تصيخ من الإصاخة وهو الإستماع والإصغاء، يقال: أصاخ وأساخ بمنعى واحد ذكره في (معالم السنن) ولم يذكره الجوهري في السين، والصماخ بالكسر خرق الأذن ويطلق على الأذن نفسها، كذا في القاموس، قال في (النهاية) وقد يقال بالسين أيضا وهو آلة السمع الذي هو القوة المركبة في العصب المفروش على طاهر الصماخين يدرك بها الأصوات، والمراد أنها تميل مستمعة بأذنها إلى ما ألقي في صماخها من الكلمات المسموعة لتفرغه إلى خزانة الحس المشترك لأن الحواس الخمس الظاهرة خدم وأعوان له يرفع كل منها ما جعل آلة له آلية، والإصاخة بالأذن وغن كان حقها في الظاهر أن يكون إلى الكلمات لكنها لما كان الإدراك بواسطة السماخ الذي هو محل القوة، علق الإصاخة به، وقوله: ويخرج البيضة إلى آخره، الفرخ ولد الطائر، ومعنى إخراجها سلبها عن الفراخ وتجردها منه إذ هو أمر نسبي، فكما يقال: خرج الفرخ من البيضة، يصرح أن يقال: خرجت البيضة من الفرخ إذا خلت من الفرخ، ويحتمل أيضا أن الفرخ إذا قوي وبلغ إمكان أن يبيض صح إخراج البيضة منه وتسميته فراخا حينئذ مجازا مرسلا علاقته الكون، ويعود الضمير إلى البيضة باعتبار جنسها ويحتمل أيضا أن يكون المعنى على القلب لغرض المبالغة في حصول الأثر والأصل ويخرج الفراخ من البيضة مثل عرضت الناقة على الحوض، والوجه الأول أقرب والمعنى أن الفرخة البيضة إذا بلغ حالة الإستعداد لقبول الروح تأثر عنه الأفعال التي منها الخروج والحركة.
؟ فائدة: قال بعض الحكماء: البيضة صارت رطبة لغلبة الماء ونقصان والهواء والنار الطبيعة للأرض، فصفرة البيض تشبه طبيعة الهواء، وبياضها تشبه طبيعة الماء، ولذلك يطير الطائر، والمادة الترابية أقل ولذلك لم يخلق له الأسنان والأضراس والفرخ من البياض والصفرة غذائه.
يَحولُ في الخالِ ما اِستَقبَلَ ... وَينثَني مُنخَفِضًا إِذا اِعتلَى
قد علمت أن الروح هو الجوهر المجرد عن المادة، فإذا استقبل أمرا يحول إليه في حالته تلك بلا عائق يعوقه عن مراده من مكان ولا زمان، إذ لا يفتقر إلى ذلك كما في الأجسام الكثيفة المحتاجة في حركتها إلى مسافة تقطعها، وزمان تتمهل فيه، وشاهد ذلك أن الإنسان في نومه تجول نفسه بعالم الملكوت حتى تشاهد عجائبه، ويضرب لها الأمثال التي هي عبارة عن أمور تصادفها في اليقظة من خير أو شر وهي الرؤيا التي ورد بها صحيح الأخبار، ووضع لها علم التعبير، فإذا استيقظ عادت إليه كلمح البصر، وهو معنى قوله: وينثني منخفضا إذا اعتلى، ومن ذلك خروج روح المؤمن عند الموت وصعودها إلى سدرة المنتهى، ثم تعود إلى الميت فتدرج في أكفانه، وفي بعض الأخبار، ترفرف عليه وتشاهد من حضرها وتسمع كلامه حتى يدفن الميت، فيجيء بها لسؤال منكر ونكير كما حقق ذلك مبسوطا في تذكرة القرطبي، ومن ذلك النفوس المقدسة المصفاة عن شوائب الكدورة قد يحصل لها هذا المقام في اليقظة. قال الغزالي في (مشكاة الأنوار): العقل الذي هو عبارة عن الروح يستوي عنده القريب والبعيد، بل يعرج في طرفة عين إلى أعلى السموات رقيا وينزل في لحظة إلى تخوم الأرض هويا، بل إذا حقت الحقائق انكشف أنه منزه عن أن يحوم بجنبان قدسه معاني القرب والبعد فإنه أنموذج من نور الله
سُكونُهُ تَحَرَكَ لِلفِعلِ ... فَفِعلُهُ الشيءَ بِغيرِ شُغُلِ
يريد أن سكونه في البدن سبب لتحركه وظهور آثاره على الوجه الذي نقلناه آنفا عن تفسير أبي السعود فراجعه، ففعله الشيء إذا رام بلا تجشم مشقة، ولا مزاولة شغل، إذ هو يلقيه إلى ما في القلب من الروح الحيواني وهو يلقيه إلى الدماغ بالوسائط وعند ذلك تتحرك الأعضاء لفعل ذلك المراد كما مر بيانه، وقوله: سكونه مبني على ما ذهب إليه جمهور المتكلمين من أهل السنة ومنهم الإمام يحيى وابن الخطيب في مفاتيح الغيب كما مر تحقيقه في المقدمات ويصح أن يراد به التعلق كما ذهب إليه الغزالي ومن معه فسمي سكونا على طريقة الإستعارة المصرحة.
الجِسمُ مِنهُ الروحُ مِن سِواهُ ... لَطافَةٌ وَلَفظُهُ مَعناهُ
1 / 16