قلنا أن المانع إذا زال وجب الحكم به من حين الايجاب وكذلك عقدا الاجارة علة اسما ومعنى لا حكما لما عرف في موضعه ولذلك صح تعجيل الاجرة لكنه يشبه الاسباب لما فيه من معنى الاضافة حتى لا يستند حكمه وكذلك كل ايجاب مضاف إلى وقت فانه علة اسما ومعنى لا حكما لكنه يشبه الاسباب وذلك أن يوجد ركن العلة اسما ومعنى وتراخي عنه وصفة فيتراخى الحكم إلى وجوده وإذا وجد الوصف اتصل بالاصل لحكمه فكان بمعنى الاسباب حتى يصح اداء الحكم قبله وذلك مثل زكاة النصاب في أول الحول هو علة اسما ومعنى إما اسما لانه وضع له ومعنى لكونه مؤثرا في حكمه لان الغناء يوجب المواساة لكنه جل علة بصفة النماء فلما تراخى حكمه اشبه الاسباب إلا يرى انه إنما يتراخى إلى ما ليس بحادث به والى ما هو شبيه بالعلل ولما كان متراخيا إلى وصف لا يستقل بنفسه اشبه العلل وكان هذا الشبه غالبا لان النصاب اصل و النماء وصف ومن حكمه انه لا يظهر و جوب الزكاة في اول الحول قطعا بخلاف ما ذكرنا من البيوع و لما اشبه العلل و مان ذلم اصلا كان الوجوب ثابتا من الاصل في التقدير حتى صح التعجيل لكن ليصير زكاة بعد الحول و كذلك مرض الموت علة لتغير الاحكام اسما و معنى الا ان حكمه يثبت به بوصف الاتصال بالموت فاشبه الاسباب من هذا الوجه وهو في الحقيقة علة وهذا اشبه بالعلل من النصاب وكذلك الجرح علة اسما ومعنى لكن تراخى حكمه إلى وصف السراية وذلك قائم بالجرح فكان علة يشبه الاسباب وكذلك ما هوعلة العلة فانه علة يشبه الاسباب وذلك مثل شراء القريب لما كان علة للملك كان علة للعتق ايضا وكذلك الرمي إلا أن الحكم لما تراخى عنه اشبه الاسباب وكذلك التركية عند أبي حنيفة رحمه الله بمنزلة علة العلة حتى إذا رجع المزكي ضمن لما ذكرنا واما الوصف الذي له شبهة العلل فكل حكم تعلق بوصفين مؤثرين لا يتم نصاب العلة إلا بهما فكل واحد منهما شبهة العلل حتى إذا تقدم أحدهما لم يكن سببا لانه ليس بطريق موضوع وليس بعلة لكن له شبهة العلل ولهذا قلنا أن الجنس بانفراده يحرم النسيئة وكذلك القدر لان ربا النسيئة شبهة الفضل فيثبت بشبهة العلة وهو أحد الوصفين واما العلة معنى وحكما لا اسما فكل حكم تعلق بعلة ذات وصفين مؤثرين فان اخرهما وجودا علة حكما لان الحكم يضاف اليه لانه ترجح على الأول بالوجود وشاركه في الوجوب ومعنى لانه يؤثر فيه لا اسما لان الركن يتم بهما فلا يسمى بذلك أحدهما وذلك مثل القرابة والملك للعتق فان الملك الذي تأخر اضيف اليه حتى يصير المشتري معتقا ومتى تأخرت القرابة اضيف اليها حتى لو ورث إثنان عبدا ثم ادعى أحدهما انه ابنه عزم لشريكه واضيف العتق إلى القرابة بخلاف شهادة الشاهدين فان آخرهما شهادة لا يضاف الحكم اليه لانه لا يعمل إلا بالقضاء والقضاء يقع بالجملة فلا يترجح البعض على البعض في الحكم فأما العلة اسما وحكما لا معنى فمثل السفر للرخصة والمرض ولامرض ومثل النوم للحدث وذلك أن السفر تعلق به في الرخص فكان علة حكما ونسبت الرخص اليه فصار علة اسما ايضا إلا ترى أن من اصبح صائما ثم سافر لم يحل له الفطر ومع ذلك إذا افطر لم يلزمه الكفارة وهذا ليس بعلة حكما ولا معنى فلما صار شبهة علمنا انه علة اسما واما المعنى فلان الرخصة تعلقت بالمشقة في الحقيقة إلا انه اضيف إلى السفر لانه سبب المشقة فأقيم مقامها وكذلك المرض إلا انه متنوع فما هو سبب للمشقة اقيم مقامها وما لا فلا وكذلك النوم مما كان منه سببا لاسترخاء المفاصل اقيم مقامه فصار حدثا وانما نقل إلى السبب الظاهر للتيسير وكذلك الاستبراء متعلق بالشغل ثم نقل إلى استحداث سبب الشغل تيسيرا وامثلة هذا الأصل اكبر من أن تحصى وذلك بطريقين يكون اقامة السبب الداعي مقام المدعو مثل السفر والمرض والنوم والمس والنكاح مقام الوطئ والثاني أن يقوم الدليل مقام المدلول مثل الخبر عن المحبة مقام المحبة ومثل الطهر مقام الحاجة في اباحة الطلاق ومثل مسائل الاستبراء وطريق ذلك وفقهه من ثلاثة اوجه أحدها لدفع الضرورة والعجز وذلك في قوله أن احببتني أو ابغضتني فأنت طالق وفي الاستبراء وفي قيام النكاح مقام الماء وللاحتياط كما قيل في تحريم الدواعي في الحرمات والعبادات ولدفع الحرج كما قيل في السفر والطهر القائم مقام الحاجة والتقاء الختانين والمباشرة الفاحشة لايجاب الحدث عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وهذه وجوه متقاربة في ضبطها معرفة حدود الفقه والله اعلم & باب تقسيم الشرط
وهو خمسة اقسام شرط محض وشرط له حكم العلل وشرط له حكم الاسباب وشرط اسما لا حكما فكان مجازا في الباب وشرط هو بمعنى العلامة الخالصة إما الشرط المحض فما يمتنع به وجود العلة فإذا وجد الشرط وجدت العلة فيصير الوجود مضافا إلى الشرط دون الوجوب وذلك في كل تعليق بحرف من حروف الشروط نحو أن دخلت الدار فأنت طالق وكلما دخلت وما اشبه ذلك وذلك داخل في العبادات والمعاملات إلا يرى أن وجوب العبادات يتعلق باسبابها ثم يتوقف ذلك على شرط العلم حتى أن النص النازل لا حكم له قبل العلم من المخاطب فان اسلم من في دار الحرب لم يلزمه شيء من الشرايع قبل العلم فصارت الاسباب والعلل بمنزلة المعدوم لعدم الشرط وكذلك ركن العبادات ينعدم لعدم شروطها وهي النية والطهارة للصلاة وكذلك ركن النكاح وهو الايجاب والقبول ينعدم عند عدم شرطه وهو الاشهاد عليه وقد ذكرنا أن اثر الشرط عندنا انعدام العلة و عند الشافعي تراخي الحكم وكذلك هذا في كل الشروط وانما يعرف الشروط بصيغته أو دلالته وقط لا تنفك صيغته عن معناه فأما قول الله تعالى فكاتبوهم أن علمتم فيهم خيرا فقد قال بعضهم هو شرط عادة وليس كذلك وهذا قول بأنه لغو وكتاب الله تعالى منزه عن ذلك ولكن ادنى درجات الحكم استحباب المأمور به واستحباب الكتاب متعلق بهذا الشرط لا يوجد إلا به وينعدم قبله فأما الاباحة فتستغنى عنه والمراد بالأمر الاستحباب إلا يرى أن قوله
﴿وآتوهم من مال الله الذي آتاكم﴾
و كذلك قوله
﴿فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم﴾
ليس بشرط عادة بل هو شرط أريد به حقيقة ما وضع له لان المراد بالنص قصر الاحوال وهو أن يوحى على الدابة ويخفف القراءة والتسبيح إلا ترى إلى قوله
﴿فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم﴾
وقال تعالى
﴿فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة﴾
وقصر الاحوال يتعلق بقيام الخوف عيانا لا بنفس السفر
صفحہ 316