بيان التغيير نوعان التعليق بالشرط والاستثناء وانما يصح ذلك موصولا ولا يصح مفصولا على هذا اجمع الفقهاء وانما سميناه بهذا الاسم إشارة إلى اثر كل واحد منهما وذلك أن قول القائل انت حر لعبده علة العتق نزل به منزلة وضع الشيء في محل يقر فيه فإذا حال الشرط بينه وبين محله فتعلق به بطل أن يكون ايقاعا لان الشيء الواحد يكون مستقرا في محله ومعلقا مع ذلك فصار الشرط مغيرا له من هذا الوجه ولكنه بيان مع ذلك لان حد البيان ما يظهر به ابتداء وجوده فأما التغيير بعد الوجود فنسخ وليس ببيان ولما كان التعليق بالشرط لابتداء وقوعه غير موجب والكلام كان يحتمله شرعا لان التكلم بالعلة ولا حكم لها جائز شرعا مثل البيع بالخيار وغيره سمى هذا بيانا فاشتمل على هاذين الوصفين فسمى بيان تغيير وكذلك الاستثناء مغيرا للكلام لان قول القائل لفلان على ألف درهم فالالف اسم علم لذلك العدد لا يحتمل غيره وإذا قال إلا خمسمائة كان تغيير البعض إلا ترى أن التعليق بالشرط والاستثناء لو صح كل واحد منهما متراخيا كان ناسخا ولكنه إذا اتصل منع بعض التكلم لا أن رفع بعد الوجود فكان بيانا فسمي بيان تغيير ومنزلة الاستثناء مثل منزلة التعليق بالشرط إلا أن الاستثناء يمنع انعقاد التكلم ايجابا في بعض الجملة أصلا والتعليق يمنع الإنعقاد لأحد الحكمين أصلا وهو الايجاب ويبقى الثاني وهو الاحتمال فلذلك كانا من قسم واحد فكانا من باب التغيير دون التبديل واختلفوا في كيفية عمل كل واحد منهما فقال اصحابنا الاستثناء يمنع التكلم بحكمه بقدر المستثنى فيجعل تكلما بالباقي بعده وقال الشافعي رحمه الله أن الاستثناء يمنع الحكم بطريق المعارضة بمنزلة دليل الخصوص كما اختلفوا في التعليق على ما سبق وقد دل على هذا الأصل مسائلهم فصار عندنا تقدير قول الرجل لفلان على ألف درهم إلا مائة لفلان على تسعمائة وعنده إلا مائة فإنها ليست على وبيان ذلك انه جعل قوله تعالى
﴿إلا الذين تابوا﴾
فلا تجلدوهم واقبلوا شهادتهم
﴿وأولئك من الصالحين﴾
غير فاسقين وكذلك قال في قول النبي عليه السلام لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا سواء بسواء أن معناه بيعوا سواء بسواء فبقى صدر الكلام عاما في القليل و الكثير لان الاستثناء عارضه في المكيل خاصة وخصوص دليل المعارضة لا يتعدى مثل دليل الخصوص في العام وذلك مثل قوله تعالى
﴿إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده﴾
هذا دليل معارض لبعض الصدور وهو في حق من يصح منه العفو فبقى فيما لا معارضة فيه وقال في رجل قال لفلان على ألف درهم إلا ثوبا انه يسقط من الألف قدر قيمته لان دليل المعارضة يجب العمل به على قدر الإمكان وذلك ممكن في القيمة واحتج في المسئلة بالإجماع ودلالته وبالدليل المعقول إما الإجماع فان أهل اللغة اجمعوا أن الاستثناء من الاثبات نفي ومن النفي إثبات وهذا إجماع على أن للاستثناء حكما وضع له يعارض به حكم المستثنى منه واما الثاني فلان كلمة التوحيد لا اله إلا الله وهي كلمته وضعت للتوحيد ومعناه النفي والاثبات فلو كان تكلما بالباقي لكان نفيا لغيره لا اثباتا له فصح لما كانت كلمة التوحيد أن معناها إلا الله فانه اله وكذلك لا عالم إلا زيد فانه عالم واما الثالث فأنا نجد الاستثناء لا يرفع التكلم بقدره من صدر الكلام وإذا بقى التكلم صيغة بقى بحكمه فلا سبيل إلى رفع التكلم بل يجب المعارضة بحكمه فامتناع الحكم مع قيام التكلم سائغ فأما انعدام التكلم مع وجوده مما لا يعقل واحتج اصحابنا رحمهم الله بالنص والإجماع والدليل المعقول أيضا إما النص فقوله تعالى
﴿فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما﴾
وسقوط الحكم بطريق المعارضة في الايجاب يكون لا في الأخبار فبقاء التكلم بحكمه في الخبر لا يقبل الامتناع بمانع واما الإجماع فقد قال أهل اللغة قاطبة أن الاستثناء استخراج وتكلم بالباقي بعد الثنيا وإذا ثبت الوجهان وجب الجمع بينهما فقلنا انه استخراج وتكلم بالباقي بوضعه واثبات ونفي باشارته على ما نبين إن شاء الله تعالى
صفحہ 213