Voluntary Prayer
صلاة التطوع
ناشر
مطبعة سفير
پبلشر کا مقام
الرياض
اصناف
٢٨
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
صلاة التطوع - مفهوم، وفضائل، وأقسام، وأنواع، وآداب في ضوء الكتاب والسنة
نامعلوم صفحہ
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليهِ وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في «صلاة التطوع» بيّنت فيها: مفهوم صلاة التطوع، وفضلها، وأقسامها، وأنواعها، وكل ما يحتاجه المسلم من فقهٍ في هذا المبحث، بالأدلة من الكتاب والسنة.
وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات سماحة شيخنا الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز نوَّر الله ضريحه، ورفع درجاته في الفردوس الأعلى.
1 / 3
والله تعالى أسأل أن يجعل هذا العمل مقبولًا، مباركًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه سبحانه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
حرر قبل مغرب يوم السبت الموافق٢٠/ ١١/١٤٢٠هـ
1 / 4
صلاة التطوع
أولًا: مفهوم التطوع: التطوع: النافلة وكل متنفِّل خير: متطوع (١).
قال الله تعالى: ﴿فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ﴾ (٢).
والتطوع: ما تبرع به المسلم من ذات نفسه مما لا يلزمه فرضه (٣).
ثانيًا: فضل التطوع:
صلاة التطوع لها فضائل كثيرة عظيمة، منها ما يلي:
١ - تُكمِّلُ الفرائضَ وتجبر نقصها؛ لحديث تميم الداري ﵁ مرفوعًا: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن كان أتمَّها كُتبت له تامة، وإن لم يكن أتمَّها قال الله ﷿ لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوُّع فتكملون بها فريضته، ثم الزكاة كذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك» (٤).
_________
(١) القاموس المحيط، للفيروزآبادي، باب العين، فصل الطاء، ص٩٦٢.
(٢) سورة البقرة، الآية:١٨٤.
(٣) لسان العرب، لابن منظور، باب العين، فصل الطاء، ٨/ ٢٤٣.
(٤) أبو داود، برقم ٨٦٤، ومن حديث أبي هريرة، برقم ٨٦٦، وابن ماجه من حديث أبي هريرة، برقم١٤٢٥، وأحمد، ٤/ ٦٥، ١٠٣، و٥/ ٣٧٧، وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/ ٣٥٣، وتقدم تخريجه.
1 / 5
٢ - التطوع تُرفع به الدرجات وتُحطُّ الخطايا؛ لحديث ثوبان مولى رسول الله ﷺ، عن النبي ﷺ أنه قال له: «عليك بكثرة السجود؛ فإنك لا تسجد لله سجدةً إلا رفعك الله بها درجة، وحطَّ عنك بها خطيئة» (١).
٣ - كثرة النوافل من أعظم أسباب دخول الجنة بمرافقة النبي ﷺ؛ لحديث ربيعة بن كعب الأسلمي ﵁ قال: كنت أبيت مع رسول الله ﷺ، فآتيه بوضوئه وحاجته، فقال لي: «سل»، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال «أوَ غيرَ ذلك؟» قلت: هو ذاك، قال: «فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود» (٢).
٤ - صلاة التطوع أفضل أعمال نوافل البدن بعد الجهاد، والعلم: تعلُّمه، وتعليمه (٣)؛لحديث ثوبان ﵁ قال:
_________
(١) مسلم، برقم٤٨٨، وتقدم تخريجه.
(٢) مسلم، برقم٤٨٩، وتقدم تخريجه.
(٣) قيل: أفضل ما يتطوع به: العلم وهو تفضيل الإمام مالك وأبي حنيفة، ورواية عن أحمد. وقيل: الجهاد، وهو الصحيح من مذهب الإمام أحمد. وقيل: الصلاة، وهو تفضيل الإمام الشافعي رحمهم الله تعالى.
والصحيح أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأزمان، فقد يكون كل واحد أفضل في حال حسب المصلحة والحاجة، ولا شك أن العلم نوع من أنواع الجهاد؛ لأن مبنى الشرع كله على العلم، والجهاد مبناه على العلم؛ ولهذا قال الإمام أحمد: «طلب العلم أفضل الأعمال لمن صحت نيته». قيل له بأي شيء تصح النية؟ قال: «ينوي يتواضع فيه ينفي عنه الجهل»، والمراد نفل العلم لا فرضه، فلابد أن يكون قصده بتعلم العلم وتعليمه: وجه الله والدار الآخرة، وينوي بذلك رفع الجهل عن نفسه وعن غيره، وينوي بطلب العلم الدفاع عن الشريعة، ويعمل بالعلم. انظر الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير، ٤/ ١٠٠ - ١٠١، والأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص٩٦، وحاشية الروض المربع لابن قاسم، ٢/ ١٧٩ - ١٨٠، والشرح الممتع لابن عثيمين، ٤/ ٦ - ٧، وكتاب العلم له، ص٢٥ - ٣٢، ومعالم في طريق طلب العلم، للسدحان، ص١٣ - ١٥.
1 / 6
قال رسول الله ﷺ: «استقيموا ولن تُحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يُحافظ على الوضوء إلا مؤمن» (١).
٥ - صلاة التطوع في البيوت تجلب البركة؛ لحديث جابر ﵁ قال رسول الله ﷺ: «إذا قضى أحدكم الصلاة في
_________
(١) ابن ماجه، كتاب الطهارة، باب المحافظة على الوضوء، برقم٢٧٧، وأخرجه الدارمي، في كتاب الطهارة، باب ما جاء في الطهور، ١/ ١٦٨، والإمام أحمد في المسند، ٥/ ٢٧٦، ٢٧٧، ٢٨٠، ٢٨٢، وله شواهد عند ابن ماجه وغيره من حديث عبد الله بن عمر ﵄، برقم٢٧٨، ومن حديث أبي أمامة ﵁ برقم٢٧٩، وصححه الألباني في إرواء الغليل، ٢/ ١٣٥ - ١٣٨.
1 / 7
مسجده فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته؛ فإن الله جاعلٌ في بيته من صلاته خيرًا» (١)؛ ولحديث زيد بن ثابت ﵁ يرفعه، وفيه: «فصلُّوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاةُ المرءِ في بيته إلا المكتوبة» (٢). ولفظ مسلم: «فعليكم بالصلاة في بيوتكم؛ فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة» (٣)؛ ولحديث ابن عمر ﵄ عن النبي ﷺ قال: «اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورًا» (٤). قال الإمام النووي ﵀: «وإنما حثَّ على النافلة في البيت؛ لكونه أخفى وأبعد من الرياء، وأصون من المحبطات؛ وليتبرَّك البيتُ بذلك، وتنزل فيه الرحمة، والملائكة، وينفر منه الشيطان» (٥).
_________
(١) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة النافلة في بيته، برقم٧٧٨.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب صلاة الليل، برقم٧٣١،ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد، برقم٧٨١.
(٣) مسلم، برقم ٧٨١، وتقدم في الذي قبله.
(٤) متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب كراهية الصلاة في المقابر، برقم ٤٣٢، ١١٨٧،ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة النافلة في بيته، برقم٧٧٧.
(٥) شرح النووي على صحيح مسلم، ٦/ ٣١٤، وانظر: فتح الباري لابن حجر، ١/ ٥٢٩.
1 / 8
٦ - التطوّعُ يجلبُ محبة الله لعبده؛ لحديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله تعالى قال: من عادَى لي وليًَّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبّه فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته» (١).
ظاهره أن محبة الله للعبد تقع بملازمة العبد للفرائض؛ ودوامه والتزامه التقرب بالنوافل بعد الفرائض من صلاة، وصيام، وزكاةٍ، وحج، وغير ذلك (٢).
٧ - كمال التطوع يزيد في شكر العبد لله ﷿ -؛ لحديث عائشة ﵂ أن النبي ﷺ كان يقوم من الليل حتى تتفطَّر
_________
(١) البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع، برقم٦٥٠٢.
(٢) انظر: فتح الباري بشرح صحيح الإمام البخاري، للحافظ ابن حجر، ١١/ ٣٤٣.
1 / 9
قدماه، فقالت: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخَّر؟ فقال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا» (١). وعن المغيرة ﵁ قال: قام النبي ﷺ حتى تورَّمت قدماه فقيل له: غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا» (٢).
ثالثًا: جواز صلاة التطوع جالسًا:
تصح صلاة التطوع جالسًا مع القدرة على القيام، قال الإمام النووي ﵀: «وهو إجماع العلماء» (٣).
كما يصح أداء بعض التطوع من قيام وبعضه من قعود (٤)، وأما صلاة الفريضة فالقيام فيها ركن، من تركه مع القدرة عليه فصلاته باطلة (٥).
وقد ثبتت الأحاديث بذلك، ففي حديث عائشة رضي الله
_________
(١) متفق عليه: البخاري، برقم ٤٨٣٧،ومسلم، برقم٢٨٢٠،ويأتي تخريجه في قيام الليل.
(٢) متفق عليه: البخاري، برقم ٤٨٣٦،ومسلم، برقم ٢٨١٩،ويأتي تخريجه في قيام الليل.
(٣) شرح النووي على صحيح مسلم، ٦/ ٢٥٥، وانظر: المغني لابن قدامة، ٢/ ٥٦٧.
(٤) انظر: شرح النووي، ٦/ ٢٥٦.
(٥) شرح النووي، ٦/ ٢٥٨.
1 / 10
عنها في صلاة النبي ﷺ بالليل، قالت: «... كان يصلي من الليل تسع ركعات، فيهن الوتر، وكان يصلي ليلًا طويلًا قائمًا، وليلًا طويلًا قاعدًا، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعدًا ركع وسجد وهو قاعد ...» (١).
وعنها ﵂ قالت: «ما رأيت رسول الله ﷺ يقرأ في شيء من صلاة الليل جالسًا حتى إذا كَبِر قرأ جالسًا حتى إذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن ثم ركع» (٢).
وعن حفصة ﵂ قالت: «ما رأيت رسول الله ﷺ صلى في سبحته قاعدًا حتى كان قبل وفاته بعام، فكان يصلي في سبحته قاعدًا، وكان يقرأ بالسورة فيرتِّلها حتى تكون أطول من أطول منها» (٣).
_________
(١) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب جواز النافلة قائمًا، وقاعدًا، وفعل بعض الركعات قائمًا وبعضها قاعدًا، برقم ٧٣٠.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب تقصير الصلاة، باب إذا صلى قاعدًا ثم صح أو وجد خفة تمم ما بقي، برقم١١١٨، ١١١٩، وكتاب التهجد، باب قيام النبي ﷺ بالليل في رمضان، برقم١١٤٨.
(٣) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب جواز النافلة قائمًا وقاعدًا، برقم٧٣٣.
1 / 11
وصلاة المسلم قائمًا أفضل عند القدرة؛ لحديث عبد الله بن عمرو ﵄ يرفعه: «صلاة الرجل قاعدًا نصف الصلاة» (١)؛ ولحديث عمران بن حصين ﵄ قال: سألت رسول الله ﷺ عن صلاة الرجل قاعدًا فقال: «إن صلَّى قائمًا فهو أفضل، ومن صلى قاعدًا فله نصف أجر القائم ...» (٢).
ويستحب لمن صلَّى قاعدًا أن يكون مُتربِّعًا في حال مكان القيام؛ لحديث عائشة ﵂ قالت: «رأيت النبي ﷺ يصلي متربِّعًا» (٣). قال الإمام ابن القيم ﵀:
_________
(١) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب جواز النافلة قائمًا وقاعدًا، برقم٧٣٥.
(٢) البخاري، كتاب تقصير الصلاة، باب صلاة القاعد، برقم١١١٥ وتمامه: «ومن صلى نائمًا فله نصف أجر القاعد»، والنائم «المضطجع»، ورجح الخطابي أن المتطوع لا يصلي مضطجعًا، وإنما هذا للمريض المفترض الذي يمكنه أن يتحامل فيقوم مع مشقة فجعل القاعد على النصف من أجر القائم، ترغيبًا في القيام مع جواز قعوده ... وقال في صلاة المتطوع القادر مضطجعًا: «إنه لا يحفظ عن أحد من أهل العلم إنه رخص في ذلك». نقلًا بتصرف عن فتح الباري لابن حجر، ٢/ ٥٨٥، وسمعت سماحة الإمام ابن باز ﵀ يعلق على هذا الكلام فيقول: «وهذا هو أقرب ما قيل، أما الذي لا قدرة له في الفرض على القيام ولا القعود فله أجره كاملًا، أما المتنفل فلا يصلي مضطجعًا لغير عذر».
(٣) أخرجه النسائي، كتاب قيام الليل، باب كيف صلاة القاعد، برقم ١٦٦١، والحاكم ووافقه الذهبي، ١/ ٢٥٨، ٢٧٥، وابن خزيمة، برقم ١٢٣٨، وصححه الألباني في صحيح النسائي،١/ ٣٦٥.
1 / 12
(كانت صلاته [ﷺ] بالليل ثلاثة أنواع:
أحدها: وهو أكثرها: صلاته قائمًا.
الثاني: أنه كان يصلي قاعدًا ويركع قاعدًا.
الثالث: أنه كان يقرأ قاعدًا، فإذا بقي يسير من قراءته قام فركع قائمًا. والأنواع الثلاثة صحَّت عنه [ﷺ] (١).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز ﵀ يقول: «كانت صلاة النبي ﵊ بالليل على أنواع أربعة كما هو مجموع روايات عائشة ﵂:
١ - يصلي قائمًا ويركع قائمًا.
٢ - يصلي وهو قاعد ثم إذا لم يبقَ من القراءة إلا نحو من ثلاثين آية أو أربعين قام فقرأ بها ثم ركع.
٣ - يصلي وهو قاعد ثم إذا ختم قراءته قام فركع.
_________
(١) زاد المعاد، ١/ ٣٣١.
1 / 13
٤ - يصلي وهو جالس، ويركع وهو جالس» (١).
رابعًا: جواز التطوع على المركوب في السفر الطويل والقصير:
يصح التطوع على المركوب في السفر: من راحلة، وطائرة، وسيارة، وسفينة وغيرها من وسائل النقل، أما الفريضة فلا بد من النزول لها إلا عند العجز؛ لحديث عبد الله بن عمر ﵄ قال: «كان النبي ﷺ يصلي في السفر على راحلته حيث توجَّهت به، يومئ [برأسه] إيماءً صلاة الليل إلا الفرائض، ويوتر على راحلته».
وفي لفظ: «غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة» (٢)، ولحديث عامر بن ربيعة ﵁ قال: «رأيت النبي ﷺ يصلي على راحلته حيث توجَّهت به». وفي لفظ: «ولم يكن رسول الله ﷺ يصنع ذلك في المكتوبة». وفي لفظ: «أنه رأى
_________
(١) سمعته من سماحته أثناء تقريره على الحديث رقم١١١٨، ١١١٩من صحيح البخاري.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب الوتر، باب الوتر في السفر، برقم ٩٩٩، ١٠٠٠، ورقم ١٠٩٥، ١٠٩٦، ١٠٩٨، ١١٠٥، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت، برقم٧٠٠.
1 / 14
النبي ﷺ يصلي السبحة بالليل في السفر على ظهر راحلته حيث توجهت به» (١)؛ولحديث جابر ﵁ قال: «كان رسول الله ﷺ يصلي على راحلته حيث توجهت به، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة» (٢).وفي لفظ: «كان يصلي على راحلته نحو المشرق، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة».وفي هذا أحاديث أخرى كحديث أنس ﵁ (٣).
ويستحب استقبال القبلة عند تكبيرة الإحرام؛ لحديث أنس ﵁ «أن رسول الله ﷺ كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة، فكبر، ثم صلى حيث وجَّهَهُ ركابه» (٤)، فإذا لم يفعل ذلك فالصلاة صحيحة عملًا بالأحاديث الصحيحة كما رجحه الإمام عبد العزيز ابن باز –﵀ (٥).
_________
(١) متفق عليه: البخاري، برقم١٠٩٣، ١١٠٤، ومسلم، برقم٧٠١، وتقدم تخريجه.
(٢) البخاري، برقم٤٠٠، ١٠٩٤، ١٠٩٩، ٤١٤٠، وتقدم تخريجه.
(٣) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب جواز صلاة النافلة على الدابة، برقم٧٠٢.
(٤) أبو داود، برقم١٢٢٥، وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، الحديث رقم ٢٢٨، وتقدم تخريجه.
(٥) سمعته يرجح ذلك أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم ٢٢٨.
1 / 15
وذكر الإمام النووي ﵀ «أن التنفل على الراحلة في السفر الذي تُقصر فيه الصلاة جائز بإجماع المسلمين ...» (١).
وأما السفر الذي لا تقصر فيه الصلاة فالصواب جواز ذلك، وهو مذهب الجمهور (٢)؛لقول الله تعالى: ﴿وَلله الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله إِنَّ الله وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (٣)، وقد رجح الإمام ابن جرير-﵀-أن هذه الآية تدخل فيها صلاة التطوع في السفر على الراحلة حيثما توجهت بك راحلتك (٤). وقد ذكر الحافظ ابن حجر ﵀ عن الإمام الطبري ﵀ أنه احتج للجمهور: أن الله جعل التيمم رخصة للمريض والمسافر، وقد أجمعوا على أن من كان خارج المصر على
_________
(١) شرح النووي على صحيح مسلم، ٥/ ٢١٦.
(٢) انظر: فتح الباري لابن حجر، ٢/ ٥٧٥، وشرح النووي، ٥،٢١٧، والمغني لابن قدامة، ٢/ ٩٦.
(٣) سورة البقرة، الآية: ١١٥.
(٤) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن ٣/ ٥٣٠، و٥٣٣، وانظر: المغني لابن قدامة، ٢/ ٩٥ - ٩٦.
1 / 16
ميل أو أقل ونيته العود إلى منزله لا إلى سفرٍ آخر، ولم يجد ماءً، أنه يجوز له التيمم، فكما جاز له التيمم في هذا القدر جاز له التنفل على الدابة لاشتراكهما في الرخصة (١).
خامسًا: أخلص مواضع صلاة التطوع:
صلاة التطوع تصلى في المسجد، وفي البيت، وفي كل مكان طاهر: كالصحراء وغيرها، ولكن صلاتها في البيت أفضل إلا ما شرعت له الجماعة كصلاة التراويح ففعلها في المسجد أفضل.
أما صلاة التطوع التي لم تشرع لها الجماعة فقد ثبتت الأحاديث التي تبين أن فعلها في البيت أفضل، منها حديث زيد بن ثابت ﵁ وفيه: «فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» (٢).وحديث جابر (٣)، وابن عمر (٤) ﵃ كلها
_________
(١) فتح الباري بشرح صحيح البخاري،٢/ ٥٧٥،وقد ذكر صاحب المغني أن الأحكام التي يستوي فيها السفر الطويل والقصير ثلاثة: التيمم، وأكل الميتة في المخمصة، والتطوع على الراحلة، وبقية الرخص تختص بالسفر الطويل. المغني لابن قدامة،٢/ ٩٦.
(٢) متفق عليه: البخاري، برقم ٧٣١، ومسلم، ٧٨١، وتقدم تخريجه.
(٣) أخرجه مسلم، برقم ٧٧٨، وتقدم تخريجه.
(٤) متفق عليه: البخاري، برقم ٤٣٢، ومسلم، برقم ٧٧٧، وتقدم تخريجه.
1 / 17
تدل على أن أفضل الصلاة في البيت إلا المكتوبة.
سادسًا: أحب التطوع إلى الله ما دُووِمَ عليه:
أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قلّ؛ لحديث عائشة ﵂ قالت: كانت عندي امرأة من بني أسد، فدخل عليَّ رسول الله ﷺ فقال: «من هذه؟» قلت: فلانة، لا تنام الليل، تذكر من صلاتها، فقال: «مه، عليكم ما تطيقون من الأعمال؛ فإن الله لا يملّ حتى تملُّوا».
[وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه] (١)؛ ولحديث أنس ﵁ قال: دخل النبي ﷺ المسجد فإذا حبل ممدود بين ساريتين فقال: «ما هذا الحبل؟» قالوا: لزينب تصلي فإذا كسلت أو فَتَرتْ أمسكت به، فقال: «لا، حُلّوه، ليُصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقْعُدْ» (٢). وقال
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب التهجد، باب ما يكره من التشديد في العبادة، ١١٥١، ورقم ٤٣ من كتاب الإيمان، باب أحب الدين إلى الله أدومه، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره، برقم ٧٨٥.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب التهجد، باب ما يكره من التشديد في العبادة، برقم ١١٥٠، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره والأمر بالاقتصاد في العبادة، برقم ٧٨٤.
1 / 18
مسروق: سألت عائشة ﵂: أي العمل كان أحبّ إلى رسول الله ﷺ؟ قالت: الدائم، قلت: متى كان يقوم؟ قالت: كان يقوم إذا سمع الصارخ (١)؛ ولحديث عائشة ﵂ ترفعه، وفيه: «خذوا من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يملُّ حتى تملُّوا». وأحبُّ الصلاة إلى النبي ﷺ ما دُووِمَ عليه وإن قلَّت، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها (٢)؛ ولحديث أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «إن الدين يسر، ولن يشادّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه، فسدِّدوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرَّوحة، وشيء من الدّلجة». وفي رواية: «لن يُدخل أحدًا عملُه الجنة» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «لا، ولا أنا إلا أن يتغمَّدنيَ
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب التهجد، باب من نام عند السحر، برقم ١١٣٢، وكتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل، برقم ٦٤٦١، ٦٤٦٢، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي ﷺ، برقم ٧٤١، والصارخ: الديك.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب الصوم، باب صوم شعبان، برقم ١٩٧٠، وفي كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل برقم ٦٤٦٥، ومسلم، كتاب الصيام، باب صيام النبي ﷺ، برقم ٧٨٢.
1 / 19
الله بفضلٍ ورحمة، فسدِّدوا وقاربوا، ولا يتمنَّى أحدكم الموت، إما محسنًا فلعله أن يزداد، وإما مسيئًا فلعله أن يستعتِب». وفي رواية: «سدِّدوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيئًا من الدّلجة، والقصدَ القصدَ تبلغوا» (١)؛ ولحديث عائشة ﵂ وفيه: «... وأن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ». وفي رواية: «سدِّدوا وقاربوا، وأبشروا؛ فإنه لا يُدخِلُ أحدًا الجنةَ عملُه» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة» (٢)؛ ولحديث عائشة ﵂ أنها سُئِلت كيف كان عمل النبي ﷺ؟ قالت: «كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان النبي ﷺ يستطيع» (٣).
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب الدين يسر، برقم ٣٩، وكتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، برقم ٥٦٧٣، وكتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل، برقم ٦٤٦٣، ومسلم، كتاب صفات المنافقين، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى، برقم ٢٨١٦.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل، برقم ٦٤٦٤، ٦٤٦٧، ومسلم، كتاب صفات المنافقين، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله، برقم ٢٨١٨.
(٣) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل، برقم ٦٤٦٦، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضيلة العمل الدائم، برقم ٧٨٣.
1 / 20
وفي هذه الأحاديث الحثُّ على المداومة على العمل وإن قلّ، والاقتصاد في العبادة، واجتناب التعمق والتشدد، وأن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ (١).
وقوله ﷺ: «فإن الله لا يملُّ حتى تملُّوا» هذا الملل لا يشابه ملل المخلوقين، وليس فيه نقص ولا عيب، بل كما يليق بالله ﷿، وسمعت الإمام عبد العزيز ابن باز-﵀ يقول: «هذا مثل بقية الصفات، ومن مقتضاه أنه لا يقطع الثواب حتى تقطعوا العمل» (٢).
سابعًا: جواز صلاة التطوع جماعة أحيانًا:
لا بأس أن يصلي المسلم صلاة التطوع جماعة أحيانًا؛ لحديث عبد الله بن مسعود ﵁ قال: «صليت مع رسول الله ﷺ ليلة فأطال حتى هممت بأمر سوءٍ، قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه» (٣)؛ ولحديث
_________
(١) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، ٦/ ٣١٦.
(٢) سمعته من سماحته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم ١٩٧٠.
(٣) متفق عليه: البخاري، برقم ١١٣٥، ومسلم، برقم ٧٧٣، ويأتي تخريجه.
1 / 21