کلاسیکی ورثہ: ایک بہت مختصر تعارف
التراث الكلاسيكي: مقدمة قصيرة جدا
اصناف
الكتيبات الإرشادية تحذر الزائر اليقظ من وجود مفاجأة تنتظره. ولكنها لا تفعل شيئا يذكر لمواجهة ما سيشعر به أي شخص من خيبة أمل عندما يزور طللا رومانسيا شهيرا وإذا به يفاجأ بشيء مختلف تماما؛ إذ يجد ذلك الطلل محاطا بقماش حديث يفتقر إلى الرومانسية. قليلة هي الكتب التي تقترح عليك إلغاء رحلتك بالكلية: «لابد أن يقال إن الزوار على الراجح سيمنون بخيبة أمل، إذا لم يثنيك هذا ...» وتجد معظم تلك الكتب تحاول أن تبرر الحاجة إلى وضع هذه الخيمة لحماية بقايا المعبد: لحمايتها من المطر الحمضي، أو لتوفير مأوى للعمال الذين يعملون في برنامج الترميم الطويل، أو (وهذا هو السبب المعلن رسميا) للحفاظ على الأسس الحساسة من التآكل بسبب المياه. بل إن بعض الكتب تحاول جعل ذلك كله يصب في مصلحة السائح، وذلك بأن تدعي أن الخيمة في حد ذاتها مثيرة للإعجاب: «إنها في حد ذاتها لها شكل رائع ومتميز، وهي تضيف جوا خاصا حين يصير المرء في الداخل.» وكأن القوم يصيحون: زوروا عوارض اليونان!
شكل 3-2: المعبد الموجود في باساي اليوم.
عند هذه النقطة ربما تكون «الاختلافات» بين أي زيارة حديثة إلى باساي واستكشافات القرن التاسع عشر هي التي تبدو الأكثر لفتا للأنظار. كان كوكريل ورفاقه يرونها رحلة خطرة، جابوا فيها بلادا تفتقر إلى الكرم والترحاب والرعاية الصحية، بل إنهم بالفعل خاطروا بحياتهم في مواجهة قطاع الطرق والحمى . أما نحن فنجد سيارات الأجرة والفنادق، ونشتري البطاقات البريدية في القرية المجاورة. لقد أصبحت باساي اليوم مكانا يمكنك فيه قضاء نزهة لطيفة، وهي تنال دعما وتشجيعا من جميع موارد أكبر صناعة في اليونان؛ ألا وهي السياحة.
كان الرحال القدامى لا يبحثون فقط عن اكتشافات جديدة من الماضي الكلاسيكي القديم، ولكن كانوا يبحثون عن فرصة لسلب ما عساهم يجدونه، سواء من أجل أنفسهم أو بلادهم. كانت آثار الماضي تنتظر من يستولي عليها وينسب ملكيتها لنفسه. على النقيض من ذلك، تعلم السائحون الذين يقصدون آثار العالم القديم في وقتنا الحاضر أن يقصروا طموحاتهم الاستحواذية على شراء بعض البطاقات البريدية والهدايا التذكارية. واليوم قد يلقى القبض عليك إن حاولت إخراج أي آثار حقيقية من اليونان، ولو كان وعاء صغيرا في قاع حقيبة سفرك، ناهيك عن ثلاثة وعشرين لوح رخام منحوتا. توجه الكتيبات الإرشادية السائح توجيها صريحا نحو قضايا الحفظ، وكذلك المشاكل الصعبة والنفقات المتعلقة بالمحافظة على بقاء التراث الإغريقي في نفس المكان الذي ينتمي إليه. يقولون لنا هناك إن فقدان رومانسية باساي كان في سبيل حماية الموقع الأثري. ومن ثم فإن تلك الخيمة تذكرنا بقوة بالتغير الذي طرأ على أولوياتنا في مواقفنا من الماضي الكلاسيكي: من ثقافة القرن التاسع عشر التي كان محورها الحيازة والملكية، إلى ثقافة القرن العشرين التي محورها الرعاية والحفظ.
لكن سياح وقتنا الحاضر تربطهم قواسم مشتركة بالرحال الأوائل أكثر مما يبدو عليه الأمر؛ فيجمع بينهم الشعور المستمر بإثارة الاستكشاف، والتي يشعرون بها في معظم الطرق السياحية المطروقة. كما رأينا، فإن الكتب الإرشادية لا تزال تكتب عما نجده الآن من سهولة التوجه بحافلة أو سيارة أجرة إلى باساي بطريقة تشبه كثيرا طريقة وصف كوكريل نفسه لرحلته إلى هناك. ونفس الكتب، وهي تقدم للسائح المزيد من النصائح العامة، لا تزال تميل إلى تناول قضاء العطلة في اليونان على أنه رحلة إلى أرض غريبة ويحتمل أن تكون خطرة، حتى مع حلول تحذيرات خفيفة بشأن «اضطرابات المعدة» محل الحكايات المأساوية عن الموت بسبب الملاريا، وتجد بها الآن نصائح حول سائقي سيارات الأجرة المحتالين والنشالين بدلا من قصص القتل على أيدي «قطاع الطرق الخارجين عن القانون من أهل أركاديا».
تذكارك المتميز للغاية
أيضا تتشارك الكتيبات الإرشادية في ثقافة الاستحواذ والتملك والعرض. قد يكون صحيحا أن مسافري عصرنا لا يجلبون معهم حين يعودون إلى أوطانهم سوى البطاقات البريدية، والصور، والبلاستيك الرخيص، أو قطع الفخار غالية الثمن، والنماذج المقلدة كهدايا تذكارية، لكن لا يزال جزءا أساسيا من صناعة السياحة (في اليونان أو في أي مكان آخر) أن السياح ينبغي «أن يجلبوا معهم شيئا حين يعودون إلى الوطن». إن النتيجة المباشرة لقضائنا عطلات الصيف أن كثر في بريطانيا القرن العشرين انتشار صور العالم الكلاسيكي القديم بقدر يفوق ما كان عليه الأمر في القرن التاسع عشر من نماذج بلاستيكية مصغرة من البارثينون، أو جرار «إغريقية» نزين بها أرفف المواقد، إلى البطاقات البريدية التي نعلقها على الجدران لتذكرنا بما قمنا به من زيارات لمعالم العالم القديم.
كما أننا نسعد كثيرا حين نذهب لزيارة تلك الأعمال الفنية والإعجاب بها؛ تلك الأعمال التي تجشم جوالتنا العظام عناء جلبها إلى الوطن من أراضي اليونان التي استكشفوها، بصرف النظر عن هواجسنا حول مدى نزاهة طريقة اقتنائنا لها. وإنها لمفارقة غريبة أن أيديولوجية القرن العشرين القائمة على الحفظ والتأمين يمكن أن تستخدم هي نفسها لتبرير إصرارنا على الاحتفاظ بهذه الآثار الحقيقية للعالم القديم، في حين أن أسلافنا في القرن التاسع عشر قد استحوذوا عليها بطريقة لا تخلو من طعن. ومن أشهر ما تسمع من تبريرات نقدمها للإبقاء على رخام البارثينون في المتحف البريطاني، بدلا من إعادته إلى اليونان، قولنا: «إننا» اعتنينا به عناية تفوق ما كان سيلقاه من عناية من اليونانيين أنفسهم.
بطبيعة الحال يمكن ترجمة هذا الاحتفاء الزائد بالنفس إلى إسعافات أولية سخية للمواقع اليونانية حالما تتأثر سلبا بعمليات التنقيب عن الآثار وجمعها وبالسياحة. في روايته عن «فاساي» يسخر ريفين من الأثري الأمريكي المحتال - «ذي الأنف الذي يشبه عصا الهوكي» - على هذا النحو : «قال ألويسيوس شيث: «بالطبع على مستوى اليونان لا يوجد خارج أثينا معبد مصان أكثر منه. لقد ساهمنا كثيرا في ذلك. إنهم في غاية الامتنان. ثم الآن ... ستلاحظ أن به ستة أعمدة في الأمام وفي الخلف، وخمسة عشر عمودا على كلا الجانبين بدلا من الرقم المعتاد اثني عشر عمودا. فلا تزال سبعة وثلاثون عمودا قائمة هنا، ولكن هناك ثلاثة وعشرين لوح إفريز رحل بهم ... خمن، من؟ ... البريطانيون ...»»
ولكن أكثر ما يربطنا ربطا وثيقا بجميع الأجيال السابقة من مستكشفي اليونان هو ذلك التوتر الذي توارثناه منهم بين توقعاتنا لما تكون عليه اليونان وما هي عليه في الواقع، الذي قد يكون مخيبا للآمال. لقد صدم كوكريل ومعاصروه حين رأوا الفرق بين الصورة المثالية التي كانت في أذهانهم عن العالم القديم وما وجدوه على أرض الواقع من حياة ريفية وضيعة. ومن صور تعاملهم مع تلك الفجوة تبنيهم لفكرة الرحلة الاستكشافية البطولية والبراقة. ونحن، بالطبع، لم نرث فقط المثل العليا القديمة عن كمال العالم القديم، ولكننا ورثنا أيضا تلك الرؤية الرومانسية التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر. إن اليونان «الحقيقية» ستكون حتما مفاجأة بالنسبة لنا أيضا.
نامعلوم صفحہ