فكتب فيه إلى عثمان يأمره بإخراج ابن مسعود من الكوفة وإرساله إلى المدينة ففعل، وخرج الناس يشيعون ابن مسعود إلى ظاهر الكوفة محزونين يلحون عليه في أن يبقى بينهم، ويخافون عليه من عثمان أن يبطش به أو يناله بمكروه، ويعاهدونه على أن يحموه فلا تصل إليه يد بسوء، ولكنه أبى عليهم قائلا: إن هذا أمر سيكون، وما أحب أن أكون أول من فتحه.
ودخل المدينة ذات ليلة، فلما أصبح غدا على المسجد، وكان ذلك اليوم يوم جمعة، فلما رآه عثمان قال قولا غليظا وعابه من أعلى المنبر، فرد عليه ابن مسعود قائلا: لست كما تقول، ولكني صاحب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يوم بدر ويوم أحد ويوم الخندق ويوم بيعة الرضوان. ونادت عائشة - رحمها الله - من وراء الستر: ويحك يا عثمان! أتقول هذا لصاحب رسول الله
صلى الله عليه وسلم ؟! فقال لها عثمان: اسكتي. ثم أمر بعض غلمانه بإخراجه من المسجد، فأقبل غلام أسود طوال، فاحتمل ابن مسعود وأخرجه من المسجد إخراجا عنيفا، وابن مسعود يحاول أن يفلت منه ورجلاه تختلفان على كتفيه وهو يصيح بعثمان: أنشدك الله لا تخرجني من مسجد خليلي
صلى الله عليه وسلم ، ولكن الغلام يمضي به، حتى إذا بلغ باب المسجد ضرب به الأرض فكسرت إحدى أضلاعه، وحمل إلى بيته مكروبا.
ثم لم يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما حرمه عثمان عطاءه سنتين. فأقام ابن مسعود في المدينة مغضوبا عليه من الإمام، يواده على رغم ذلك صديقه من أصحاب النبي، حتى إذا أدركه المرض الذي مات فيه عرف عثمان أنه مشرف على الموت. وهنا يختلف الرواة، فأما الناقمون من عثمان، فيقولون إنه سعى إلى ابن مسعود واعتذر إليه وعرض عليه عطاءه وسأله أن يستغفر له، فلم يقبل منه ابن مسعود شيئا، ووسط عثمان أم حبيبة زوج النبي
صلى الله عليه وسلم
عند ابن مسعود فلم يقبل لها وساطة، ومات ابن مسعود والأمر بينه وبين عثمان على شر ما يكون. وقد يغلو الناقمون على عثمان، فيزعمون أن ابن مسعود أوصى ألا يصلي عليه عثمان، وأن عمار بن ياسر تلقى هذه الوصية وأنفذها، فكان هذا مما زاد غضب عثمان على عمار.
وأما الذين يتولون عثمان، ويحسنون الظن بهؤلاء النفر من المهاجرين، فيقولون: إن عثمان عاد ابن مسعود في مرضه واعتذر إليه، فقبل منه واستغفر كلا الرجلين لصاحبه، ومات ابن مسعود فصلى عليه عثمان وقام على قبره وأحسن الثناء عليه. وهذا أشبه بسيرة الرجلين جميعا.
نامعلوم صفحہ