کلاسیکی ورثہ: ایک بہت مختصر تعارف
التراث الكلاسيكي: مقدمة قصيرة جدا
اصناف
بلا شك لم يفاجأ كثيرون ممن عاشوا في العصر الفيكتوري من تبعية المرأة في كل من اليونان وروما، وحقيقة أن المرأة لم يكن لديها حقوق سياسية في أي مدينة من مدن العالم القديم، والأقوال الصريحة للعديد من الكتاب القدماء بأن دور المرأة في الحياة هو أن تلد الأطفال، وتنسج الصوف، وتتجنب أن يتحدث الناس عنها. في الوقت نفسه كان الباحثون في العصر الفيكتوري مشغولين بتجاهل (أو حتى بحذف) العديد من المقاطع في مؤلفات القدامى التي كانوا يرون أنها تسرف في الحديث عن الجنس بين الرجال والنساء، أو اللواط بين الرجال والصبيان. أما دارسو التراث الكلاسيكي المعاصرون فنجدهم لا يعيبون وحسب على الإغريق والرومان كراهيتهم الشديدة للنساء، أو يحتفون بعنصر الإثارة الجنسية العلنية لديهم، وإنما يستكشفون كيف أن الأدب القديم أبقى على كراهية النساء تلك أو شكك فيها، ويتساءلون عما حدد الطرق التي نوقش بها موضوع الجنس وصور في الفن والنصوص القديمة. على سبيل المثال، كيف نفهم ما يكمن وراء عبارة فرجيل التي تقول: «النساء» أو «المرأة دائما شيء متلون ومتغير»؟ وهذه الاستكشافات نتيجة مباشرة لمناقشات دارت في القرن العشرين حول حقوق المرأة، ونظريات النوع، والسياسة الجنسية، وتضفي الدراسة الكلاسيكية بدورها عمقا تاريخيا حيويا في مناقشات القرن العشرين تلك.
الحقيقة الأساسية هي أن التراث الكلاسيكي ظل «كما هو»، وفي الوقت عينه «اختلف» اختلافا كبيرا عما كان عليه، وهذه ليست قصة بسيطة تدور حول «التقدم» في تفسير التراث الكلاسيكي. فلا شك أن التغييرات في مصالحنا تنطوي على خسائر، وكذلك مكاسب؛ فعلى سبيل المثال، عبر المائتي عام الأخيرة من المفترض أننا فقدنا قدرا كبيرا من التعاطف مع القتال الجسدي القديم، والتدريب العملي على تجربة أهوال السفر عبر البحار المجهولة. ما يهم هو أن هذه التغييرات لها أثرها. وقراءة ما كتبه فرجيل أبعد ما تكون عن خبرة متماثلة لا تختلف على مر القرون، كما سنبين في الفصل التاسع من هذا الكتاب. والأمر عينه ينطبق على كل زيارة إلى باساي.
لقد روينا قصة السياحة الحديثة والاستكشافات التي جرت في القرن التاسع عشر لتوضيح هذه النقطة على وجه التحديد، ولتوضيح مدى تعقيد الاستمرارية وعدم الاستمرارية في تجربتنا مع التراث الكلاسيكي. وأهم ما نقوله أننا سوف نجعل هذا الكتاب ينبع مباشرة من هذه التأملات حول الزيارات المختلفة لباساي. وكما قلنا، إذا كانت دراسة التراث الكلاسيكي توجد في «الفجوة» التي تفصل بين عالمنا وبين العالم القديم، فإن ذلك التراث يتحدد في ضوء تجربتنا، واهتماماتنا ومناقشاتنا مثلما يتحدد في ضوء تجربتهم واهتماماتهم ومناقشاتهم. وزيارة باساي تقدم لنا مثلا لفهم مدى التنوع والتعقيد الذي يمكن أن تكون عليه إسهامات المعاصرين.
تصورنا عن التراث الكلاسيكي
شكل 3-3: لوحة رسمها إدوارد لير لمعبد أبوللو في باساي.
إن أهمية مساهمتنا في التراث الكلاسيكي تبرز أمامنا بطرق غير متوقعة؛ فعلى بعد بضع مئات من الأمتار من موضع كتابة هذا الكتاب، يقع متحف فيتزويليام في كامبريدج، وبه لوحة فنية شهيرة من القرن التاسع عشر تصور باساي (انظر الشكل
3-3 ). رسم اللوحة إدوارد لير، المعروف لنا بقصائده الفكاهية أكثر من لوحاته التي كانت مصدر رزقه، وقد زار الموقع في زيارة له إلى اليونان في عام 1848، وقال عن تلك الزيارة إنها كانت «أمتع ستة أسابيع قضيتها في حياتي.» بعد سنوات، حين مرض لير، وأصبح حبيس منزله، يعاني من ضيق ذات اليد، تجمع عدد من أصدقائه وفاعلي الخير واشتروا تلك اللوحة ليقدموها إلى فيتزويليام. لقد شعروا أنها ستكون هدية مناسبة لذلك المتحف؛ إذ إن قالبا جصيا من الجبس لإفريز باساي كان بالفعل معروضا هناك، وكان كوكريل نفسه قد انخرط بشكل كبير في تصميم مبنى ذلك المتحف. لكن من هذا المنطلق ربما كانت هدية مناسبة لمتحف أشموليان في أكسفورد؛ لأنه في حد ذاته كان أحد الأعمال الرئيسية لكوكريل، وكان يضم أيضا قالبا من الجص لإفريز باساي على درج المتحف الرئيسي.
تلخص اللوحة الصورة الرومانسية لباساي؛ إقفار المشهد، وعزلة المعبد وهو يظهر عبر إطار من الصخور والأشجار الجبلية الملتوية. تلك هي باساي كما يراها كوكريل وتراها الكتيبات الإرشادية التي بين أيدينا. ولكن في انتظارنا مفاجأة أخرى.
في الواقع، إن هذا المشهد «اليوناني» رسم في إنجلترا، من الريف الإنجليزي. لا شك أن لير رسم رسومات كثيرة عندما كان يقوم بجولة في اليونان، وقد ساعده ذلك على الاحتفاظ في ذاكرته بما رآه هناك من مشاهد ومناظر طبيعية. لكن مذكراته توضح جليا أن كل تفاصيل الصخور والأشجار التي تظهر في تلك الصورة أخذت من واقع ملموس، وذلك باستخدام عينات مناسبة تقع في وسط إنجلترا في ريف ليسترشير.
هذا تذكير قوي بمساهمتنا في صورة التراث الكلاسيكي والعالم الكلاسيكي. إن لير (وأمثاله) قد صور لنا «يونانا» من وحي ذكريات أسفاره معتمدا على مشاهد مألوفة لديه في بلده. بل أكثر من ذلك، أن هذا التصور يعيننا على فهم التفاوت بين توقعات من يزور اليونان وبين ما يجده الزائر على أرض الواقع فهما أفضل. إذا كنا نأمل في العثور على نسخة حية للصورة التي رسمها لير لباساي عندما نذهب إلى الموقع نفسه، كيف يمكننا حينها ألا نفاجأ أو نصاب بخيبة أمل؟ إن صورة لير لم تكن نسخة أمينة للمنظر الغريب الذي رآه في اليونان. فحالها كحال كل صور التراث الكلاسيكي، كانت (جزئيا على الأقل) صورة من بلد لير، كانت جزءا من ثقافته؛ لأن التراث الكلاسيكي كان هو الآخر جزءا من تلك الثقافة.
نامعلوم صفحہ