Ulama of Morocco and their Resistance to Innovations, Sufism, Tombism, and Festivals
علماء المغرب ومقاومتهم للبدع والتصوف والقبورية والمواسم
ناشر
جريدة السبيل
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
پبلشر کا مقام
المغرب
اصناف
علماء المغرب
ومقاومتهم للبدع والتصوف والقبورية والمواسم
مصطفى باحو
نامعلوم صفحہ
الطبعة الأولى
جمادى الآخرة ١٤٢٨ - يونيو ٢٠٠٧
جميع الحقوق محفوظة
الكتاب ...: علماء المغرب ومقاومتهم للبدع والتصوف والقبورية والمواسم
المؤلف: مصطفى باحو
الطبعة: الثانية، ذو القعدة ١٤٢٨ - دجنبر ٢٠٠٧
الناشر: جريدة السبيل
البريد الإلكتروني: assabil١@menara.ma
الإيداع القانوني ...: ٢٠٠٧/ ١٧٠٤
1 / 2
كلمة الناشر
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
أما بعد،
ففي زمن كثرت فيه المغالطات، واختلت فيه الموازين، وانتشرت فيه الأفكار والمفاهيم العلمانية، ومُكّن لها في الإذاعات والقنوات التلفزية الوطنية، وملئت بها المناهج والمقررات التعليمية، فحلت مصطلحات مثل الأنسنة والكونية والمواطنة محل مصطلحات الحلال والحرام والولاء والبراء ورابطة الدين ..
وفي زمن التبست فيه المفاهيم ذات المرجعية الدينية، خصوصا ما تعلق منها بمعنى الاعتدال والوسطية فأصبح نبذ المحرمات والتزام سنة النبي ﷺ عقيدة وسلوكا ومنهجا من علامات التطرف، وأضحى من شروط الاعتدال أن تسمح لنفسك بالسباحة على الشواطئ عاريا وأن تستمع للموسيقى وترقص، وأن لا تظهر عليك أمارات الغيرة على زوجتك وبناتك إن تبرجهن أو تهتكهن، وألا تمانع أو يتمعر وجهك إن هن أقمن مع غير المحارم علاقات غير شرعية أو مشبوهة، فلا محل لأي تدخل منك في حياتهن لأن زمن الحلال والحرام قد ولّى! وفصل الخطاب لا بد اليوم أن يسمع من فم رجل القانون لا عالم الدين .. !
وفي زمن تتدخل فيه الدول النصرانية في مناهج التعليم في بلدان إسلامية، وتشارك في تنظيم حقلها الديني، وتضغط بقوة المال والسياسة والمنظمات والسلاح حتى تتكيف مرجعيتها مع القوانين الدولية ويخضع علماؤها ومثقفوها لما سطره الرجل الغربي في لوائح حقوق الإنسان وإن خالف المعلوم من دين الإسلام بالضرورة ..
وفي زمن يتمكن فيه الإنسان من حيازة آلاف الكتب في قرص مدمج واحد، ويستطيع في طرفة عين أن يتصل بأعلم أهل الأرض، وأن يشاهد ويسمع لمن يريد من أهل العلم عبر العالم وعلى اختلاف المذاهب.
1 / 3
وفي زمن يطالب فيه الساسة بالانفتاح وقبول الآخر، ونبذ الانغلاق والتقوقع.
وفي زمن نسترضي فيه المد العلماني، ونستجيب فيه للضغوط الخارجية قبل الداخلية، فنلغي شرط الولي في عقد النكاح، مخالفين للسنة عامة والمذهب المالكي خاصة، منفتحين على المذهب الحنفي راجين الرفع من سقف حرية النساء.
في زمن لم يعد المذهب يقوى على تنظيم الحياة الاجتماعية ولا السياسية ولا الاقتصادية وأصبح نظام الحسبة في خبر كان.
في زمن كل هذه المتغيرات يصرّ بعض المسؤولين على الحقل الديني في المغرب على الانغلاق والتقوقع والجمود حول مسائل في مذهب البلاد محجِّرين واسعا ومضيقين رحبا، مختزلين الفقه المالكي والسلوك والعقيدة في أحكام خالفهم فيها جهابذة المذهب وكبار العلماء.
وإسهاما من الباحث الشيخ مصطفى باحو في تجلية مواقف علماء المغرب ومقاومتهم للبدع والتصوف والقبورية والمواسم، قام بجمع ما تناثر في كتبهم من فتاوى وردود ينفون بها عن العلم تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
ورغبة من جريدة السبيل في إثارة نقاش علمي عماده الحجة والبرهان وهدفه الرجوع بالأمة إلى السنة والقرآن، وغايته رضا الكريم الرحمن، عملت على نشر هذا الكتاب.
الثلاثاء ٣ جمادى الآخرة سنة ١٤٢٨ من هجرة النبي ﷺ
الموافق ١٩ يونيو ٢٠٠٧م
الناشر
إبراهيم بن المهدي الطالب
1 / 4
مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
فهذه هي الطبعة الثانية لهذه الرسالة، التي نالت استحسان عدد من مشايخ بلدنا وغيرها، وعدد من طلاب العلم وأهله، ولله الحمد أولا وآخرا، فهو المتفضل على عبده بنعمه المتزايدة وآلائه المترادفة.
تأتي هذه الطبعة بعد نفاد (٣٥٠٠) نسخة من الطبعة الأولى.
وقد أصلحت فيها بعض الأخطاء المطبعية التي نبهني إليها بعض الأفاضل. والله يسامحنا ويغفر لنا حوبنا وخطايانا.
وزدت في مبحث "علماء المغرب والقبورية" كلاما نفيسا من كتاب "جواهر الكمال في تراجم الرجال" لأبي عبد الله محمد بن أحمد العبدي الكانوني (المتوفى سنة ١٣٥٦هـ/١٩٣٥م)، شنع فيه غاية التشنيع على عباد القبور، وأنكر فيه الاحتفال بالأضرحة والمواسم، وبيَّن فيه أن عددا من الأضرحة بني على مواضع لم يدفن فيها أحد، بل بنيت لمجرد رؤيا منامية، وغيرها.
والحمد لله رب العالمين.
نامعلوم صفحہ
مقدمة الطبعة الأولى
تقديم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد، فهذا هو الكتاب الثالث من سلسلة: "بحوث في المذهب المالكي"، وقد صدر من هذه السلسلة ما يلي:
١ - حكم الغناء في المذهب المالكي.
٢ - حجاب المرأة في المذهب المالكي.
ومعه حكم مصافحة الأجنبية والخلوة بها.
وقد جمعت في هذه الرسالة الصغيرة الجِرْم، الكثيرة العلم، النصوص المأثورة عن المغاربة والمالكية في رد البدع والخرافات والأباطيل، قاصدا إبطال مزاعم بعض المفترين أن رد البدع والخرافات والضلالات مذهب وافد على بلادنا، غريب عن وطننا، مباين لسماحة المذهب المالكي القائم على الاعتدال والوسطية.
فبرهنت بحمد الله بما لا يدع مجالا للشك أنه لا زال في علماء المالكية على مر الأعصار والأمصار من يرد أباطيل المتصوفة ويبطل خرافات المبتدعة، ويخالف عقائد الأشعرية.
1 / 5
فهذا الإمام ابن رشد القرطبي، أوحد أهل زمانه علما وفقها بمذهب المالكية، بل لم يأت بعده أَجَلُّ منه عند المالكية. هذا الإمام يرى وجوب هدم السقائف والقباب المبنية على القبور. وأيده في هذا علماء كثيرون، كما سيأتي بيانه.
وهذا الإمام والعلامة أبو بكر الطرطوشي ﵀ أحد أشهر علماء المالكية يقول: مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله (١). كما سيأتي نقله عنه.
فما عسى يكون موقف الخرافيين والطرقيين من هؤلاء العلماء؟ أتراهم كانوا عملاء لجهات خارجية؟ تملي عليهم أفكارها المتشددة، الغريبة عن وسطية المذهب المالكي.
وشنع العلامة المكي الناصري رئيس المجلس العلمي بالرباط ووزير الأوقاف سابقا على المبالغين في تعظيم القبور والأضرحة وعلى المتصوفين والطرقيين، وهكذا فعل محمد كنوني المذكوري مفتي رابطة علماء المغرب، وعلامة المغرب عبد الله كنون.
فإذا كان من يقف على رأس الهرم الديني في المغرب، أعني المجلس العلمي ورابطة علماء المغرب هذا رأيهم وهذا قولهم، فما عسى يبقى من كلام؟
_________
(١) تفسير القرطبي (١١/ ٢٣٧).
1 / 6
وألف العلامة أحمد بن محمد بن تاويت التطواني رسالة سماها: إخراج الخبايا في تحريم البناء على القبور والصلاة بالزوايا.
حرم فيه البناء على القبور والصلاة في المقابر والزوايا.
فلماذا عندما ينكر بعض علماء المغرب المعاصرين مظاهر المغالاة في تعظيم القبور ينبزون بأنهم وهابية أو متشددون إسلاميون، غريبون عن وسطية المذهب المالكي وسماحته؟
أليس ابن رشد مالكيا؟ أليس هؤلاء السادة مغاربة؟
وهذا الإمام الإمام الكبير أبو عبد الله القرطبي أشهر مفسري المالكية، بل ليس للمالكية تفسير أوسع وأكبر من تفسيره، يشنع على المتصوفة غاية التشنيع، ويبالغ في الإنكار عليهم، وهكذا فعل الإمام أبو بكر الطرطوشي وجماعة من المالكية، كما ستقف على نصوصهم قريبا بإذن الله.
وهذا الإمام الشاطبي ﵀، ذلك الإمام الأوحد الذي اتفق كل المالكية على الإشادة به، والمبالغة في تعظيمه، ووصفه بالألقاب الفخمة والأوصاف التي لا تطلق إلا على كبار العلماء. ويكفيه فخرا كتاب الموافقات في أصول الشريعة، الذي بسط فيه مقاصد الشريعة بسطا، لم يسبقه أحد إليه.
هذا الإمام الجليل له كتاب في أصول البدع سماه: الاعتصام، نسف فيه البدع نسفا ونقض أصولها نقضا. لا يوجد له نظير في كتب العلماء على مر الأعصار.
1 / 7
فلماذا يكون الأخذ ببعض أقوال هذا الإمام المالكي تطرفا وتشددا؟ أليس مغربيا من بلاد الأندلس؟ أم أن أقواله لا تروق طائفة من الناس يحاولون أن يفرضوا آراءهم على الجميع.
وأين السماحة والوسطية والجدال بالتي هي أحسن؟ وهم يشنون الحروب الضروس على من خالفهم في تأييد التصوف والقبورية والبدع، وتراهم يتحدثون عن السماحة مع الكفار والمشركين، بينما إذا تعلق الأمر بإخوانهم الذين خالفوهم في الرأي اتباعا لعلماء مالكية آخرين وصفوهم بألقاب شنيعة وزهَّدوا فيهم الجماهير، متسترين بلبوس المذهب تارة، والأصالة المغربية تارة، وحركوا جهات لتشديد الخناق عليهم من كل حدب وصوب، واستبشروا بغلق مقراتهم الدعوية، وتهللت وجوههم بمنع بعض الكتب العلمية المخالفة لمشاربهم، الكاشفة لتلبيسهم وبهتانهم.
وكم أتعجب من قوم إذا تعلق الأمر بكتب وجمعيات ومنظمات تحارب الله ورسوله قالوا: حرية تعبير، وكل إنسان حر فيما يقول، وإذا تعلق الأمر بكتب وآراء ومواقف ضد البدع والتصوف، تخالف ما ارتضاه هؤلاء، تنكروا لحرية التعبير، وأوهموا الرأي العام أن هذا تطرف يجب محاربته بكل الأشكال والصور. ولا يشفع لهؤلاء أن مواقفهم وآراءهم هذه قال بها علماء مالكية ومغاربة، لأن الأمر محسوم منذ البداية لصالح الخرافة والدجل والبهتان.
فلا على حقوق الإنسان حافظوا، ولا المذهب المالكي نصروا، ولا شوكة العلمانيين كسروا.
1 / 8
فليقل العلماني ما يشاء، ولتقل المنظمات النسائية العلمانية العميلة ما تشاء، وأما الإسلامي فعليه أن يحافظ على الثوابت الوطنية القائمة على التصوف والمذهب الأشعري!
أين الثوابت الوطنية عند من يجاهر بمعاداة الدين أو بعض أصوله، وقد تبجح أحد العنصريين العلمانيين الحاقدين في قناة الجزيرة قائلا: لابد أن يرحل الإسلام من المغرب كما رحلت اليهودية والمسيحية منه من قبل.
فأين أنتم يا من تزعمون المحافظة على الثوابت الوطنية؟ وأين ذهبت غيرتكم؟ بينما إذا سلم إمام تسليمتين في الصلاة قامت له الدنيا ولم تقعد، وإذا ترك إمام الدعاء عقب الصلاة اتباعا لعلماء مالكية في هذا الباب استدعي للتحقيق والتدقيق، وهدد بالفصل إن عاد لمثل هذه التصرفات المخلة بسير الشعائر الدينية!
وقد حكى ابن رشد في البيان والتحصيل (١/ ٢٦٦) عن مالك قولين في التسليمتين، فمرة قال: يسلم مرتين، ومرة قال: يسلم مرة واحدة.
فالخلاف موجود في المذهب، فلماذا كل هذا التشدد؟
وقد أحدثت الوزارة الوصية على المذهب المالكي هيئات مراقبة وصرفت ملايين الدراهم من أجل فرض آراء في المذهب المالكي لا تعدو أن تكون مستحبات، وقع الخلاف فيها بين العلماء في شتى المذاهب الإسلامية، بما فيها المذهب المالكي، بينما نرى القوم بُكْما كالأنعام، وصُموتا كالأصنام إذا تعلق الأمر بالثوابت الحقيقية للمذهب المالكي التي تكلمت عليها كل
1 / 9
كتب المالكية، وبسطت أحكامها، وفرعت فروعها، كتحكيم الشريعة وإقامة الحدود الشرعية، ووجوب الحجاب، وتحريم الربا والخمر والتبرج والعري والزنا، وغيرها.
وهذه مسائل مجمع عليها في المذهب المالكي وفي كل المذاهب الإسلامية، ولا يوجد خلاف ولو ضعيف حيال هذه الأمور، بينما المسائل التي تجعلونها ثوابت للمذهب المالكي لا تعدو أن تكون مسائل خلافية بين المالكية أنفسهم وغيرهم من المذاهب الأخرى، فالانتصار لقول منها داخل تحت دائرة المذهب وفي ظل الخلافات الفقهية.
وفي غمرة محاولة البعض لفت الانتباه عن المسائل الشرعية الكبرى في المذهب المالكي اختلقوا معارك جانبية وقضايا هامشية، وضخموها في أعين الجماهير والرأي العام، وجعلوها ذنبا لا يغتفر وخطرا محدقا بالمذهب المالكي في هذا البلد.
من تلك المسائل مثلا عدم قراءة القرآن جماعة، فالمسجد الذي لا يقرأ فيه القرآن جماعة عند الوزارة الوصية مسجد خارج عن الشرعية وعن الثوابت الوطنية، وإذا سألنا عقلاء المذهب المالكي عن حكم هذه القراءة على القول بصحتها، قالوا: الاستحباب. وضابط المستحب هو أن من فعله فله الأجر، ومن تركه فلا شيء له ولا عليه.
فكيف يعقل أن تقام الدنيا ولا تقعد لترك مستحب، بل يفصل الإمام ويحرم من مصدر رزقه الوحيد لأنه ترك مستحبا، بينما يسكتون عن إثارة
1 / 10
القضايا الرئيسة في المذهب، بل ويتغافلون عن الأئمة المشعوذين والسحرة والخرافيين الذين ملأوا أصقاع البلاد.
وقد أفتى أبو القاسم بن سراج بعدم جواز الصلاة خلف من يضرب الخط والكهانة والتنجيم ونحوها. المعيار المعرب للونشريسي المالكي (١/ ١٣٣).
علما أن الإمام مالكا أنكر قراءة القرآن جماعة، وتابعه على ذلك جماعة من المالكية منهم الإمام الشاطبي. كما سيأتي.
فلماذا لا يدندن هؤلاء الغيورون على المذهب المالكي حول حجاب المرأة وتحريم إبداء المرأة زينتها مثلا، ولا ينبسون ببنت شفة، وهو أمر مجمع عليه في المذهب، بينما تراهم يُقَعْقِعُون ويرعدون إذا تعلق الأمر بالخرافات والبدع والتصوف، جازمين أن ذلك هو المذهب الذي جرى عليه عمل المغاربة، وأن ما خالفه مذهب غريب عن وطننا، وافد على بلدنا من جهات شرقية لا علاقة للمذهب بها.
وقد أفتى أبو علي ناصر الدين وغيره من المالكية بعدم جواز إمامة من لا يحجب امرأته. المعيار المعرب للونشريسي (١/ ١٣١).
وأفتى أبو عبد الله السرقسطي بأنه لا تجوز إمامة من يخلو بالأجنبية. المعيار المعرب للونشريسي (١/ ١٥٩).
أكلُّ هذا لا يعني الوزارة الوصية؟ وهمها الأكبر هو التسليمة الثانية والسدل في الصلاة، وكم أخشى عليكم من قوله تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ
1 / 11
الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة:٨٥].
ورأيت حديثا كلاما لأحد رؤساء المجالس العلمية المغربية أفتى بفصل إمام مسجد عن عمله لأنه ترك قراءة الحزب جماعة، ولم يقتصر على التسليمة الواحدة، وقال: إن هذا العمل يتنافى وأصول المذهب المالكي. وزاد فاعتبر ذلك مخالفة لثوابت الوطن الدينية.
هكذا قال، وأظنه لا يعرف الفرق بين أصول المذهب المالكي وفروعه. وأن الخلاف في تلك المسائل خلاف يسير، وفي علماء المذهب من قال بالقول الآخر الذي اعتبره منافيا لأصول المذهب المالكي، ومخالفا لثوابت الوطن الدينية.
وأراكم تكثرون من الكلام حول الاعتدال والتسامح وترك التشدد، فإذا تعلق الأمر بترك مستحب في نظركم زمجرتم وأرعدتم، وجعلتم من الْحَبة قُبة، كما يقول المغاربة.
أيُفْصَل إمام لأنه ترك قراءة القرآن جماعة، وهي مستحبة في نظركم، بدعة في نظر إمام المذهب مالك ﵀ وعدد من أتباع مذهبه؟
وأين أنت يا شيخنا الجليل من المواسم المحدثة والقبورية الْمُسْتَشْرية في بلدك؟ ولماذا لم تتحرك غيرتك على العلمانيين الذين يعيثون في الأرض فسادا؟
1 / 12
ولماذا أصابك البُكم حيال الطرقيين الخرافيين الشَّطَّاحين باسم الذكر والدين؟ ولماذا تجاهلت المنظمات العلمانية الحاقدة المتربصة بالمؤمنين الدوائر؟
فالتعرض لهؤلاء يا شيخنا بالنقد والتحذير هي أصول المذهب المالكي حقيقة، وهي ثوابت الوطن الدينية صدقا، لا كما تتوهم أنت. فدع عنك المغالطة، وأدر ظهرك للمواربة، فلئن كان العوام يغترون بحالكم، فنحن منكم على يقين.
فهأنذا أكشف الغطاء عن تلك المزاعم، وأبين عوارها، وأهتك أستارها، وأؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه لا زال في علماء المغرب وعلماء المالكية عموما من يعادي المتصوفة والمبتدعة ويشنع عليهم ويحارب البدع المحدثة. فلله درّهم، وحُقَّ لكل دعاة الحق شكرهم.
وأنوه في هذه المقدمة بكتاب "جهود علماء المغرب في الدفاع عن عقيدة أهل السنة" (من الفتح الإسلامي حتى نهاية القرن الخامس) للدكتور إبراهيم التهامي. طبع مؤسسة الرسالة، فهو بحث هام في هذا الباب.
وأشير قبل نهاية هذه المقدمة إلى مسألتين:
الأولى: أن أغلب العلماء الذين نقلت كلامهم في هذه الرسالة مغاربة، سواء كانوا من بلاد المغرب العربي أو بلاد الأندلس، وبعضهم ليسوا مغاربة، لكنهم مالكية. فالحجة قائمة على أهل بلدنا في جميع الأحوال.
والمسألة الثانية: أني جمعت قديما مجموعا سميته:
1 / 13
«صفحات مشرقة من مواقف علماء مغاربة من البدع والتصوف والقبورية»
يضم ما يلي:
١) - مصنفات لعلماء مالكية مغاربة في إنكار البدع والقبورية، بقلمي.
٢) - دخول دعوة محمد بن عبد الوهاب إلى المغرب، بقلمي.
٣) - رسالة في ذم البدع وأهلها للشيخ أبي الحسن الصغير المكناسي. بتحقيقي.
٤) - إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة للشيخ محمد المكي الناصري. بتحقيقي.
٥) - إخراج الخبايا في تحريم البناء على القبور والصلاة بالزوايا للعلامة أحمد بن محمد بن تاويت التطواني. بتحقيقي.
٦) - فتاوى العلامة محمد كنوني المذكوري مفتي رابطة علماء المغرب. بتحقيقي.
٧) - تنبيه الإخوان إلى ترك البدع والعصيان لمحمد بن علي الأندزالي السوسي. بتحقيقي.
ودفعتها للطبع لدار الإمام مالك بأبي ظبي منذ مدة طويلة.
وهذه الرسالة كالمختصر الجامع لما تضمنه ذلك المجموع مع زيادات كثيرة.
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
سلا في ١٧ جمادى الأولى ١٤٢٨.
Katane٢٢@yahoo.fr
1 / 14
إنكار المالكية للبدع
كان مالك ﵀ من أشد الناس نهيا عن البدع والمحدثات، ومن أشد العلماء تحذيرا من مخالفة السنة، وقد صح عنه في غير ما أثر نهيه الشديد عن البدع التي أحدثها المتكلمون وغيرهم.
ولهذا قال محمد بن وضاح الأندلسي المالكي (ت٢٨٧) في البدع والنهي عنها (١١٣): وقد كان مالك يكره كل بدعة وإن كانت في خير.
وعن أشهب قال: سمعت مالكا يقول: إياكم والبدع، قيل: يا أبا عبد الله وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسمائه وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون (١).
عن الزبير بن بكار قال: سمعت مالك بن أنس وأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله من أين أحرم؟ قال من ذي الحليفة، من حيث أحرم رسول الله ﷺ فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد، فقال: لا تفعل، قال: فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر، قال: لا تفعل، فإني أخشى عليك الفتنة، فقال:
_________
(١) أخرجه الصابوني في عقيدة السلف (٦٩) والبغوي في شرح السنة (١/ ٢١٧) والهروي في ذم الكلام (٥/ ٦٨) والسيوطي في الأمر بالاتباع (٨٣) والأصبهاني في الحجة (١/ ١٠٤) وأبو الفضل المقري فيما انتخبه من أحاديث في ذم الكلام وأهله (٨٢) وأبو المظفر السمعاني في كتاب الانتصار لأهل الحديث، كما في الآداب الشرعية (١/ ١٥٦).
1 / 15
وأي فتنة هذه؟ إنما هي أميال أزيدها، قال: أي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله، إني سمعت الله يقول:
﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ﴾ [النور:٦٣] (١).
وقد أوردت في كتابي عقيدة الإمام مالك نقولا كثيرة عنه في ذلك. وقد طبع في مصر، ويعاد طبعه في أبي ظبي بالإمارات.
وقد ورث علماء المالكية عن الإمام مالك هذه الصرامة في رد البدع والمحدثات، بل علماء المالكية من أكثر علماء الأمة تأليفا في البدع، ومن أقدم كتبهم المصنفة في ذاك:
- الحجة على القدرية للإمام محمد بن سحنون (ت ٢٥٦هـ). كما في ترتيب المدارك وتقريب المسالك للقاضي عياض (٤/ ٢٠٧) والديباج المذهب (٢/ ١٥٧).
- الرد على أهل البدع، ثلاثة كتب. للإمام محمد بن سحنون (ت ٢٥٦هـ). نفس المصدر.
_________
(١) رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه (١/ ١٤٨) وأبو نعيم في الحلية (٦/ ٣٢٦) والبيهقي في المدخل إلى السنن (٢٠٠)، والخلال في الجامع، كما الباعث لأبي شامة المقدسي (٢١)، وابن بطة في الإبانة (١/ ٢٦١) والهروي في ذم الكلام (٣/ ١١٥) وابن حزم في الإحكام (٦/ ٢٢٤ - ٨/ ٥١٤)، وذكره الشاطبي في الاعتصام (١/ ١٣٢ - ١٧٤) وابن العربي في أحكام القرآن (٣/ ١٤١٢ - ١٤١٣).
1 / 16
- الردّ على المرجئة لأبي زكريا يحيى بن عمر بن يوسف الكندي البلوي المالكي (٢٨٩هـ). ترتيب المدارك للقاضي عياض (٤/ ٣٥٧).
- الرد على القدرية لابن أبي زيد القيرواني (ت٣٩٦هـ). شجرة النور (٩٦).
وقال القاضي عياض في ترتيب المدارك وتقريب المسالك (٤/ ٤٨) في ترجمة سحنون بن سعيد التنوخي (ت ٢٤٠هـ): قال أبو بكر المالكي: وكان مع هذا رقيق القلب، غزير الدمعة، ظاهر الخشوع، متواضعا، قليل التصنع، كريم الأخلاق، حسن الأدب، سالم الصدر، شديدًا على أهل البدع، لا يخاف في الله لومة لائم. انتهى.
وتأمل قوله: شديدًا على أهل البدع، لتعلم مبلغ الصرامة التي كان يتعامل بها علماء المالكية ضد البدع وأهلها.
ومن علماء المالكية الذين عرفوا بالشدة على أهل البدع: أبو عمر الطلمنكي أحمد بن محمد بن عبد الله (ت٤٢٩هـ).
قال ابن الحذاء عنه: وكان فاضلًا شديدًا في كتاب الله تعالى. سيفًا على أهل البدع،. ترتيب المدارك وتقريب المسالك للقاضي عياض (٨/ ٣٣).
وقال ابن بشكوال في الصلة في تاريخ علماء الأندلس (٥٢): وكان: سيفًا مجردًا على أهل الأهواء والبدع، قامعًا لهم، غيورًا على الشريعة، شديدًا في ذات الله تعالى.
1 / 17
ومنهم كذلك: عبد الله بن أبي حسان اليحصبي، قال ابن فرحون في الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب (١/ ٣٦٨) في ترجمته: وكان ابن أبي حسان غاية في الفقه بمذهب مالك، حسن البيان، عالمًا بأيام العرب وأنسابها، راوية للشعر، قائلا له، وعنه أخذ الناس أخبار إفريقية وحروبها، وكان جوادا مفوها قويا على المناظرة، ذابًا عن السنة متبعا لمذهب مالك، شديدًا على أهل البدع، قليل الهيبة للملوك، لا يخاف في الله لومة لائم.
وقال القاضي عياض في ترتيب المدارك (٤/ ٢٩٠) في ترجمة القاضي إسماعيل بن إسحاق (ت٢٨٢): وكان إسماعيل شديدا على أهل البدع، يرى استتابتهم، حتى ذكر أنهم تحاموا بغداد في أيامه.
وقال القاضي عياض في ترتيب المدارك كذلك (٤/ ٣٧٥) في ترجمة أبي يوسف جبلة بن حمود بن عبد الرحمن بن جبلة الصدفي (ت٢٩٩هـ): ذكر شدته على أهل البدع ومجانبته إياهم وقوته في ذات الله ﷿.
كان رحمه الله تعالى، شديدًا في ذلك. لا يداري فيه أحدًا. ولم يكن أحد أكثر مجاهدة منه للروافض، وشيعهم. فنجّاه الله منهم.
وذكر له أخبار عديدة في ذلك مع الروافض.
وقال القاضي عياض في ترتيب المدارك (٧/ ١٠٤) في ترجمة أبي علي بن خلدون ﵀ (ت٤٠٧): من فقهاء إفريقية وعلمائها وصلحائها، من أصحاب أبي الحسن القابسي، كان رأسا بإفريقية، جليل القدر في فقهائها،
1 / 18
مطاعًا. وكانت العامة تتبعه. وكان شديدًا على أهل البدع والروافض مغريًا بهم، يستند منه أهل السنّة إلى ملجأ ووزر.
وقال ابن فرحون في الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب (١/ ١٦٤): أحمد بن إبراهيم بن الزبير بن محمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي يكنى أبا جعفر، كان خاتمة المحدثين وصدور العلماء والمقرئين، نسيج وحده في حسن التعليم والصبر على التسميع، والملازمة للتدريس، كثير الخشوع والخشية، مسترسل العَبْرة، صليبًا في الحق، شديدًا على أهل البدع، ملازما للسنة، مهيبا جزلا معظما عند الخاصة والعامة.
وقال ابن فرحون في الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب (٢/ ٢٢٤) في ترجمة محمد أبي عبد الله بن فرج مولى ابن الطلاع القرطبي المالكي (ت٤٩٧هـ): شيخ الفقهاء في عصره وأسد من بقي في وقته ... وكان شيخا فاضلا فصيحا، وكان قوالا بالحق، شديدًا على أهل البدع، غير هيوب للأمراء.
وقال ابن بشكوال في الصلة في تاريخ علماء الأندلس (٤٠٩) في ترجمة أبي عبد الله محمد بن سعيد بن محمد بن عمر بن سعيد بن نبات الأموي القرطبي: وذكره الخولاني وقال: كان شيخا صالحا من أهل العناية بالعلم حافظًا للحديث مع الفهم، قديم الطلب، متكررا على الشيوخ، وسمع منهم، وكتب عنهم محتسبًا متسننا مجانبا لأهل البدع والأهواء. سيفا مجردا عليهم.
1 / 19