سبل تحقيق التوحيد
السؤال
ما هو السبيل الصحيح إلى تحقيق التوحيد حقًا ليكون من المؤمنين؟
الجواب
كما قلنا في سبل الحذر من الشرك أنه العلم، كذلك التوحيد تحقيقه يكون بالعلم، حيث يجب على الإنسان أن يتعلم ويسأل، وكذلك يجتهد في أداء الفرائض والإكثار من النوافل، فإن هذه تحمي التوحيد، وتجعل المسلم متعلقًا بربه على سبيل المثال: الأوراد، فلو أن الإنسان له عناية بالأوراد اليومية، وأذكار الصباح والمساء، فإن لها تأثيرًا عجيبًا في التعلق بالله ﷿، وكذلك في الإيمان والطمأنينة والسكينة والربط بين الأسباب والتوكل، فإذا وفق العبد إلى أن يكون عنده أوراد، ويأتي بها وهو يعلم معناها لوجد خيرًا كثيرًا، وأذكار الصباح والمساء التي نبه عليها نبينا محمد ﷺ وأوصانا بها وإذا أوى الإنسان إلى فراشه، وإذا استيقظ من منامه، وإذا خرج من بيته، وإذا دخل المسجد، وإذا أصبح وإذا أمسى.
فمثلًا: سيد الاستغفار: ﴿اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي﴾ فلو تأملتم معناه وما فيه من توحيد وما فيه من خضوع لله ﷿، وما فيه من إقرار بالذنب، وما فيه من رجاء المغفرة لوجدتم شيئًا عجيبًا، لو أن الإنسان تمثل هذا وعرفه وأتى به واعتقده، لعاش محققًا للتوحيد، ولعاش قريبًا من الله ﷿، ولعاش في سكينة وطمأنينة ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد:٢٨] ومن تلك الأوراد: ﴿أصبحنا وأصبح الملك لله الواحد القهار﴾ ﴿اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك، فلك الحمد ولك الشكر﴾.
﴿اللهم إني أسألك خير هذا اليوم، ورزقه وبركته وفتحه ونصره، وأعوذ بك من شره وشر ما بعده﴾ ﴿أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين محمد ﷺ وملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين﴾ هذه كلها أذكار توحيد، بل غاية التوحيد.
وقد يكون هذا أيضًا فيه إجابة على السؤال الذي قبل هذا، فيما يتعلق بالنوافل، فالنوافل والأذكار حينما يأتي بها الإنسان على وجهها وعلى الطريقة المشروعة، ويتأمل معناها، ويتأمل ما يقول، فإنكم تحفظون شيئًا كثيرًا من الأذكار، وقد تقرءونه وتجرونه على ألسنتكم، لكنكم لا تتأملون معناه.
ولا بأس أن نقف قليلًا عند هذا الذكر: ﴿اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر﴾ لو تأملت معناه، ورأيت ما يحتويه من معان، وما يحتويه من نقاء القلب، وما يحتويه من السلام ومن الارتباط بالله ﷿، ومن توحيد الله وإجلاله؛ لوجدت أمرًا عجيبًا أولًا: الاعتراف بالنعم (ما أصبح بي من نعمة) فالنعمة التي فيك هي من الله ﷿، ثم ما أصبح بخلق الله ﷿ أنت تعتقد أنه من الله ﷿، ووالله لو أننا صادقون في تأمل أن ما أصاب الناس من نعم فهو منه ﷾، لذهب الحسد من قلوبنا؟
حينما تقول في الصباح: ﴿ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك﴾ فلو أن إنسانًا رزق، أو ترقى، أو توظف، أو أي شيء حصل له، فأنت تقول: هذه من الله، ولا دخل لك في حصولها ولا في منعها.
إذًا: هذا هو التوحيد، وهو متعلق بالله: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأنعام:١٧] فهذا هو التوحيد، وهذا هو تحقيق التوحيد، أن يكون في قلبك، وأن ما تعرفه من أذكار وما تقوم به من شعائر، سواء فرائض أو نوافل، تتأملها وتعرف معناها وتعيشها تعيشها في سلوكك تعيشها في حياتك تعيشها حبًا لله، وحبًا لخلقه، وتعلقًا بالله ﷾، وعدم التعلق بخلقه، والرضى عن الناس، والرضى عن النفس، وهذا هو المقصود من التوحيد، وهذا هو غاية التوحيد في الدنيا والآخرة.
1 / 22