ارگنون جدید
الأورجانون الجديد: إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة
اصناف
وإذا تحول أي شخص عن الورشة إلى المكتبة، وأخذه الإعجاب بالتنوع الهائل للكتب التي يراها هناك، فدعه فقط يعاين ويفحص بدقة موضوعاتها ومحتوياتها، ولسوف يغير رأيه بكل تأكيد، فعندما يكتشف ألا نهاية للتكرار، وكم يعيد الناس الفعل والقول نفسه مرات ومرات، فسينصرف من الإعجاب بالتنوع إلى الاندهاش من فقر وقلة المادة التي شغلت عقول الناس واستحوذت عليها إلى يومنا هذا.
وإذا تنازل الشخص لينظر في تلك الفنون التي تعد أقرب إلى الغرابة منها إلى المعقولية، وتأمل بدقة في أعمال الخيميائيين أو السحرة، فربما يقع في حيرة ولا يدري أينبغي عليه أن يضحك أم يبكي، فالخيميائي يتعلق بأمل أبدي، وعندما تفشل جهوده يلوم نفسه ويعزو الفشل إلى خطأ ما قد ارتكبه، فلعله لم يحسن فهم كلمات فنه أو كلمات معلميه (ومن ثم يرجع إلى التعاليم والهمسات السرية)، أو لعله ارتكب زلة في الأوزان أو في توقيت الإجراء (لذا فإنه يمضي في إعادة المحاولة إلى غير نهاية)، وفي نفس الوقت عندما يقع في تجاربه العابرة على شيء يبدو جديدا أو على درجة ما من النفع، فإنه يغذي روحه بهذه الوعود ويبالغ فيها ويذيعها، معلقا أمله في النتيجة النهائية: «لا يمكن لأحد أن ينكر أن الخيميائيين قد اجترحوا اكتشافات عديدة، وقدموا للجنس البشري اختراعات نافعة، غير أنهم تنطبق عليهم حكاية الرجل العجوز الذي ترك لأبنائه تركة من الذهب مدفونة في حقله، متظاهرا بأنه لا يعرف موقعه بالتحديد، فظل الأبناء يكدون في حفر الحقل، ورغم أنهم لم يجدوا ذهبا فإن الحقل أنتج محصولا أوفر بفضل عملهم.»
57
أما أتباع السحر الطبيعي - الذين يفسرون كل شيء بالتوافق والنفور - فقد عزوا إلى الأشياء قوى زائفة وتأثيرات عجيبة، على أساس تخمينات عقيمة لا مسوغ لها، وإذا هم حققوا نتائج على الإطلاق فهي نتائج أقرب إلى الطرافة والجدة منها إلى النفع والفائدة.
وأما في السحر الخرافي (إذا كان علينا أن نتناوله أيضا) فينبغي أن نلاحظ - بصفة خاصة - أن الموضوعات التي عملت فيها الفنون الغريبة والخرافية، أو بدا أنها عملت، أي شيء - بين جميع الأمم وجميع العصور بل وجميع الأديان - هي موضوعات من صنف محدود وخاص؛ لذا فلنغض عنها الطرف، ولا عجب - في الوقت نفسه - أن اعتقادنا الكاذب بالغنى قد أفضى بنا إلى الفقر. ••• (86) هذا الإعجاب الذي أولاه الناس للفنون والمعارف، والذي هو في حد ذاته فج وشبه طفولي، قد زاده مكر أولئك القائمين بالعلوم وناقليها إلى الأجيال التالية، إنهم يقدمونها إلينا بكثير من الاستعراض والتعمل، ويعرضونها على الخلق في صورة مضللة مقنعة حتى تعطينا انطباعا بأنها تامة مكتملة من كل جانب، فلو تأملت منهجهم
58
وتقسيماتهم لبدا لك أنها قد تضمنت كل ما يتصل بالموضوع واشتملت عليه، ورغم أن هذه التقسيمات أسيء ملؤها وأنها أشبه بالقرب الفارغة فإنها تتخذ - في نظر الذهن السوقي - شكل العلم الكامل ومظهره، أما الباحثون الأوائل والأقدم عن الحقيقة، فقد كانوا أكثر أمانة وسدادا بحيث صاغوا المعرفة التي أرادوا استخلاصها من تأمل الأشياء، وعمدوا إلى حفظها للاستعمال في شكل شذرات
aphorisms
أو عبارات قصيرة ومتناثرة غير موصولة معا بمنهج اصطناعي، دون تظاهر أو ادعاء باشتمالها على أي علم كامل، ولكن وفقا لما صارت إليه الحال الآن فلا عجب إذا كانت الناس لا تبحث عما يتخطى ما قدم إليهم على أنه كامل مكمل. ••• (87) اكتسبت النظريات القديمة أيضا دفعة قوية لسمعتها وصيتها من غرور وخفة دعاة الجديد، وبخاصة في الجانب العملي والتطبيقي من الفلسفة الطبيعية، فلقد ظهر الكثير من المتحدثين السطحيين والحالمين، تدفعهم السذاجة من جانب والادعاء من جانب آخر، فأمطروا الخلق بالوعود معلنين ومتبجحين بإطالة العمر وتأخير الشيخوخة وإزالة الآلام وعلاج العيوب الخلقية وخداع الحواس، وفن كبح الانفعالات وإطلاقها، وتنوير وإعلاء الملكات الذهنية، وتحويل المواد، وتقوية الحركة ومضاعفتها بلا حدود، والطبع في الهواء والتغيير فيه، والتحكم في التأثيرات الفلكية واستشفاف المستقبل وتمثيل الأشياء البعيدة وكشف الأشياء الخفية وما إلى ذلك. إن المرء لا يجانبه الصواب إذا لاحظ - فيما يتصل بهؤلاء الأدعياء - أن هناك فرقا في الفلسفة بين وعودهم الفارغة وبين العلم الحقيقي يضاهي الفرق في التاريخ بين مآثر قيصر
59
نامعلوم صفحہ