43 (7) عبادة الجنس
وسمي الموضع المقدس المحرم الحرام في الحجاز بالاسم «مكة»، وأطلق على إله هذا الموضع المقدس اسم «رب البيت»، وكان التعبير «رب البيت» هو التعبير الدارج والمفضل قبل الإسلام على ما نشاهد في كتب التأريخ الإسلامي. أما رب البيت عند عرب قبل الإسلام، أو ما اصطلح على تسميتهم بالجاهليين، فقد حمل الاسم «الله». ولعله ليس بخاف أن الله من «إل» و«إله ن»، بعد أن حلت أداة التعريف في العربية العدنانية «الألف واللام» في أول الكلمة محل أداة التعريف في العربية القحطانية واليمنية «ن»، إضافة إلى «إلات» الإلهة المقدسة والزوجة الأم، و«هبل» كبير أصنام الكعبة. ونظنه قام هنا بدور الإله الابن، إذا أخذنا بالحسبان أن الاسم «هبل» هو في الأصل «ه، بعل» أو «هبعل». والهاء كانت أداة التعريف في العربية الشمالية وظلت على حالها، بينما أهملت العين بالتخفيف مع مرور الزمن. أما «بعل» في «هبعل» فهو اسم إله الخصب في البلاد الكنعانية الشامية المتصلة جغرافيا وتجاريا بمنطقة مكة اتصالا وثيقا. وقد كان بعل إلها معروفا ومنتشرا انتشارا هائلا في البلاد الشامية كإله للخصب، وصاحبته طقوس جنسية تفشت تفشيا عظيما في مختلف تلك المناطق، وقد كان في الأساطير الأوجاريتية الشامية ابنا للإله «إل».
44
ويبدو أن توسط منطقة «مكة» بين بلاد الشام وبلاد اليمن، وما كان من تواصل مستمر بينها وبين مكة، أدى إلى تداخل بين عقائد المنطقتين في مكة، فدخل «بعل»، وحل محل «عثتر سمين» كابن للإله أو «إل»، ويلقي لنا الإخباريون المسلمون بظلال هذا التداخل في الرواية التي تقول: إن «عمرو بن لحي الخزاعي» سافر من مكة إلى الشام في تجارة، فرآهم هناك يتعبدون لآلهة الخصب هذه، وكان مما أحضره «هبل وإساف ونائلة» فوضع هبل في فناء الكعبة، ووضع «إساف» على الصفا ووضع «نائلة» على المروة.
45
وإذا كان «هبل» في الأصل «بعل» إله الخصب صاحب الطقوس الجنسية، فهل عرف البيت الإلهي الحجازي هذا النوع من الطقوس؟ إذا كان ذلك كذلك، فإنه سيدعم احتمالنا الذي سبق أن طرحناه عن ترجيح وجود عبادة جنسية غابرة في عبادة «المقة» اليمنية.
ولنبدأ محاولة الإجابة مع «إساف» و«نائلة».
تقول كتب التأريخ الإسلامية: إن الصنم «إساف» كان معبودا ذكرا على جبل الصفا، وأن الصنم «نائلة» كان معبودا أنثى على جبل المروة، وأنهما كانا شخصين حقيقيين، دخلا فناء الكعبة، وهناك فجر إساف بنائلة، فمسخهما الله هذين الصنمين!
46
لكن، كيف للعقل أن يستسيغ هذه الرواية الإسلامية عن «إساف» و«نائلة»، في ضوء حقيقة أن الصفا والمروة كانا مقدسين لدى الجاهليين، كذلك «إساف» و«نائلة» كانا ربين جديرين بالتبجيل والتقديس، وكانوا يسعون بينهما سبعة أشواط، ويتمسحون بهما، ويقصون شعورهم عندهما، في طقس مهم من طقوس الحج.
نامعلوم صفحہ