إنما الكلام والإشكال في صورة الإجمال والتردد بين الأقل والأكثر ، فالمحكي عن أساتيد الفن قدس الله أسرارهم هو الفرق بين المخصص المتصل والمنفصل ، فالأول يسري إجماله إلى العام فيصير العام بالنسبة إلى الفرد الغير المتيقن الخروج مجملا ، والثاني يقتصر في تخصيصه للعام على القدر المتيقن ويكون عموم العام بالنسبة إلى غير المتيقن محكما.
والدليل على هذه الدعوى أن العام في صورة انفصال المخصص قد انعقد له ظهور مستقر في العموم فصار موضوعا للحجية بمقتضى أدلة حجية الظواهر ، غاية الأمر صار حجة في حد ذاته بحيث لا ينافي عدم حجيته عند معارضة الحجة الأقوى ، فإذا ورد على خلافه دليل خاص منفصل كان من باب التعارض بين الحجتين ، وحيث إن الخاص أقوى حجة من العام لنصوصيته أو أظهريته يكون مقدما ، لكن لو فرض كون هذا الخاص مجملا بين الأقل والأكثر ينحصر حجيته في القدر المتيقن وهو الأقل ، وأما في الزائد فلا حجية له لعدم الظهور وثبوت الإجمال ، وحينئذ فما يمكن أن يزاحم فيه الخاص العام في الحجية إنما هو القدر المتيقن ، وأما بالنسبة إلى الزائد فلا مزاحمة له للعام أصلا ؛ لعدم معقولية تعارض اللاحجة مع الحجة.
فلو ورد أكرم العلماء ، ثم لا تكرم الفساق من العلماء ، وشك في مفهوم الفاسق أنه مرتكب الكبيرة أو مطلق من ارتكب ذنبا ، فما يمكن أن يصير هذا الخاص مزاحما فيه لذاك العام إنما هو خصوص مرتكب الكبيرة ، وأما مرتكب الصغيرة فليس الخاص حجة فيه لإجماله وقد فرض كون العام حجة فيه فيكون العام بالنسبة إليه حجة بلا معارض.
ولو قلنا بأن الخاص يجعل العام معنونا فيصير عنوانه في المثال هو العالم الغير الفاسق فإنما نقول به بالنسبة إلى القدر المتيقن أيضا لا مطلقا ، فلا يرد أن العام بعد صيرورته معنونا بعدم الخاص يصير مجملا أيضا.
ومما يشهد بذلك أنه لو لم يكن في البين عام وورد دليل خاص على حرمة إكرام العالم الفاسق كان المرجع في الفرد المشكوك أعني المرتكب للصغيرة هو أصالة
صفحہ 282