لَا يَصح اعْتِبَار هَذِه الْأُصُول الجبرية والتزهيدية سَببا للفتور؛ بل هِيَ سَبَب لاعتدال النشاط وسيرة سير انتظام ورسوخ.
وَفِي النّظر إِلَى المشاق والعظائم الَّتِي اقتحمها الصَّحَابَة وَالْخُلَفَاء الراشدون ﵃ لنيل الْغنى والرياسة والفخار فضلا عَن الثَّوَاب كِفَايَة برهَان، مَعَ أَن الْأمة إِذْ ذَاك كَانَت زاهدة فعلا، لَا كالزهد الَّذِي ندعيه الْآن كذبا ورياء. (مرحى) .
إِذا تتبعنا كل مَا ورد فِي الإسلامية حاثًا على الزّهْد، نجده موجها إِلَى التَّرْغِيب بالأثرة الْعَامَّة، أَي بتحويل الْمُسلم ثَمَرَة سَعْيه للمنفعة العمومية دون خُصُوص نَفسه، حَتَّى أَن كل مَا ورد فِي الْحَث على الْجِهَاد فِي سَبِيل الله مُرَاد وَبِه سعي الْمُؤمن بِكُل الْوَسَائِل، حَتَّى ببذل حَيَاته، لإعزاز كلمة الله وَإِقَامَة دينه، لَا فِي خُصُوصِيَّة محاربة الْكفَّار كَمَا تتوهم الْعَامَّة؛ كَمَا أَن المُرَاد من محاربة الْكفَّار هِيَ من جِهَة إعزاز الجامعة الإسلامية، وَمن أُخْرَى خدمَة الجامعة الإنسانية من حَيْثُ إلجاء الْكفَّار إِلَى مُشَاركَة الْمُسلمين فِي سَعَادَة الدَّاريْنِ؛ لِأَن للأمم المترقية علما ولَايَة طبيعية على الْأُمَم المنحطة، فَيجب عَلَيْهَا إنسانية أَن تهديها إِلَى الْخَيْر وَلَو كرها باسم الدّين أَو السياسة.
1 / 28