فَإِذا تقرر هَذَا، علمنَا أَن سَبَب الفتور الْعَام المبحوث فِيهِ هُوَ استحكام الاستبداد فِي الْأُمَرَاء شِيمَة وتكبرا، وَترك أهل الْحل وَالْعقد والاحتساب جهلا وجبانة؛ وَهَذَا عِنْد بعض الأقوام الْمُسلمين كإيران، وَأما الْأَكْثَر فقد أَمْسوا لَا عُلَمَاء هداة وَلَا سراة أباة، بل هم فوضى فِي الدّين وَالدُّنْيَا. وَلَا بدع فِيمَن يكونُونَ على مثل هَذَا الْحَال، أَن لَا يُرْجَى لَهُم دَوَاء إِلَّا بعناية بعض الْحُكَمَاء، الَّذين ينجبون من أَي طبقَة كَانَت من الْأمة، وَقد قَضَت سنة الله فِي خلقه أَن لَا تَخْلُو أمة من الْحُكَمَاء.
فَأجَاب الْعَالم النجدي: أَن شؤون السياسة فِي الصين تخْتَلف كثيرا عَنْهَا فِي غَيرهَا، وَلَيْسَ فِي الصين مُلُوك كَثِيرَة وأمراء جبابرة كَمَا عِنْد غَيرهم، فالحكماء فِي الصين آمنون؛ وَمن جِهَة أُخْرَى لم يزل الْإِسْلَام فِي الصين حَنِيفا خَفِيفا، لم يُفْسِدهُ التفنن وَالتَّشْدِيد، وَمَعَ ذَلِك نرى الفتور شاملهم أَيْضا. وَنحن الْآن نبحث عَن السَّبَب الْعَام لهَذَا الدَّاء، وَلَيْسَ كل السَّبَب أَحْوَال الْأُمَرَاء وَالْعُلَمَاء.
ثمَّ قَالَ أَنِّي أَجْزم، وَلَا أَقُول أَظن أَو أخال، أَن سَبَب الفتور الطَّارِئ الملازم لجامعة هَذَا الدّين هُوَ هَذَا الدّين الْحَاضِر ذَاته، وَلَا
1 / 68