والدليل على وجود الطبيعي أنه لو توجه شبح من بعيد وتيقنا بأنه حيوان وشككنا في أنه بعير أو فرس وكان بعيرا في الواقع فلا ريب أن وصف المعلومية مختص بحصة وجود الحيوان والمشكوكية بحصة وجود البعير ، ولا يسري معلومية الأول إلى الثاني ولا مشكوكية الثاني إلى الأول ، ولو لم يكن هاهنا شيء وواقعية إلا وجود البعير لما كان لنا إلا شيء واحد مشكوك ولم يكن في البين شيء تعلق به المعلومية.
وأيضا من المعلوم بالوجدان أن الإنسان قد يصير طالبا لنفس الكلي الطبيعي من دون أن يسري طلبه إلى الخصوصيات ، كما في طلب شرب الماء وكما في طلب وجود الإنسان إذا كان لأجل الكراهة من الانفراد في البيت ، فلو لم يكن للطبيعي حظ من الوجود لما وقع متعلقا للطلب.
فثبت أنه يمكن أن يشير الآمر في عالم اللحاظ إلى نفس الطبيعي ويوجه الطلب نحوه من دون لزوم الإشكال.
فإن قلت : ما ذكرت من جعل متعلق الطلب صرف الوجود إنما يتم في الماهيات المتأصلة ، وأما العناوين المنتزعة فلا وجود لها في الخارج حتى يمكن اعتبار صرف الوجود معها، وذلك لأن موطنها هو الذهن ، والخارج إنما هو ظرف لمنشا انتزاعها ، فلا بد من صرف الأوامر والنواهي المتعلقة بتلك العناوين ظاهرا إلى الوجودات الخارجية التي هي منشأ لانتزاعها ، وجعل تلك العناوين إشارة إليها وحاكية عنها ، وحينئذ فيلزم المحذور من اجتماع الأمر والنهي في الواحد.
قلت : نحن إذا تعقلنا صرف الوجود في الماهيات المتأصلة نتعقله بهتا في جانب منشأ الانتزاع ، مثلا عنوان الضارب والقاعد لا مدخل في منشأ انتزاعهما إلا لذات ما واتصافهما بحقيقة الضرب والقعود ، من دون مدخلية لخصوصيات الفاعل أو الفعل فيه.
فإذا جعلنا الأمر بالصلاة والنهي عن الغصب متعلقين بمنشإ انتزاعهما نقول : لا مدخل في منشأ انتزاع الصلاة إلا لمطلق الحركة بالهيئة الخاصة المتلبسة بقصد القربة
صفحہ 206