحدا في الحديد.
قال أبو جهل: بل هو فعل شرا من ذلك، إنه أفسد علينا الرقيق، وأفسد علينا الدهماء،
69
يغريهم بآلهتنا، ثم لا يكفيه ذلك فيغريهم بأموالنا ومرافقنا، ويطمعهم في مراتبنا ومنازلنا التي توارثناها، ثم لم نخلد إليها، وإنما نبذل في الاحتفاظ بها ما نملك من قوة وجهد، ألم تر إلى هؤلاء الرقيق الذين اتبعوا محمدا يزعمون أنهم رجال أمثالنا، وأن لهم مثل ما لنا من الحق، وأن عليهم مثل ما علينا من التبعات، وأنهم أكرم منا عند الله منزلة وأرفع منا عنده مكانة؛ لأنهم يخلصون له قلوبهم، ويؤمنون به وحده لا يشركون معه اللات والعزى ومناة وهبل؟! فهم أولو الرأي والحلم، ونحن السفهاء والمحمقون! ويحك يا عم! إنكم إن تتركوا محمدا وأصحابه ينشرون دعوتهم هذه في أرض مكة لا تزيدوا على أن تجعلوا عاليها سافلها، وعلى أن تضيعوا ما أورثكم آباؤكم من العز والمجد ومن الثراء والسلطان. وأيهما شر، أن تتسامع العرب بأن الحلماء من أهل مكة يزجرون السفهاء ويردونهم إلى القصد، أم أن تتسامع العرب بأن الرقيق من أهل مكة قد أصبحوا سادة، وبأن السادة قد أصبحوا رقيقا، وبأن الآلهة التي يحجون إليها من أقصى الأرض قد أصبحت هزؤا وسخرية؟! لا والله، لا تصلون إلى هؤلاء الأسارى وقائم هذا السيف في هذه اليد.
قال أمية بن خلف: وصلتك رحم يا أبا الحكم! والله لقد سعيت فأحسنت السعي أمس، ولقد قلت فأحسنت القول اليوم، وإن أمر محمد وأصحابه لشوكة في جنب هذا الحي من قريش، ولن يستقيم لهذا الحي أمره حتى تنزع من جنبه هذه الشوكة، ولو قد بلا عمك من رقيقه وأحلافه مثل ما بلوت أنا من بعض أتباعي لما اشتط عليك في القول، ولما ألح عليك باللوم منذ اليوم، وإن الذي صنعت بأساراك من أحلاف مخزوم ورقيقها أمس قد صنعت مثله بقوم من أحلاف جمح ورقيقها. ولا والله يا معشر قريش ما لكم من أمركم خيرة، وإنما هي الحرب المنكرة قد حملت إليكم ونصبت عليكم في عقر داركم،
70
فإن أردتم أن يصبح مالكم نهبا لعبيدكم وإمائكم والطارئين عليكم من أوشاب العرب وأخلاط الناس، وإن أردتم أن يفقد هذا البيت حرمته، وتفقد هذه الآلهة ذكرها الطائر في الآفاق، وتصد العرب عن الحج إليكم واللياذ بكم، وتصبحوا أحدوثة في الأفواه وسمرا للسامرين، فخلوا بين محمد وأصحابه وما يريدون، وإن أردتم أن تمسكوا عليكم أموالكم، وتحفظوا على الآلهة سلطانها، وتكفلوا لهذا الحرم ذكره بين الناس، فشدوا على أيديكم،
نامعلوم صفحہ