( بعدا على هذا المصاب لأنه
يوم بيوم والحروب سجال ) وروي أن أمير المؤمنين عمر لما فتح بيت المقدس وكتب كتاب الأمان والصلح وقبضوا كتابهم وأمنوا دخل الناس بعضهم في بعض وأقام عمر أياما ثم قال لأبي عبيدة لم يبق أمير من الأمراء الأجناد غيرك إلا استزارني فقال أبو عبيدة يا أمير المؤمنين إني أخاف أن استزيرك فتعصب عينيك في بيتي قال فزرني فلما أتاه عمر في بيته فإذا ليس فيه شيء إلا لبد فرسه وإذا هو فراشه وسرجه وإذا هو وسادته وإذا كسر يابسة في كوة بيته فجاء بها فوضعها على الأرض بين يديه وأتاه بملح جريش وكوز خزف فيه ماء فلما نظر عمر إلى ذلك بكى ثم التزمه وقال أنت أخي وما من أحد من صحابي إلا وقد نال من الدنيا ونالت منه غيرك فقال له أبو عبيدة ألم أخبرك إنك ستعصب عينيك ثم إن عمر قام في الناس فحمد الله واثن عليه بما هو أهله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال يا أهل الإسلام إن الله تعال قد صدقكم الوعد ونصركم عل الأعداء واورثكم البلاد ومكن لكم في الأرض فلا يكون جزاؤه منكم إلا الشكر وإياكم والعمل بالمعاصي فإن العمل بالمعاصي كفر للنعم وقلما كفر قوم بما أنعم الله عليهم ثم لم يفزعوا إلى التوبة إلا سلبوا عزهم وسلط عليهم عدوهم ثم نزل وحضرت الصلاة فقال يا بلال ألا تؤذن لنا رحمك الله قال بلال يا أمير المؤمنين والله ما أردت أن أؤذن لأحد بعد رسول الله صل الله عليه وسلم ولكن سأطيعك إذا أمرتني في هذه الصلاة وحدها فلما أذن بلال وسمعت الصحابة صوته ذكروا نبيهم صلى الله عليه وسلم فبكوا بكاء شديدا ولم يكن من المسلمين يومئذ أطول بكاء من أبي عبيدة ومعاذ ابن جبل حتى قال لهما عمر حسبكما رحمكما الله فلما قضى صلاته انصرف أمير المؤمنين راجعا إلى المدينة واجتهد فيما هو بصدده من إقامة شعائر الإسلام والنظر في مصالح المسلمين والجهاد في سبيل الله ولم يزل كذلك حتى توفي رضي الله عنه ونفعنا به وجمع بيننا وبينه في دار كرامته إنه ولي الحسنات وغافر السيئات عنه وكرمه وقد حكى المصنفون لفضائل بيت المقدس قصة الفتح من طرق كثيرة بروايات و ألفاظ مختلفة فأحسن ما رأيته منها ما نقتلته هنا والله الموفق ( ذكر وفاة عمر رضي الله عنه ) روي أنه خرج لصلاة الصبح في جماعه فضر به أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة _ لما وقف يصلي _ بخنجر برأسين وطعنه ثلاث طعنات إحداهما تحت سرته وهي التي قتلته وطعن اثن عشر رجلا من أهل المسجد فمات منهم ستة ثم نحر نفسه بخنجره فمات لعنة الله ولما طعنه أبو لؤلؤة وقع عل الأرض ثم قال أفي الناس عبد الرحمن بن عوف ؟ قالوا نعم قال مروه يصل بالناسي وقال لولده عبد الله انظر من الذي قتلني فقال يا أمير المؤمنين ذلك أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فقال الحمد لله الذي لم يجعل قتلي على يد رجل سجد الله سجدة واحدة ثم بعث ابنه عبد الله عائشة رضي الله عنها فقال قل لها يقرأ عليك عمر السلام - ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم أمير المؤمنين - ويقول لك إنه لاحق بربه أفتأذنين له أن يدفن مع صاحبيه فجاء عبد الله إلى عائشة فإستأذن عليها فأذنت له فبلغها رسالة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فتأوهت وبكت وقالت لقد كنت أشم رائحة رسول الله صل اله عليه وسلم في أبي بكر فلما مات أبو بكر كنت أشم رائحته في أمير المؤمنين عمر ما لي والدنيا افقد فيها الأحباب واحدا بعد واحد ثم قالت له بلغ أمير المؤمنين مني السلام وقل له ألا إنها كانت قد أدخرت ذلك لنفسها ولكنها آثرتك اليوم عل نفسها فلما رجع عبد الله قال له عمر ما وراءك يا عبد الله ؟ قال الذي تحب قد أذنت لك عائشة قال الحمد لله ما كان شيء أهم إلي من ذلك فإذا أنا قبضت فارجع إلي عائشة فاستأذنها ثانيا فربما تكون استحيت مني وأنا حي فلا تستحي مني وأنا ميت وأوصاهم أن يقتصروا في كنفه ولا يتغالوا وتوفي يوم السبت سلخ ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة الشريفة ودفن يوم الأحد هلال المحرم سنة أربع وعشرين وغسله ابنه عبد الله وحمل عل سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلي عليه في مسجده وصلي بهم عليه صهيب وكبر عليه أربعا ونزله في قبره ابنه عبد الله وعثمان بن عفان وسعيد ابن زيد وعبد الرحمن بن عوف وكانت خلافته رضي الله عنه عشر سنين وستة أشهر وثمانية أيام وتوفي وهو ابن ثلاث وستين عل الصحيح المشهور والصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب رضي الله عنه وعمر وعلي وعائشة ثلاث وستون سنة وكان عمر رضي الله عنه طويلا أصلع أبيض تعلوه حمرة وقيل كان دم شديد الآدمة كث اللحية وعليه أكثر أهل العلم وفضائله أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر جاهد في الله حق جهاده فجيش الجيوش وفتح البلاد ومصر الأمصار وأعز الإسلام وأذل الكفر وأجل اليهود والنصارى من بلاد الحجاز وفي أيامه فتح العراق والموصل ومصر والإسكندرية وغيرها وهو الذي اختط الكوفة ووسع في المسجد الحرام وعمر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى وهو أول من جمع الناس لصلاة التراويح وأول من كتب التاريخ وأرخ من السنة التي هاجر فيها رسول الله صل الله عليه وسلم وأول من عس بالليل وأول من نه عن بيع أمهات الأولاد وأول من جمع الناس في صلاة الجنازة على أربع تكبيرات وكانوا يكبرون أربعا وخمسا وستا وأول من حمل الدرة وضرب بها ودون الدواوين ولو لم يكن من فضائله إلا فتح هذا البيت المقدس وتطهيره من الشرك لكفاه رضي الله عنه ونفعنا ببركته وبركات علومه في الدنيا والآخرة واما من دخل بيت المقدس من الصحابة رضي الله عنهم فهم خلق كثير لا يحصيهم إلا الله سبحانه وتعال ولنذكر جماعة من أعيانهم تبركا بذكرهم ونجعل ترتيب أسمائهم عل الوفيات من غير استقصاء في ذكر تراجمهم فأقول - وبالله التوفيق - أبو عبيدة بن الجراح واسمه عامر بن عبد الله بن الجراح توفي في طاعون عمواس سنة ثمانية عشر من الهجرة الشريفة وقبره في قرية يقال لها عثمان تحت جبل عجلون بين فقارس والعادلية بزاوية دير علا من الغور الغربي ووفاته في خلافة عمر وله ثمان وخمسون سنة معاذ بن جبل الأنصاري رضي الله عنه استخلفه أبو عبيدة على الناس عند موته فمات أيضا بالطاعون بناحية الأردن في سنة ثمان عشرة وله ثمان وثلاثون سنة وقيل ثلاثون وثلاثون سنة وقبره بالقصر الذي من الغور ومات من العسكر في هذا الطاعون خمسة وعشرون ألف نفس وطال مكثه شهرا وطمع العدو في المسلمين بلال بن رباح مول أبي بكر الصديق وهو مؤذن رسول الله صل الله عليه وسلم شهد فتح بيت المقدس مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يؤذن بعد رسول الله ( ص ) سو مرة واحدة لما أمر عمر بالأذان بعد الفتح - كما تقدم - توفي بدمشق في سنة تسعة عشر من الهجرة ودفن عند الباب الصغير وهو ابن بضع وستين سنة وقيل مات بحلب سنة عشرين وقيل ثمانية عشر والله أعلم عياض بن غنم رضي الله عنه ابن عم أبي عبيدة دخل بيت المقدس وبن فيها حماما وله رواية عن النبي صل الله عليه وسلم وتوفي في سنة عشرين مكن الهجرة خالد بن الوليد رضي الله عنه سيف الله المسلول توفي سنة إحدى وعشرين من الهجرة الشريفة واختلف في موضع قبره فقيل بحمص وقيل بالمدينة أبو ذو الغفاري واسمه جندب بن جنادة دخل بيت المقدس وكانت وفاته بالربذة في سنة اثنتين وثلاثين والله أعلم أبو الدرداء عويمر رضي الله عنه توفي بدمشق في سنة اثنتين وثلاثين وقيل إحدى وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه عبادة بن الصامت الأنصاري رضي الله عنه وجهه عمر إلى الشام قاضيا ومعلما وأقام بحمص ثم انتقل إلى فلسطين وهو أول ولي قضاها سكن بيت المقدس ومات بفلسطين ودفن ببيت المقدس وقيل بالرملة والأول أشهر وكانت وفاته في سنة أربع وثلاثين للهجرة والآن قبره لا يعرف ببيت المقدس ولا بالرملة واندرس لاستيلاء الإفرنج على تلك الناحية سليمان الفارسي توفي سنة ست وثلاثين من الهجرة ودفن بالمدائن عن مائتين وخمسين سنة ويقال أكثر ذكره النووي في التهذيب والكرماني وابن الجوزي في صفوة الصفوة قال أهل العلم بالسير كان سليمان من المعمرين أدرك وصي عيسى بن مريم ورد بعض العلماء هذا القول وقال إنه لم يبلغ المائة والله أعلم أبو مسعود الأنصاري عقبة بن عمرو البدري سكن بدرا ولم يشهدها عل الراجح وتوفي في سنة تسع وثلاثين من الهجرة وقيل سنة أربعين تميم الداري بن أوس رضي الله عنه وفدهو وأخوه نعيم عل رسول الله صل الله عليه وسلم سنة تسع واسلما صحب تميم رسول الله صل الله عليه وسلم وغزا معه ورو عنه ولم يزل بالمدينة حتى تحول إلى الشام بعد قتل عثمان وكان أميرا على بيت المقدس وهو الذي اقطعه النبي صل الله عليه وسلم أرض حبرون وسنذكر نسخة الإقطاع فيما بعد عند ذكر بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام إن شاء الله تعالى وتوفي سنة أربعين من الهجرة الشريفة عمرو بن العاص السهمي توفي سنة ثلاث وأربعين من الهجرة في خلافة معاوية عبد الله بن سلام أبو الحارث الإمام الحبر الإسرائيلي المشهود له بالجنة قدم بيت المقدس من خواص الصحابة كان اسمه الحصين فغيره النبي صل الله عليه وسلم بعبد الله شهد فتح بيت المقدس توفي سنة ثلاث وأربعين من الهجرة سعيد بن زيد أحد العشرة المشهود لهم بالجنة قدم بيت المقدس زمن الفتح توفي سنة إحدى وخمسين من الهجرة بالعقيق وقيل بالكوفة وله بضع وسبعون سنة أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص اسمه مالك بن وهب رضي الله عنه قدم بيت المقدس واحرم منه بعمرة إحدى العشرة المشهود لهم بالجنة مات في قصره بالعقيق عل أميال من المدينة فحمل إلى المدينة وصلت عليه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجرهن ودفن بالبقيع في سنة خمس - وقيل ست - وخمسين من الهجرة وهو ابن بضع وسبعين سنة مرة بن كعب الفهري رضي الله عنه نزل بالشام وتوفي سنة سبع وخمسين من الهجرة بالأردن شداد بن أوس ابن أخي حسان بن ثابت نزل بالشام ناحية فلسطين وكان ممن أوتي العلم والحلم والحكمة يروي إنه لما دنت وفاة النبي صل الله عليه وسلم قام ثم جلس ثم قام ثم جلس فقال رسول الله ( ص ) يا شداد ما سبب قلقك ؟ فقال يا رسول الله ضاقت بي الأرض فقال ألا أن الشام ستفتح وبيت المقدس سيفتح إن شاء الله تعالى وتكون أنت وولدك من بعدك أئمة بها إن شاء الله فكان كما أخبر صل اله عليه وسلم وكان ذا عبادة واجتهاد توفي سنة ثمان وخمسين من الهجرة وله خمس وسبعون سنة وقيل مات سنة إحدى وأربعين وقبره ظاهر ببيت المقدس يزار في مقبره باب الرحمة تحت سور المسجد الأقصى رضي الله عنه أبو هريرة رضي الله عنه واسمه عبد الرحمن بن صخر قدم بيت المقدس وشهد فتحه مات بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة تسع وخمسين من الهجرة وهو ممن لازم خدمة النبي ( ص ) وروى عنه الكثير وليس هو المدفون بقرية يبنى التي هي من أعمال مدينة غزوة وإنما بها بعض ولده معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين قدم بيت المقدس وقدم عليه عمرو بن العاص فبايعه عل طلب عثمان وكتبا كتابا بينهما بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تعاهد عليه معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ببيت المقدس بعد مقتل عثمان وحمل كل واحد منهما صاحبه الأمانة أن بيننا عهد الله على التناصر والتخالص والتناصح في أمر الله والإسلام ولا يخذل أحدنا صاحبه بشيء ولا يتخذ من دونه وليجة ولا يحول بيننا ولد ولا والد أبدا ما حيينا فيما استطعنا توفي بدمشق في النصف من رجب في ستة ستين من الهجرة وله ثمان وسبعون سنة وقيل ست وثمانون سنة وقيل غير ذلك وصلى عليه الضحاك ودفن بمقبرة دمشق عبد الله بن عمرو بن العاص اسلم قبل أبيه ولم يكن أصغر من أبيه إلا باثنتي عشرة سنة وكان يقرأ القرآن والتوراة ويصوم يوما ويفطر يوما توفي في سنة خمس وستين من الهجرة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مولده قبل الهجرة بثلاث سنين ودعا له النبي صل الله عليه وسلم فقال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل فكان كذلك وكان يسم الحبر لكثرة علومه وأهل من بيت المقدس في الشتاء توفي سنة ثمان وستين من الهجرة بالطائف بقرية تدعى السلامة وقبره ظاهر معروف بها عليه قبة مبنية وحولها مسجد جامع عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قدم بيت المقدس وأهل منه بعمرة توفي سنة وسبعين من الهجرة بعد قتل ابن الزبير بثلاثة أشهر وله سبع وثمانون سنة عوف بن مالك بن عوف الأشجعي أبو محمد شهد فتح بيت المقدس ونزل بحمص وهو صحابي جليل توفي سنة ثلاث وسبعين من الهجرة بايع رسول الله صل الله عليه وسلم عل أن يعبد الله ولا يشرك به شيئا والصلوات الخمس وإن لا يسأل الناس شيئا أبو جمعة الأنصاري واسمه جندب بن سباع وقيل جنيد بن سباع وقيل ابن وهب وقيل ابن فديك قدم بيت المقدس ليصلي فيه يعد من الشاميين مات بالشام أول المحرم سنة سبع وسبعين من الهجرة واثلة بن الاسقع الهوازني أسلم والنبي صل الله عليه وسلم متوجه إلى تبوك ويقال إنه خدمة ثلاث سنين وهو من أهل الضفة سكن البصرة ثم الشام وشهد المغازي بدمشق وحمص ثم تحول إلى بيت المقدس ومات به وهو ابن مائة سنة وقيل مات بدمشق في خر خلافة عبد الملك بن مروان سنة خمس - أو ست - وثمانين من الهجرة رضي الله عنه أبو أمامة صدى بن عجلان الباهلي سكن بيت المقدس ودمشق الشام وكان آخر من أتى الشام من الصحابة رضي الله عنه شهد حجة الوداع وهو ابن ثلاثين سنة توفي سنة ثمان - وقيل ست - ثمانين من الهجرة محمود بن الربيع نعيم وقيل أبو محمد في الصحيح من حديث الزهري عن محمود بن الربيع كان يزعم أنه أدرك رسول الله صل الله عليه وسلم وهو ابن خمس سنين وزعم إنه عقل مجة مجها رسول الله ( ص ) في وجهه نزل بيت المقدس وأهل منه بحج وعمرة وهو ختن عبادة بن الصامت مات شنة تسع وتسعين من الهجرة وهو ابن ثلاث وتسعين سنة يزيد بن أبي سفيان صخر بن حرب كان أميرا بالشام عل جند من الأجناد ولما مات أمر عمر مكانه أخاه معاوية بن أبي سفيان أبو ريحانة واسمه شمعون - بشين معجمة وقيل بالمهملة - شمعون القرظي من بني قريظة يقال من بني النضير ويقال له رسول الله صل الله عليه وسلم كانت ابنته ريحانة سرية رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكن أبو ريحانة بيت المقدس وكان يعظ في المسجد الأقصى الشريد بن سويد قدم بيت المقدس لأنه كان قد نذر أن يصلي فيه أن فتح الله مكة على رسول الله صل الله عليه وسلم واستأذنه في ذلك فأذن له ابن أبي الجدعا وهو عبد الله بن أبي الجدعا التميمي ويقال له الكناني ويقال له العبدي فيروز الديلمي أبو عبد الله ويقال أبو عبد الرحمن ويقال أبو الضحاك ويقال الحميري لنوله بحمير وهو من أبناء فارس من فرس صنعاء فيروز من الذين بعثهم كسرى إلى اليمن فنفوا الحبشة منها وغلبوا عليها سكن بيت المقدس ويقال إنه مات بها وقبره به مات في خلافة عثمان ذو الأصابع التميمي يقال الخزاعي ويقال الجهني سكن بيت المقدس وهو من أهل اليمن من المدد الذين نزلوا ببيت المقدس أبو محمد النجاري - بالجيم - الأنصاري البدري قال صاحب ( مثير الغرام ) أظنه مسعود بن أويس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك النجاري كذا نسبه الواقدي وغيره وهو الذي زعم أن الوتر واجب فقال عبادة بن الصامت كذب أبو محمد قيل توفي في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقيل شهد صفتين مع علي سلام بن قيصر قيل سلامة له صحبة وكان واليا لمعاوية على بيت المقدس وله عقب به وأنكر بعضهم صحبته والله أعلم أبو أبي بن أم حرام ويقال أبي ويقال عبد الله بن أبي وقيل عبد الله ابن كعب وقيل عبد الله بن عمرو بن شمعون بن خليفة بن قيس وأمه أم حرام بنت ملحان أخت أم سليم أسلم قديما ويعد في الشاميين سكن بيت المقدس وكان ربيب عبادة بن الصامت وهو آخر من مات من الصحابة ببيت المقدس وقال الحافظ أبو بكر الخطيب فيمن ذكر إنه كان ببيت المقدس من الصحابة والتابعين ومات به عبادة بن الصامت وشداد بن أوس وأبو أبي بن أم حرام وأبو ريحانة وسلامة بن قيصر وفيروز الديلمي وذو الأصابع وأبو محمد النجاري والله أعلم عصيف بن الحارث وهو الصواب في اسمه قدم بيت المقدس هو وأهله فصلى فيه وجماعة من الصحابة صفية بنت حي أم المؤمنين رضي الله عنها قدمت بيت المقدس فصلت فيه وصعدت عل طور زيتا فصلت وقامت طرف الجبل فقالت من هاهنا يتفرق الناس يوم القيام إلى الجنة وإلى النار توفيت في سنة خمسين وقيل اثنتين وخمسين وقيل ست وثلاثين ودفنت بالبقيع رضي الله عنها وحكى صاحب ( مثير الغرام ) أن حبرا من الأحبار بيت المقدس قدم المدينة بعد موت النبي صل الله عليه وسلم وقال يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما توفي رسول الله صل الله عليه وسلم لثنتي عشرة خلت من ربيع الأول فلما كان صبيحة الخميس إذا نحن بشيخ أبيض الرأس واللحية متلثم بعمامة على قعود له فجاء فنزل فعقل بعيره بباب المسجد فناد السلام عليكم ورحمة الله هل فيكم محمد رسول الله ؟ فقال علي ما تريد ؟ فقال أنا حبر من أحبار بيت المقدس قرأت التوراة ثمانين سنة وتدبرتها أربعين سنة صفاحا فوجدت فيها ذكر محمد وإنه ليس بكاذب ولا أقوال لكذب وقد جئت أطلب الإسلام على يديه فذكر أثرا طويلا مع علي رضي الله عنه ( ذكر المهدى الذي يكون في آخر الزمان بالقدس الشريف ) رو صاحب ( مثير الغرام ) عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ( ص ) ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع الناس ببلاء أشد منه حتى تضيق عليهم الأرض بما رحبت وحتى تملأ الأرض جورا وظلما ثم إن الله يبعث رجلا يملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجرا يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض لا تدخر الأرض من بذرها شيئا إلا أخرجته و لا السماء من قطرها شيئا إلا صبه الله عليهم مدرارا يعيش فيهم سبع سنين أو ثماني سنين أو تسعا يتمنى الأحياء الأموات بما صنع الله بأهل الأرض من الخير ورواه أبو القاسم البغوي بنحوه وفيه وينزل بيت المقدس وروي عن علي قال المهدي يولد بالمدينة من أهل بيت النبي صل الله عليه وسلم وأسمه اسم نبي ويهاجر ببيت المقدس وعن محمد بن الحنفية قال تخرج راية سوداء لبني العباس ثم تخرج من خراسان أخر سوداء وثيابهم بيض على مقدمتهم رجل يقال له شعيب بن صالح مولى بني تميم يهزمون أصحاب السفياني حتى ينزل بيت المقدس يوطئ للمهدي سلطانه ويفد إليه ثلاثمائة من الشام يكون بين خروجه وبين أن يسلم إليه الأمر ثلاث وسبعون شهرا وعن شريح بن عبيد عن راشد بن سعد وضمرة بن حبيب ومشايخهم قالوا يخرج شعيب بن صالح مول بني تميم مختفيا إلي بيت المقدس يوطئ للمهدي منزله إذا بلغه خروجه إلى الشام وعن محمد بن علي قال إذا سمع العابد الذي بمكة بالخسف خرج مع اثني عشر ألفا فيهم الإبدال حتى ينزلوا بايليا - يعني بيت المقدس - الأثر وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم إذا رأيتم خليفتين خليفة بيت المقدس يقتل الذي هو دونه يعني بالخليفة الذي ببيت المقدس المهدي و الذي دونه السفياني وعن سليمان بن عيس قال بلغني إنه عل يد المهدي تابوت السكينة من بحيرة طبرية حتى يحمل فيوضع بين يديه في بيت المقدس فإذا نظرت إليه اليهود أسلموا إلا قليلا منهم ثم يموت المهدي وأما ما روي عن انس بن مالك عن النبي صل الله عليه وسلم إنه قال لا يزداد الأمر إلا شدة ولا الناس غلا شحا ولا الدنيا إلاأدبارا ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق ولا مهدي إلا عيسى بن مريم فقال الحافظ أبو محمد إنه حديث أمر جدا لا يعارض ما تقدم وعن هشام بن عمار قال سمعت أن رجلا انتقل إلى بيت المقدس فقيل له ما نقلك إليها ؟ قال بلغني إنه لا يزال في بيت المقدس رجل يعمل عمل آل داود والله أعلم ( ذكر بناء عبد الملك بن مروان لقبه الصخرة الشريفة ) والمسجد الأقصى الشريف وما وقع في ذلك لما توفي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعهد بالخلافة إلى النفر الذين مات رسول الله صل الله عليه وسلم وهو عنهم راضوهم عثمان وعلي وطلح والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم وشرط أن يكون ابنه عبد الله شريكا في الرأي ولا يكون له حظ في الخلافة بويع بعده بالخلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله واستقر فيها لثلاث مضت من المحرم سنة أربع وعشرين من الهجرة واستمر إلى أن استشهد في يوم الأربعاء لثماني عشر ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين من الهجرة وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوما وفضائله ومناقبه مشهورة ثم استقر بعده في الخلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبويع له بالخلاف في يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين من الهجرة ووقع بينه وبين معاوية بن أبي سفيان ما هو مشهور مما ليس في ذكره فائدة والسكوت عنه أولى واستمر إلي أن استشهد بالكوفة وكانت وفاته ليلة الأحد تاسع عشر رمضان سنة أربعين من الهجرة وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر ثم استقر بعده في الخلافة ولده الحسن رضي الله عنه بويع له يوم وفاة والده واستمر في الخلافة نحو ستة أشهر وهي تمام ثلاثين لوفاة رسول الله ( ص ) وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يعود ملكا عضوضا وكان آخر ولاية الحسن تمام ثلاثين سن وسلم الأمر لمعاوية فاستقر في الخلاف في شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من الهجرة الشريفة واستمر في الخلافة نحو عشرين سنة إلى أن توفي بدمشق في النصف من رجب سنة ستين من الهجرة وكان يلقب بالناصر لحق الله تعالى فلما توفي استقر بعده في الخلافة ولده يزيد ولقب نفسه بالمنتصر عل أهل الزيغ وكان قد بويع له بالخلافة قبل وفاة أبيه ثم جددت له البيعة بعد وفاته فأساء السيرة وجار على الرعية وتجاهر بالمعاصي فلما اشتهر جوره كثر ظلمه وقتل ل الرسول صلى الله عليه وسلم اجتمع أهل المدينة على إخراج عامله عثمان بن محمد بن أبي سفيان ومروان بن الحكم وسائر بني أمية وذلك بإشارة عبد الله بن الزبير فلما بلغ ذلك يزيد بن معاوية سير الجيوش إلى أهل المدينة وجهز عليهم مسلم ابن عقبة المزني فانتهب المدينة الشريفة وقتل أهلها ثم قصد مكة فمات قبل وصوله إليها واستخلف على الجيش الحصين بن نمير فأتى مكة وحاصر ابن الزبير أربعين يوما ونصب المناجيق وهدم الكعبة الشريفة واحرقها وكان ذلك قبل موت يزيد بأحد عشر يوما فأهلك الله يزيد ومات وكان موته بحوارين من عمل حمص لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة أربع وستين من الهجرة وهو ابن ثمان وثلاثين سنة وكانت مدة خلافته ثلاث سنين وثمانية أشهر وكانت سيرته أقبح السير ولو لم يكن منها إلا قتل الحسين في أيامه وما وقع منه في حق ذرية النبي صلى الله عليه وسلم لكفاه ذلك في قبح السيرة واستقر بعده في الخلافة بدمشق ولده معاوية بن يزيد بن معاوية ولقب بالراجع إلى الله وكان صالحا فلم يعتن بالخلافة ولا باشرها وأقام ثلاثة أشهر وقيل دون ذلك وتوفي رحمه الله وكان الناس حين موت يزيد بايعوا عبد الله بن الزبير بمكة وتلقب خادم بيت الله وكان مروان بن الحكم بالمدين فقصد المسير إلى عبد الله بن الزبير ومبايعته ثم توجه من بني أمية إلى الشام وبايع أهل البصرة ابن الزبير واجتمع له الحجاز والعراق واليمن وبعث إلى مصر فبايعه أهلها وبايع له في الشام نمر الضحاك بن قيس وبايع له بحمص النعمان بن بشر الأنصاري وبايع له بقلسرين بشر بن دفر بن الحارث الكلابي وكاد يتم له الأمر بالكلية وشرع ابن الزبير في بناء الكعبة شرفها الله تعالى وكان ذلك في سنة أربع وستين من الهجرة الشريفة وكانت حيطانها قد مالت من ضرب المنجنيق فهدمها وحفر أساسها وشهد عنده سبعون من شيوخ قريش وذلك أن قريشا حين بنوا الكعبة عجزت نفقتهم فنقصوا من سعة بنا ء البيت سبعة أذرع من أساس إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام الذي أسسه هو وإسماعيل عليه السلام فبناه عبد الله بن الزبير وزاد فيه السبعة أذرع وأدخل الحجر في الكعبة وأعادها عل ما كانت عليه أولا وجعل لها بابين باب يدخل منه وباب يخرج منه فلم يزل البيت على ذلك حتى قتل الحجاج ابن الزبير - كما سنذكره إن شاء الله تعال - فلما مات معاوية بن يزيد بن معاوية بالشام بويع بالخلافة لمروان بن الحكم ولقب بالمؤتمن بالله وافترق الناس فرقتين فرقة تهوي بني أمية وفرقة تهوي ابن الزبير ووقع بينهم خلاف وجرى بينهم وقائع وحروب ثم استقر أمر الشام لمروان ودخلت مصر تحت طاعته ثم أمر الناس بالبيعة لولده عبد الملك ومن بعده لأخيه عبد العزيز فما كان بأسرع من أن انقضت مدة مروان فمات بالطاعون بدمشق فجأة لثلاث خلون من رمضان سنة خمس وستين من الهجرة وكانت مدة ولايته تسعة أشهر وثمانية عشر يوما وعمره ثلاث وستون سنة فلما مات بويع لولده عبد الملك بالخلافة في ثالث شهر رمضان سنة خمس وستين ولقب بالموفق لأمر الله وهو أول من سمي عبد الملك في الإسلام وأول من ضرب الدراهم والدنانير في الإسلام وكان النقش عل الجانب الواحد الله أحد وعل الآخر الله الصمد وكانت الدراهم قبل ذلك رومية وكسروية ولما ولي الخلافة وعد الناس - يوم بويع - بخير ودعاهم إلى إحياء الكتاب والسنة وإقامة العدل فلما دخلت سنة ست وستين ابتدأ ببناء قبة الصخرة الشريفة وعمارة المسجد الأقصى الشريف وذلك لأنه منع الناس عن الحج لئلا يميلوا مع ابن الزبير فضجوا فقصد أن يشغل الناس بعمارة هذا المسجد عن الحج فكان ابن الزبير يشنع على عبد املك بذلك وكان من خبر البناء أن عبد الملك بن مروان حين حضر إلى بيت المقدس وأمر ببناء القبة عل الصخرة الشريفة بعث الكتب في جميع عمله والي سائر الامصار إن عبد الملك قد أراد أن يبني قبة على صخرة بيت المقدس تقي المسلمين من الحر والبرد وأن يبني المسجد وكره أن يفعل ذلك دون رأي رعيته فلتكتب الرعية إليه برأيهم وما هم عليه فوردت الكتب عليه من سائر عمال الأمصار نر رأي أمير المؤمنين موافقا رشيدا إن شاء الله يتم له نوى من بناء بيته وصخرته ومسجده ويجري ذلك على يديه ويجعله تذكرة له لمن مضى من سلفه فجمع الصناع لعمله وأرصد للعمارة مالا كثيرا يقال إنه خراج مصر سبع سنين ووضعه بالقبة الكائنة أمام الصخرة من جهة الشرق بعد أن أمر ببنائها وهي من جهة الزيتون وجعلها حاصلا وشحنها بالأموال ووكل على صرف المال في عمارة المسجد والقبة وما يحتاج إليه أبا المقدام رجاء بن حياة بن جود الكندي وكان من العلماء الأعلام ومن جلساء عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وضم إليه رجلا يدع يزيد بن سلام مول عبد الملك بن مروان من أهل بيت المقدس وولديه ويقال إن عبد الملك وصف ما يختاره من عمارة القبة وتكوينها للصناع فصنعوا له وهو ببيت المقدس القبة الصغيرة التي هي شرقي قبة الصخرة التي يقال لها قبة السلسلة فأعجبه تكوينها وأمر ببنائها كهيئتها وأمر رجاء ويزيد بالنفقة عليها والقيام بأمرها وإن يفرغا المال عليها افراغا دون أن ينفقاه انفاقا وأخذوا في البناء والعمارة عند القبة من شرقي المسجد إلى غربيه حتى أكملوا العمل وفرغ البناء ولم يبق للمتكلم فيه كلام وكان البناء الذي هو في صدر المسجد إلى غربيه من السور الذي عند مهد عيس إلى المكان المعروف الآن بجامع المغاربة فكتب رجاء ويزيد إلى عبد الملك بدمشق قد أتم الله ما أمر به أمير المؤمنين من بناء قبة صخرة بيت المقدس والمسجد الأقصى ولم يبق لمتكلم فيه كلام وقد بقى مما أمر به امير المؤمنين من النفقة عليه - بعد أن فرغ البناء وأحكم - مائة ألف فيصرفها أمير المؤمنين فيما أحب فكتب إليهما أمير المؤمنين قد أمرت بها لكما جائزة لما وليتما مكن عمارة البيت الشريف المبارك فكتبا إليه نحن أولى أن نزيده من حلي نسائنا فضلا عن أموالنا فاصرفها في أحب الأشياء إليك فكتب إليهما بأن تسبك وتفرغ عل القبة فسبكت وأفرغت عليها فما كان أحد يقدر أن يتأملها مما عليها من الذهب وهيأ لها جلالا من لبود وأدم توضع من فوقها فإذا كان الشتاء ألبستها لتكنها من الأمطار والرياح والثلوج ثم بعد انتقال الخلافة إلى المنتقم لله الوليد بن عبد الملك انهدم شرقي المسجد ولم يكن في بيت المال حاصل فأمر بضرب ذلك وإنفاقه عل ما انهدم منه وكانت ولاية الوليد في شوال سنة ست وثمانين ومات في جماد الآخرة سنة ست وتسعين من الهجرة وكان رجاء بن حياة ويزيد بن سلام قد حفا الصخرة بدر ابزين ساسم ومن خلف الدرابزين ستور الديباج مرخاة بين العمد وكان كل يوم اثنين وخميس يأمران بالزعفران فيدق أو يطحن ثم يعمل من الليل بالمسك والعبر والماورد الجوري ويخمر بالليل ثم يأمر الخدم بالغداة فيدخلون حمام سليمان يغتسلون ويتطهرون ثم يأتون إلى الخزانة التي فيها الخلوق فيلقون أثوابهم عنهم ثم يخرجون أثوابا جددا من الخزانة مروية وهروية وشيئا يقال له العصب ومناطق محلاة يشدون بها أوساطهم ثم يأخذون الخلوق ويأتون به إلى الصخرة فيلطخون ما قدروا أن تناله أيديهم حتى يغمروه كله وما لا تناله أيديهم غسلوا أقدامهم ثم يصعدون على الصخرة حتى يلطخوا ما بقي منها وتفرغ آنية الخلوق ثم يأتون بمجامر الذهب والفضة والعود القماري والند مطري بالمسك والعنبر فترخى الستور حول الأعمدة كلها ثم يأخذون البخور ويدورون حولها حتى يحول البخور بينهم وبين القبة من كثرته ثم تشمر الستور فيخرج البخور ويفوح من كثرته حتى يبلغ إلى رأس السوق فيشم الريح من يمر من هناك وينقطع البخور من عندهم ثم يناد مناد في صف البرازين وغيرهم ألا أن الصخرة قد فتحت للناس فمن أراد الصلاة فيها فليأت فتقبل الناس مبادرين إلى الصلاة في الصخرة فأكثر الناس من يدرك أن يصلي ركعتين وأقلهم أربعا فمن شم رائحته قال هذا ممن دخل الصخرة ثم تغسل آثار أقدامهم بالماء وتمسح بالآس الأخضر وتنشف بالمناديل وتغلق الأبواب وعلى كل باب عشرة من الحجبة ولا تفتح إلا يوم الاثنين ويوم الخميس ولا يدخلها في غيرهما إلا الخدم وعن أبي بكر بن الحارث رضي الله عنه قال كنت أسرجها في الخلاف عبد الملك كلها باللبان والزنبق الرصاصي قال كانت الحجبة يقولون له يا أبا بكر مر لنا بقنديل ندهن به ونتطيب به فكان يجبهم إلى ذلك وكان يفعل بها ذلك في أيام خلاف عبد الملك بن مروان كلها قال الوليد وحدثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور بن ثابت قال حدثني أبي عن أبيه عن جده قال كان في السلسلة التي في وسط القبة على الصخرة درة ثمينة وقرنا كبش إبراهيم وتاج كسرى معلقات في أيام عبد الملك بن مروان فلما صارت الخلافة إلى بني هاشم حولوها إلى الكعب حرسها الله تعال وكان الفراغ من عمارة قبة الصخرة والمسجد الأقصى في سنة ثلاث وسبعين من الهجر الشريفة وهي السنة التي قتل فيها عبد الله بن الزبير وكان من خبره أن عبد الملك بن مروان لما صفا له الوقت وثبت أمره في الخلافة بعث الحجاج بن يوسف الثقفي إلى حرب عبد الله بن الزبير بمكة فأتى الحجاج الطائف فأقام بها شهرا ثم زحف إلى مكة فحاصر ابن الزبير في هلال ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين ودام الحصار حتى غلت الأسعار وأصاب الناس مجاعة وزاد الحجاج في الحصار والقتال ورمى الكعبة بالمنجنيق فلما رمبها رعدت السماء وأبرقت وجاءت صاعقة تتبعها أخر فقتلت من أصحاب الحجاج اثني عشر رجلا واشتد القتال وخرج ابن الزبير فقاتل قتالا شديدا وتكاثرت أهل الشام الوفا من كل جانب فشدخوه بالحجارة فانصرع فأكب عليه موليان له فقتلوا جميعا وتفرق أصحابه وأمر به الحجاج فصلب وكان ذلك في يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة خلت من جمادي الآخرة سنة ثلاث وسبعين من الهجرة الشريف بعد قتال سبعة أشهر وكان له من العمر حين قتل نحو ثلاث وسبعين سنة وهو أول من ولد للمهاجرين بعد الهجرة لأنه بويع له سنة أربع وستين وكان سلطانه بالحجاز والعراق وخراسان وأعمل الشرق وكان كثير العبادة مكث أربعين سنلم ينزع ثوبه عن ظهره وكانت خلافته تسع سنين ؟ وكان رضي الله عنه له جمة مفروقة طويلة ولما صلب علق الحجاج إلى جانبه كلبا ميتا ومنع والدته من دفنه وكان لها من العمر مائة سنة وهي أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وكانت تدعى بذات النطاقين ثم كتب الحجاج إلى عبد الملك يخبره بصلبه فكتب إليه يلومه ويقول هلا خليت بينه وبين أمه فأذن لها فدفنته وماتت بعده بقليل وبعث الحجاج إلى عبد الملك يعلمه بما زاده ابن الزبير في الكعبة فأمر عبد الملك بهدمه ورده إلي ما كان عليه في حياة رسول الله صل الله عليه وسلم وأن يجعل له بابا واحدا ففعل الحجاج ذلك وهو البناء الموجود في عصرنا وقد تقدم ذكر ما وقع من البناء والهدم في الكعبة وخلاصة الأمر إن سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام بني الكعبة وهي بيت الله الحرام - كما تقدم عند ذكره - بعد مضي مائة سنة من عمره واستمر بناؤه نحو ألفي سنة وسبعمائة وخمس وسبعين سنة إلى أن هدمته قريش في سنة خمس وثلاثين من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنوه - كما تقدم - وهو البناء الثاني واستمر نحو اثنتين وثمانين سنة ثم هدمه الحصين وأحرقه في أيام يزيد بن معاوية - كما تقدم - وذلك في سنة أربع وستين من الهجرة ثم بناه عبد الله بم الزبير عل قواعد إبراهيم وهو البناء الثالث واستمر نحو تسع سنين , ثم هدمه الحجاج وقتل ابن الزبير في سنة ثلاث وسبعين من الهجرة ثم بناه الحجاج وأخرج الحجر من البيت وجعله على ما كان عليه في حياة رسول الله صل الله عليه وسلم وهو البناء الرابع وكان في سنة أربع وسبعين من الهجرة واستمر عل ما هو عليه إلى هذا التاريخ وهو آخر سنة تسعمائة وكانت الكعبة تكسى القباطي ثم كسيت البرود وأول من كساها الديباج الحجاج بن يوسف وأما ذرع جدران الكعبة الشريفة فطول جدارها الشرقي من أعلا الشاخص إلى أرض المطاف ثلاثة وعشرون ذراعا وثلث ذراع بذراع الحديد وكذلك جدرانها الثلاث سوى الشامي فإنه ينقص عن الشرقي ربع ذراع والجدار الغربي ينقص عن الجدار الشرقي ثمن ذراع والجدار اليماني كالشرقي سواء بسواء ذكر ذلك الفارسي في تاريخه المختصر وذكر هو وغيره من المؤرخين عرض البيت الشريف من كل جهة وحرروا ذلك وليس هذا محل ذكره خشية الإطالة وأما أخبار توسعه المسجد الحرام وعمارته فأول من وسعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدور اشتراها ودور هدمها عل من أبي البيع وترك ثمنها لأربابها في خزان الكعب وذلك في خمس عشر من الهجرة وكذلك فعل عثمان في سنة ست وعشرين من الهجرة ثم وسع عبد الله بن الزبير من جانبه الشرقي والشامي واليماني ثم وسع المنصور العباسي من جانبه الشمالي والغربي وكان ما زاده مثل ما كان من قبل وابتدأ في العمل في المحرم سنة سبع وثلاثين ومائة وفرغ في ذي الحجة سنة أربعين ومائة ثم إن الخليفة المهدي - هو أبو عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور العباسي - حج في سنة ستين ومائة وجرد الكعبة وطلى جدرانها بالمسك والعنبر من أعلاها إلى أسفلها ووسع المسجد من جانبيه اليماني والغربي حتى صار عل ما هو عليه اليوم خلا الزيادتين فإنهما احدثا بعده وكانت الكعب الشريف في جانب المسجد ولم تكن متوسطة فهدم حيطان المسجد واشتر الدور والمنازل وأحضر المهندسين وصير الكعب في الوسط وكانت توسعته في نوبتين الأول في سنة إحدى وستين والثانية في سنة سبع وستين ومائة وهي السنة التي عمر فيها مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأحد من الأمراء في عمار المسجد الحرام من النفقة مثل ما للمهدي رحمه الله وممن عمره من غير توسعه عبد الملك بن مروان رفع جدرانه وسقفه بالساج وعمره ابنه الوليد وسقفه بالساج المزخرف وازره من داخله بالرخام وزيد فيه بعد المهدي زيادة دار الندوة بالجانب الشامي والزيادات المعروفة بزيادة باب إبراهيم بالجانب الغربي وكانت إنشاء زيادة دار الندوة في زمن المعتضد العباسي وابتداء الكتابة إليه فيها في سن إحدى وثمانين ومائتين وكان عمل الزيادة التي بباب إبراهيم في سنة ست وسبعين وثلاثمائة ووقع في المسجد الحرام بعد ذلك عمارات كثيرة وأما ذرع المسجد الحرام غير الزيادتين فذكره بعض المؤرخين باعتبار ذراع اليد وحرره بعضهم بذراع العمل الجدير فكان طوله من جداره الغربي إلى جداره الشرقي المقابل له ثلاثمائة ذراع وستة وخمسين ذراعا وثمن ذراع بالذراع الحديد فيكون ذلك بذراع اليد أربعمائة وسبعة أذرع وذلك من وسط جداره الغربي الذي هو جدار رباط الجوزي إلى وسط جداره الشرقي عند باب الجنائز ثم يمر به في الحجر ملاصقا جدار الكعبة الشامي وكانت عرضه من جداره الشامي إلى جداره اليماني مائتي ذراع وستا وستين ذراعا بذراع الحديد فيكون بذراع اليد ثلاثمائة ذراع وأربعة أذرع وذلك ممن وسط جداره القديم عند العقود إلى وسط جداره اليماني الذي فيما بين باب الصفا وباب أجياد يمر به فيما بين مقام إبراهيم والكعبة وهو إلى المقام أقرب وأما ذرع زيادة دار الندوة فهو أربعة وسبعون ذراعا إلا ربع ذراع بالحديد وذلك ممن جدار المسجد الحرام الكبير إلى الجدار المقابل له الشامي منها وعنده باب مناوتها هذا ذرعها طولا وأما عرضا فسبعون ذراعا ونصف ذراع وذلك من وسط جدارها الشرقي إلى وسط جدارها الغربي وأما زيادة باب إبراهيم فذرعها طولا تسع وخمسون ذراعا إلا سدس ذراع وذلك من الأساطين التي هي في موازاة المسجد الكبير إلى العتبة التي هي في باب هذا الزيادة وأما ذرعها عرضا فاثنان وخمسون ذراعا وربع ذراع وذلك من صدر باب الجوزي إلى جدار رباط رامشت وأما عدد أبواب المسجد الحرام فتسعة عشر بابا تفتح على ثمان وثلاثين طاقة فمنها في الجانب الشرقي باب بني شيبة بثلاث طاقات وباب السلام وباب الجنائز طاقتان وباب العباس ثلاث طاقات وباب علي ثلاث طاقات وفي الجانب اليماني باب بازان وباب البغلة وباب الصفا وباب أجياد الصغير وباب المجاهدين وباب مدرسة الشريف عجلان وباب أم هاني وكل من أبواب هذا الجانب طاقتان إلا باب الصفا فخمسة وفي الجانب الغربي باب غرورة وهم تصحيف الخروزة وهو طاقتان وباب إبراهيم نسبة لإبراهيم الخياط كان عندهم وبعضهم نسبة لإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وهو بعيد وهو طاقة واحدة وباب العمرة طاقة واحدة وفي الجانب الشمالي باب السدة وباب دار العجلة وباب الزيادة واحدة وباب السكينة وكل منها طاقتان لا باب الزيادة فهو طاقة وعدة ما فيه من المنائر خمس منارات وزيدت منارة سادسة لمدرسة السلطان الملك الأشرف قايتباي نصره الله تعالى ومما وقع في الكعبة الشريف في سنة سبع عشرة وثلاثمائة في أيام المهدي بالله عبيد الله أول خلفاء الفاطميين وكان خليفة بغداد في ذلك العصر المقتدر بالله أبو الفضل جعفر العباسي أن أبا طاهر سليمان القرمطي صاحب البحرين قصد مكة ودخلها يوم التروية وهو ثامن ذي الحجة فنهب أموال الحجاج وقتل الناس في رحاب مكة وشعابها حتى في المسجد الحرام وفي جوف الكعبة ودفن القتلى في بئر زمزم وفي المسجد الحرام وأمر بقلع الكعبة ونزع كسوتها عنها وشققها بين أصحابه وهدم قبة زمزم وأمر بقلع الحجر الأسود وأخذه إلى هجر واستمر ببلادهم ثنتين وعشرين سنة ولم يرد إلى سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة ولما صنف الإمام أبو القاسم عمر بن الحسين الخرقي الحنبلي كتاب الخلاصة فيفقه مذهب الإمام أحمد رضي الله عنه قال في كتاب الحج - في باب ذكر الحج ودخول مكة - وإذا دخل المسجد الحرام فالمستحب أن يدخل من باب بني شيبة فإذا رأى البيت رفع يديه وكبر الله تعالى ثم أتى الحجر الأسود إن كان وإنما قال ذلك لأن تصنيفه الكتاب كان حال كون الحجر الأسود بأيدي القرامطة حين أخذوه من مكانه فإن أبا القاسم رحمه الله توفي بدمشق المحروسة في سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة قبل إعادة الحجر إلى مكانه بخمسين سنة ( ذكر صفة المسجد الأقصى وما كان عليه في زمن عبد الملك وبعده ) رو الحافظ بهاء الدين بن عساكر إنه كان فيه في ذلك الوقت من الخشب المسقف سوى أعمدة خشب ستة آلاف خشبه وفيه من الأبواب خمسون بابا قال القرطبي منها باب داود وباب سليمان وباب حطة وباب محمد عليه الصلاة والسلام وباب التوبة الذي تاب الله عز وجل عل داود فيه وباب الرحمة وأبواب الأسباط أبواب وباب الوليد وباب الهاشمي وباب الخضر وباب السكينة ) وكان فيه من العمد ستمائة عمود من رخام وفيه من المحاريب سبعة ومن السلاسل لقناديل أربعمائة سلسلة إلا خمسة عشر منها مائتا سلسلة وثلاثون سلسل في المسجد الأقصى والباقي في قبة الصخرة الشريفة وذرع السلاسل أربعة آلاف ذراع ووزنها ثلاثة وأربعون ألف رطل بالشامي وفيه من القناديل خمسة آلاف شقفة وسبعمائة ووزن الشقفة سبعون رطلا بالشامي غير الذي على قبة الصخرة وكل ذلك عمل في أيام عبد الملك بن مروان ورتب له من الخدم القوام ثلاثمائة خادم اشتريت له من خمس بيت المال كلما مات منهم واحد قام مكانه ولده أو ولد ولده أو من أهلهم يجري عليهم ذلك أبدا ما تناسلوا وفيه من الصهاريج أربعة وعشرون صهريجا كبارا وفيه من المنابر أربعة ثلاثة منها صف واحد غربي المسجد وواحدة على باب الأسباط وكان له من الخدم اليهود الذين لا يؤخذ منهم جزية عشرة رجال وتوالدوا فصاروا عشرين لكنس أوساخ المسجد الناشئ في المواسم والشتاء والصيف ولكنس المطاهر التي حول الجامع وله من الخدم النصارى عشرة أهل بيت يتوارثون خدمته لعمل الحصر ولكنس حصر المسجد وكنس القناة التي يجري فيه الماء إلى الصهاريج وكنس الصهاريج أيضا وغير ذلك وله من الخدم اليهود جماعة يعملون الزجاج القناديل والأقداح والثريات وغير ذلك لا يؤخذ منهم جزية ولا من الذين يقومون بالقش لفتائل القناديل جاريا عليهم وعلى أولادهم أبدا ما تناسلوا من عهد عبد الملك بن مروان وهلم جرا وتوفي عبد الملك بن مروان بدمشق في يوم الخميس لخمس عشرة ليل مضت من رمضان سنة ست وثمانين من الهجرة الشريف وعمره ستون سنة وكانت خلافته منذ قتل ابن الزبير واجتماع الناس له ثلاث عشرة سنة وأربعة أشهر تنقص سبع ليال وكان بالشام وما والاها قبل قتل ابن الزبير بسبع سنين ونحو تسعة أشهر ومات الحجاج في شهر رمضان - وقيل شوال - خمس وتسعين للهجرة وله ثلاث وخمسون سنة وكان موته بواسط وهو الذي بناها وأخفي قبره واجري عليه الماء ومات رجاء بن حياة الذي تولى بناء الصخرة والمسجد الأقصى في سنة اثنتي وتسعين من الهجرة أتى بيت المقدس واتته الوفود بالبيعة فلم ير وفادة كانت أهنئ من الوفادة إليه فكان يجلس في قبة في صحن مسجد بيت المقدس مما يلي الصخرة ولعلها القبة المعروفة بقبة سليمان عند باب الدويدارية ويبسط البسط بين يدي قبته عليها النمارق والكراسي فيجلس ويأذن للناس فيجلسون عل الكراسي والوسائد والى جانبه الأموال وكتاب الدواوين وقد هم بالإقامة ببيت المقدس واتخذها منزلا وجمع الأموال والناس بها وكان رحمه الله نعال يعظم العلماء قال ابن سيرين رحمه الله يرحم الله سليمان بن عبد الملك افتتح خلافته بخير فصلى الصلوات لمواقيتها وختمها بخير فاستخلف عمر بن عبد العزيز وكان يلقب بالمهدي بالله الداعي إلى الله توفي سنة 99 ه تسع وتسعين من الهجرة وله خمس وأربعون سنة رحمه الله وعن عطاء عن أبيه قال كانت اليهود تسرج بيت المقدس فلما ولي عمر ابن عبد العزيز أخرجهم وجعل فيه من الخمس فأتاه رجل من أهل الخمس وقال له اعتقني فقال كيف أعتقك ولو ذهبت انظر ما كان لي شعر من شعر جسدك وكانت ولاية عمر بن عبد العزيز في صفر سنة تسع وتسعين من الهجرة وكان يلقب بالمعصوم بالله وخلافته سنتان وخمسة أشهر وتوفي بدير سمعان من أعمال حمص يوم الجمع لخمس بقين من رجب سنة إحدى ومائة رضي الله عنه وروي عن عبد الرحمن بن محمد بن منصور بن ثابت عن أبيه عن جده أن الأبواب كلها كانت ملبسة بصفائح الذهب والفضة في خلافة عبد الملك بن مروان فلما قدم أبو جعفر المنصور العباسي - وكان شرقي المسجد وغربيه قد وقعا - فقيل له يا أمير المؤمنين قد وقع شرقي المسجد وغربيه من الرجفة في سنة ثلاثين ومائة ولو أمرت ببناء هذا المسجد وعمارته فقال ما عندي شيء من المال ثم أمر بقلع الصفائح الذهب والفضة التي كانت عل الأبواب فقلعت وضربت دنانير ودراهم أنفقت عليه حتى فرغ وكانت خلافة المنصور في سنة ست وثلاثين ومائة وهو ثاني الخلفاء من بني العباس وهو الذي بنى مدينة بغداد وكان الابتداء في بنائها في سنة خمس وأربعين ومائة وتوفي يوم السبت لست ليال خلت من ذي الحج سنة ثمان وخمسين ومائة وله خمس وستون سنة ودفن بمكة ثم كانت الرجفة الثانية فوقع البناء الذي كان أمر به أبو جعفر ثم قدم المهدي من بعده وهو خراب فرفع ذلك إليه فأمر ببنائه وقال ارث هذا المسجد وطال وخلا من الرجال انقصوا ممن طوله وزيدوا في عرضه فتم البناء في خلافته وهو أ [ و عبد الله محمد بن عبد الله المنصور الملقب بالمهدي بويع بالخلافة لست خلون من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة بين الركن والمقام ولما قدم المهدي يريد بيت المقدس دخل مسجد دمشق ومعه أبو عبد الله الأشعري كاتبه فقال له يا أبا عبد الله سبقنا بنو أمية بثلاث فقال وما هي يا أمير المؤمنين ؟ فقال بهذا البيت - يعني المسجد - لا أعلم عل ظهر الأرض مثله ونيل الموالي فإن لهم موالي ليس لنا مثلهم ويعمر بن عبد العزيز لا يكون فينا والله مثله أبدا ثم أتى بيت المقدس ودخل الصخرة فقال يا أبا عبد الله وهذه رابعة وتوفي المهدي في يوم الخميس لثمان بقين من المحرم سنة تسع وتسعين ومائة وله ثمان وأربعون سنة قال الحافظ ابن عساكر طول المسجد الأقصى سبعمائة ذراع وخمسة وخمسون ذراعا بذراع الملك وعرضه أربعمائة ذراع وخمسة وستون ذراعا بذراع الملك وكذا قال أبو المعالي المشرف قال صاحب ( مثير الغرام ) أتيت إلى زيارة القدس والشام ولكن رأيت قديما بالحائط الشمالي التي فوق الباب مما يلي باب الدويدارية من داخل السور بلاطة فيها طول المسجد وعرضه وذلك مخالف لما ذكرناه فالذي فيها أن طوله سبعمائة ذراع وأربع وثمانون ذراعا وعرضه أربعمائة ذراع وخمسة وخمسون ذراعا قال ووصف فيها الذراع لكني لم أتحقق ذلك هل هو الذراع المذكور أم غيره لتشعث الكتابة قال وقد ذرع بالحبال طوله وعرضه في وقتنا هذا فجاء قدر طوله من الجهة الشرقية ستمائة ذراع وثلاثة وثمانين ذراعا ومن الغربية ستمائة ذراع وخمسين ذراعا وجاء قدر عرضه أربعمائة وثمانية وثلاثين ذراعا خارجا عن عرض سورة انتهى وأما طوله وعرضه في عصرنا هذا - وهو أواخر سنة تسعمائة - فسأذكرهما مستوفيا فيما بعد عند ذكر صفة المسجد الأقصى وما هو عليه في عصرنا فأذكر طوله من جهة القبلة إلى جهة الشمال وعرضه من جهة الشرق إلى جهة الغرب وكذلك داخل الجامع الأقصى من عند المحراب المجاور للمنبر إلى باب الدخول له وعرضه وصحن الصخرة الشريفة وارتفاع القبة واستوفي ذكر ذلك طولا وعرضا بذراع العمل الذي تذرع به الأبنية في عصرنا واحرر ذلك حسب الإمكان إن شاء الله تعالى ومما وجد في بيت المقدس على بعض الصخرات ما نفله أبو سليمان الخطابي في كتاب ' العزلة عن ذي النون ' إنه قال وجدت صخرة ببيت المقدس عليها أسطر مكتتبة فحيث ترجمتها فإذا عليها مكتوب كل عاص مستوحش وكل مطيع مستأنس وكل خائف هارب وكل راج طالب وكل قانع غني وكل محب ذليل وعن أبي بكر الطرطوسي رحمه الله قال كنت ليل قائما في المسجد الأقصى فلم يرعني إلا صوت كاد يصدع القلب وهو يقول شعر
( أخوف وأمن إن ذا لعجيب
تكلتك من قلب فأنت كذوب )
صفحہ 284