61
عرقا، وهنالك جعل سادة مخزوم يتقارضون نظرات سراعا فيها من العجب أكثر مما فيها من السؤال، وهم عمرو بن هشام أن يتكلم، فقال له عمه الوليد بن المغيرة: حسبك يا ابن أخي! ارفق بهذا الشيخ؛ فإنك قد ترى ما نزل به، وليس عليه من جرائر
62
ابنه شيء، فقد جاوز ابنه سن الأربعين. •••
وجعل السادة من مخزوم يعيدون على عمرو بن هشام مقالة الوليد، وجعل رشد ياسر يثوب إليه في أثناء ذلك قليلا قليلا. فلما آنس من القوم صمتا قال لعمرو بن هشام: بئس ما لقيت به حليفك يا أبا الحكم! إني لم أر عمارا أمس، ولم أره اليوم، ولم أعرف ما كان من أمره منذ فارقته، وإنك لتضع العنف في غير موضعه وتلوم غير ملوم، فهلا عنفت بالأرقم بن أبي الأرقم، وهو مثلك سيد من سادات مخزوم، وهو قد صبأ قبل أن يصبأ عمار - إن كان عمار قد صبأ - وهو قد جعل داره ناديا لمحمد يلقى فيها أصحابه، وينشر منها دعوته، ويذكر فيها آلهتكم بما تكرهون؟! ولكنك خفت الأرقم بن أبي الأرقم؛ لأن بني أبيه يقومون دونه
63
إن أردته بمكروه، فأما حليف عمك أبي حذيفة فليس هناك! فلو قد كان أبو حذيفة حيا لفكرت وقدرت قبل أن تلقاني هذا اللقاء. قال ذلك ونهض متثاقلا حزينا منكسر النفس؛ فمضى إلى داره، وترك بني مخزوم يتلاومون.
6
ولم يكد يبلغ داره ويلج من بابها حتى أنكر من الدار ومن أهلها كل شيء؛ فقد رأى زوجه سمية فرحة مرحة، قد أشرق وجهها على رغم ظلمته، وابتسم ثغرها وهي تلقاه مبتهجة النفس منبسطة الأسارير، فلا يكاد يدنو منها حتى تثب إليه وتتعلق به، تلقي إليه في صوت مبتهج تشيع فيه الغبطة وتفيض منه البهجة: أبشر ياسر؛ فقد جاءنا عمار بخير الدنيا والآخرة!
قال ياسر دهشا: الآخرة! ما الآخرة؟! ماذا تقولين؟! إني لأعيش عيشة منكرة منذ اليوم، تروعني أحلام الليل، ولا أفهم ما يقال لي أثناء النهار.
نامعلوم صفحہ