صرخ حميدو بصوت الأطفال، لكن جسده لم يكن جسد طفل، وامتدت يده في جيبه الطويل كالجراب، وشد الآلة المعدنية الصلبة، حدد النقطة في منتصف المسافة بين الدائرتين البيضاوين تلمع فوقهما الخيوط الحمراء، كتم نفسه وأغمض عينيه وضغط على الزناد.
فتح عينيه ورأى الجسد المعوج ممددا تحت الشمس، عيناه الواسعتان مرفوعتان إلى أعلى وذراعه اليمنى متدلية إلى جواره تقبض على شيء، فتح حميدو أصابعه، فسقط القرش في كفه، أغلق عليه يده، وذهب إلى الدكان ليشتري تبغا، اشترى قطعة من الحلوى ووضعها في فمه، استدار ليعود، لكن البائع طالبه بالقرش، فتح يده المغلقة فلم يجد شيئا، أمسك البائع العصا وجرى خلفه.
كان جسده خفيفا صغيرا يطير في الهواء كأجساد العصافير، وكان من الممكن أن يسبق البائع (لو كان عصفورا)، لكنه أحس فجأة (وكما يحدث في الأحلام) أن جسده أصبح ثقيلا كأنه تحجر على شكل تمثال، تسمرت قدماه في الأرض، وثبتت ذراعاه بالحديد والأسمنت، والفخذان أصبحتا من الرخام، وكل فخذ شد إلى ناحية، ودق في كل قدم مسمار كالمصلوب، وارتفعت العصا الرفيعة من الخيزران في الجو، طويلة ورفيعة ومعوجة كالقوس، ثم هوت على شيء طري ساخن كاللحم الحي. •••
حين فتح حميدو عينيه، كان ضوء النهار يملأ الغرفة، وأيقن أن ما رآه لم يكن إلا حلما، فقفز من فوق الحصيرة وجرى إلى الشارع، كان أصدقاؤه من أطفال الجيران يلعبون كعادتهم في الحارة الممتدة أمام البيوت الطينية، يمسك كل منهم يد الآخر ويصنعون دائرة تلف وتدور، وصوت غنائهم الحاد الرفيع يدور مع حركة أجسادهم في أغنية واحدة، لها مقطع واحد، يتكرر في دورة متصلة لا تنقطع:
حميدة ولدت ولد،
سمته عبد الصمد،
سابته على الأنايا،
خطفت رأسه الحدايا،
حد يا حد يا بوز القرد.
ولأنهم يدورون ويغنون بغير انقطاع، فلا يمكن للأذن أن تعرف بداية الأغنية من نهايتها، ولا يمكن للعين أن تعرف بداية حركتهم من نهايتها؛ لأنهم أطفال، ولأن الأطفال حين يلعبون يمسكون بأيديهم بعضهم بالبعض على شكل دائرة مغلقة. •••
نامعلوم صفحہ