بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا.
الحمد لله الذي باين بين العقول، مباينة أوهمت الأكثر اختلافها بالفضول، ومنعها من القضاء في أحكامه المتعلقة بأفعال المكلفين بتحليل أو تحريم، وأرشد القدسية منها معرفة استنباط الأحكام عن الأدلة الشرعية الراجعة إلى الكلام القديم، والصلاة على من به وصل علماء هذه الأمة أنبياء بني إسرائيل، النبي الأمي المكتوب في التوراة والإنجيل، وعلى آله وصحبه الذين حفظوا شرعه، وبلغوا إلينا أصله وفرعه.
أما بعد: فإن العقول السليمة متطابقة، والشرائع بأسرها متوافقة، على أن العلم من أكمل الكمالات، لا سيما علم الأحكام الشرعيات، فإنها وسائل مقاصد العباد، ومناط مصالحهم في المعاش والمعاد.
ولما كان لا سبيل إلى دركها دون معرفة مدركها، تعين معرفة أصلها، وتبين أن مرتبته من العلوم مرتبة أجلها.
وأعظم ما صنف فيه على الإطلاق «المختصر»، الذي عكف عليه العلماء في سائر الآفاق، المنسوب إلى الشيخ الإمام العالم السالك، أبي عمرو
1 / 125
عثمان بن الحاجب المالكي، فإنه مختصر وجيز النظم، كثير العلم، فقد تصدى لشرحه الفحول من [العلماء]، فذللوا منه كل صعب، كالأصفهاني، والتستري، والقطب.
ولما سمع مني بعض الأصحاب بعض معاني هذا الكتاب، أشار عليّ بأن أشرحه شرحًا يكشف عن وجهه النقاب، ويذلل ما غفل عنه الشراح من الصعاب، ظنًا منه أن ليس وراء مرتبتي مضاف لطيف الخاطر، ولا فوق درجتي في معرفة هذا الكتاب مطرح لشعاع الناظر، كلا ومظان الفكر نزار القدر، والإحاطة ممتنعة على كل البشر.
ولعله اعتقد من غير علم، وإن بعض الظن إثم، فاعتللت بأن للكتاب
1 / 126
بضعة عشر شرحًا، وإن كان بعضها مطرحًا، وإن لي في هذا العلم إصابة غرض أرميه، وإضاءة سقط أريه، واستخراج نكتب يلطف مسلكها، ومستودعات لطائف يدق سلكها، وغوامض أسرار كانت عن الشراح وراء أستار، إذا سرد ما أوردوه تحصيل الحاصل، وانتحاله فعل الغمر الجاهل.
ثم قلت: لولا ما رسم لنا المتقدمون في كتبهم، ودونوا من أوضاع علمهم، لكان سبيلنا قد انقطع مما يعلمونه، وذكرت وعيد ﴿[لتبيننه] للناس ولا تكتمونه﴾، فأجبته مع علمي بأن من صنف فقد استهدف، ومن ألف فقد أبدى صفحة عقله، وبين عن مقدار علمه وجهله.
هذا وإنه لابد أن يقع في يد أحد رجلين:
إما عالم، تعلم أن / الصواب قصدي، والحق إرادتي، فيصلح سهوًا إن وقع مني، ويغتفر زللًا إن صدر عني، لاعترافي قبل اقترافي، وإقراري قبل إيرادي وإصداري.
وإما جاهل، أحب الأشياء إليه، وأقلها لديه، عيب أهل العلم، لمنافرته إياهم، وبعد شكله عن أشكالهم، إذ من جهل شيئًا عابه، ومن
1 / 127
حسد أمرًا اغتابه.
وأرجو أن يكون شرحًا يذهب وصم العجز والافتقار عن الأصحاب، ويتبين منه أصول الفقه على مذهب إمام صاحب الكتاب، يعول المالكية في أصولهم عليه، وتنحل أغراض المؤلف إليه، وتندفع به بعض الشكوك الواردة، ويقع به التنبيه على أوهامه الشاردة.
وأبو عمرو [وإن كان] من سعة الحفظ والنبل، ومن الثقات في الضبط والنقل، في المحل الذي لا يُجهل، وبحيث يقصر عنه الثناء الأحفل، لكن البشر غير معصومين من الزلل، ولا مبرئين من الوهم والخطل، والعالم من عدت هفواته، وأحصيت سقطاته، كفى بالمرء نبلًا أن تعد معايبه.
والله تعالى أسأل أن يجعله علمًا باقيًا بعد الممات، ومرادًا من عموم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث».
1 / 128
وها أن أشرع في المقصود، مستعينًا بواجب الوجود، وأسميه: «تحفة المسؤول في شرح مختصر منتهى السول».
1 / 129
قال: (وينحصر في: المبادئ والأدلة السمعية والترجيح والاجتهاد).
أقول: ينحصر المبحوث عنه في المختصر المذكور، فيكون من قسمة الكلي إلى جزئياته.
ويفسر أيضًا ضمير وينحصر بالمختصر؛ لأنه جارى به الإحكام لسيف الدين، الذي قال فيه: «رتبته على أربعة قواعد: الأولى في المبادئ ... إلى آخره»؛ ولأن المبادئ ليست جزءًا من الأصول، [وهي جزء من المختصر]، فيكون من قسمة الكل إلى الأجزاء
ويفسر أيضًا بالأصول؛ لأن الضمير في قوله: «فالمبادئ حده وفائدته
1 / 131
واستمداده» يعود على ما عاد عليه ضمير وينحصر، وعد المبادئ [جزءًا] من الأصول إما تغليبًا، أو لأن الأدلة لما توقفت على المبادئ بوجه، وكان لها مدخل في معرفة الأحكام، صح انقسام الأصول إليها وإلى الثلاثة، على معنى الأجزاء، على تجوز فيها.
أو نقول: هي جزء من الأصول، وسنده ما سيأتي.
لا يقال: حق التقسيم أن يكون بعد معرفة مورده، إذ التصديق مسبوق بالتصور. لأنا نقول: لا يشترط التصور الحدي أو الرسمي، بل باعتبار ما، وهو إن كان للمختصر فهو متصور باعتبار وصفه الذي وصفه به المؤلف المصنف، وإن كان للأصول فهي متصور [باعتبار] اسمها.
1 / 132
ووجه الحصر في المذكور اسقرائي.
ومن رام حصرًا عقليًا اعتقل دونه، ومن قصد تسهيل الاستقراء وتقليل الانتشار قال:
المبحوث / عنه في المختصر، إما أن يكون بيان ما يتمكن العالم به من الاستنباط، وهو المقصود إثباته من أصول الفقه بالذات، أو ما يتوقف عليه المقصود بالذات بوجه ما، والثاني المبادئ، والأول ينحصر في الثلاثة، إذ لا يتمكن [من] الاستنباط من الأدلة بدون معرفتها، ولا بدون الاجتهاد لأنه ما لم يعلم الاجتهاد [وحكمه] وأحكامه، لا يمكنه الاستنباط، ولا بدون الترجيح؛ لكون غالب الأدلة ظنيًا قد تتعارض فلا يتمكن من
1 / 133
الاستنباط بدون الترجيح، والاستقراء دل على حصول التمكن بها من غير توقف على غيرها.
قيل عليه: نفس الاجتهاد لا يكون جزءًا من المختصر، ومعرفته لا تكفي؛ لأن انتفاء المعارض يعلم [بنفس] الاجتهاد لا بالعلم به.
وأيضًا: إن أريد بالأدلة الكلية، لم يتم الحصر؛ لتوقف الاستنباط على [الأدلة] التفصيلية.
وإن أريد التفصيلية، يلزم أن يكون معرفتها والبحث عنها في الأصول، وليس كذلك.
وأيضًا: التقليد والتخيير والوقف عما يبحث فيه، وليس واحدًا من الأربعة.
ورد الأول: أن نختار القسم الثاني، على معنى أنه إذا حصل المذكور تمكن من الاستنباط، وعنده يعلم انتفاء المعارض.
1 / 134
ورد الثاني أيضًا: بأنا نختار القسم الأول.
قوله: (الاستنباط يتوقف على معرفة التفصيلية).
قلنا: نعم، لكن لا على التفصيل، بل يتوقف [على] معرفة التفصيلية بالجملة، وذلك غير خارج عن الأربعة؛ لأن معرفة الأدلة الكلية على وجه كلي، معرفة الأدلة التفصيلية بوجوه.
ورد الثالث: بأنه عبر بلفظ الترجيح عنه وعن الوقف والتخيير، وبلفظ الاجتهاد عنه وعن التقليد، إطلاقًا لاسم المقابل [الأهم] على الشيء ومقابله.
قال: (فالمبادئ: حده، وفائدته، واستمداده).
أقول: قدم [الكلام على] المبادئ وضعًا لتقدمها طبعًا؛ لأن من حاول علمًا لابد أن يتصوره، إذ لا يطلب ما لا يتصور فائدته؛ لأن
1 / 135
طلب ما لا فائدة فيه عبث، وأن يحصل ما يستمد منه أولى؛ ليستعين به على تحصيل المطلوب، والحصر في الثلاثة استقرائي.
والمتقدم طبعًا: هو الذي يحتاج إليه المتأخر، ولا يكون علة له، والثلاثة كذلك. والمبادئ عند المنطقيين هي: الأشياء التي ينبني مباحث ذلك العلم عليها، وهي: إما تصورات، وهي تعريف أشياء تستعمل في ذلك العلم، وهي: موضوعه، وأجزاؤه، وأنواعه، وأعراضه الذاتية، وأنواعها.
وإما تصديقات، وهي المقدمات التي يتألف منها قياسات منتجة لمسائل ذلك العلم، وهي إما بينة بنفسها، / وإما مسلمة في ذلك العلم غير مبرهن
1 / 136
عليها فيه، لبناء مسائل ذلك العلم عليها، سواء كانت مسلمة في نفسها أو مقبولة، على أن يبرهن عليها في علم آخر.
فالحد والفائدة ليسا من المبادئ على هذا، فلا تكون أجزاءً للأصول وإن كانت أجزاءً للمختصر لأن المبادئ عندهم [من] أجزاء العلم، وإنما يسمون المذكور مقدمات العلم، ولقائل أن يقول: المذكور من أجزاء العلم. أما الاستمداد؛ فلأن العلم ينبني عليه، والمبادئ هي الأشياء التي ينبني عليها العلم، فالاستمداد من المبادئ لأصول الفقه، ومن المسائل لعلم الكلام، وعلم العربية، وعلم الفقه.
وصرح سيف الدين بأن الاستمداد من المبادئ، والحد أيضًا من المبادئ، لاستلزامه تعريف الموضوع وذلك من المبادئ، [وكذا القول بعينه في الفائدة].
واعلم أن المبادئ تطلق على ما يتوقف عليه المقصود بوجه، وهو المستعمل عند أكثر الأصوليين، فإن توقف تصوره عليه فهو الحد، وإن توقف باعتبار الشروع فهو الفائدة، وإن توقف البحث عن مسائله عليه
1 / 137
فهو الاستمداد.
قال: (أما حده لقبًا: فالعلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية).
أقول: لما كان تقدم الحد على الاثنين أيضًا طبعًا قدمه وضعًا، وأصول الفقه مركب إضافي له معنيان:
أحدهما: ما يفهم من مفرديه عن تقييدهما الأول بالثاني، وهو المعنى الإضافي.
والثاني: مسماه الذي هو العلم الخاص، وهو لقب له منقول عن الأول؛ لأن معناه الإضافي: أدلة الفقه، ومعناه اللقبي: العلم بالقواعد التي يستنبط الفقه منها.
قيل: فلا يصدق مفهومه الإضافي على مفهومه اللقبي.
قلت: المفهوم الإضافي اصطلاحًا غير صادق على اللقبي، والمفهوم الإضافي لغة صادق على اللقبي؛ لأن مفهومه اللغوي: الأشياء التي ينبني عليها الفقه، إذ الأصل ما ينبني عليه غيره، وذلك صادق على العلم بالقواعد. وانتصب لقبًا على التمييز، ميزه ليعلم أن التعريف لمفهومه اللقبي لأنه أهم مفهوميه؛ لأن وضع الكتاب لـ[بيان] مفهومه اللقبي، مع أنه حد له باعتبار كونه مفردًا، والثاني حده باعتبار كونه مركبًا، والمفرد قبل
1 / 138
المركب.
ومعنى الكلام: أن حد المفهوم المدلول عليه [بلفظ] أصول الفقه الذي هو لقب عليه. واحتجنا إلى هذا؛ لأن اللقب صفة للفظ، والحد للمعنى، واللقب علم دل على مدح أو ذم، وهو [هنا] دال على أعظم المدائح؛ لأنه إذا / كان علمًا على قواعد من شأنها أن يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية التي هي سبب السعادة، فهو أعظم مدح، وهم علم جنس كأسامة؛ لأن الحد للكليات لا للشخصيات.
قيل عليه: هذا الاسم للمجموع من حيث هو، بحيث لا يصدق على غيره، ونفس تصوره مانع من الشركة، إذ لا يوجد أمران كل واحد منهما ذلك المجموع من حيث هو، بخلاف أسامة فيكون علم شخص لا علم جنس.
قلت: لما كان العلم صفة حقيقية تلزمها إضافة، أو نفس الإضافة
1 / 139
على الرأيين، فالحقيقة واحدة، والأفراد ما اتصف به الأشخاص.
وقيل: العلم بالقواعد؛ لأنه لابد له من متعلق، سواء قلنا: إنه إضافة، أو [قلنا]: صفة تلزمها إضافة.
والمتعلق هو المعلوم، وقيده بأمر خاص؛ لأن المطلق إذا تقيد بأمور خاصة حصل نوع منه، إذ تحصل النوع يكون بخصوصية المتعلق به، ولما كان تحصل أصول الفقه بتقييد العلم بالقواعد، قيده بها.
والعلم [و] إن كان يتعدى بنفسه، لكن لما كان إعمال المصدر باللام قليلًا، قواه بالباء.
والقاعدة: الأمر الكلي المنطبق على الجزئيات لتعرف أحكامها منه، فخرج العلم بالجزئيات وبعض القواعد؛ لأن الألف واللام للاستغراق، ولا يصح تفسير القواعد بالأدلة الكلية [من] الكتاب والسنة والإجماع؛ لأن القواعد قولنا: الكتاب حجة، السنة حجة، إذ نفس الكتاب ليس مما يتوصل به إلى الاستنباط، نعم يتوصل بغيره إلى الاستنباط عنه.
وقوله: (التي يتوصل بها إلى الاستنباط) إشارة إلى أنه وسيلة، وذكر
1 / 140
الاستنباط إشارة إلى الاستخراج فإن فيه كلفة، وفيه إشارة إلى أن بقاء الإنسان ببقاء الأحكام، كما أن [بقاءه] ببقاء الماء المستنبط.
وأيضًا: العلم حياة الروح كما أن الماء حياة البدن، ولم يخرج به شيء؛ لأن القاعدة من شأنها التوصل.
وقوله: (الأحكام) فصل خرج به الصنائع.
وقوله: (الشرعية) فصل خرج به اللغوية والعقلية، كقواعد الحساب والعربية.
وقوله: (الفرعية عن أدلتها التفصيلية) لبيان الواقع، أو شأنها ذلك، فهو لتمام تصور المحدود، إذ لم يوجد علم بقواعد توصل بها إلى استنباط أحكام شرعية أصولية حتى يحترز بالفرعية عنه؛ لأن الأحكام الأصولية إنما استفيدت من آيات وأخبار، ولم يوجد علم بقواعد توصل به إلى استنباط أحكام شرعية فرعية عن أدلة إجمالية حتى يحترز بالتفصيلية عنه.
قولهم: احترز بالفرعية عما / توصل به إلى الأصولية، ككون الإجماع حجة، والقياس دليلًا.
1 / 141
وعلم الكلام: علم بقواعد توصل به إلى استنباط أحكام شرعية أصولية مردود؛ لأن علم الكلام توصل به إلى إثباتها لا إثبات حجيتها.
قيل عليه: قولكم: «لم يوجد علم يحترز بالتفصيلية عنه»، إن أردتم لم يوجد مدونًا مسلم.
وإن أردتم في نفس الأمر فممنوع؛ لأنه إذا ثبت أن لنا أدلة إجمالية يستدل بها على الأحكام، فلابد للاستدلال بها من كيفية، وليست الكيفية ضرورية، ولابد لنا من بيان، فيوجد في نفس الأمر علم مبين لكيفية الاستدلال، وذلك العلم من شأنه أن يتوصل به إلى أحكام شرعية فرعية عن أدلة إجمالية وليس بأصول فقه، فيجب الاحتراز عنه.
وفيه نظر؛ لأن ما ثبت بالإجمال كقولهم يجب بالمقتضى ولا يجب بالنافي لا يعلم أن التوصل إلى استنباطه بقواعد، لجواز أن يكون ما يتوصل به إلى استنباط أحكام شرعية فرعية عن أدلة إجمالية جزئيات وعلى التعريف شكوك.
الأول: أنه يدخل علم الخلاف.
ورد: بأنه علم بجزئيات، أو علم بقواعد يتوصل بها إلى حفظ
1 / 142
الأحكام لا إلى استنباطها.
الثاني: أنه غير منعكس؛ لأن خبر الواحد والقياس ظنيان، وكذلك الأمر للوجوب، والنهي للتحريم، والألف واللام للعموم، بل أكثر قواعده أمور ظنية.
ورد: بأن كون الأمر للوجوب إلى آخره من مسائله، وهو غنما قال: العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام.
والجواب: أن المراد بالعلم المعنى الأعم الصادق على الظن.
قال بعضهم: لا نسلم أن خبر الواحد والقياس من قواعده، بل القاعدة كون كل واحد منهما مفيد للظن، فالظن متعلق بما أفاده، والعلم متعلق بإفادته.
قلت: وهذا معنى حسن أيضًا، وما قيل من أن المذكور يفيد ظنًا، لكن القطع بوجوب العمل به بصدق كونها معلومة باطل؛ لأن ذلك لا يخرجها عن إفادتها الظن، وكون الظن يجب العمل به [قطعًا] أمر آخر.
الثالث: أنه اعتبر الحد إضافة العلم إلى المعلوم، والإضافة خارجة عن حقيقته، فلا يكون حدًا.
1 / 143
ورد: بأن العلم إن كان نفس الإضافة فلا إشكال، وإن كان صفة يلزمها إضافة، فلا نسلم أن الإضافة إلى المعلوم خارجة عن العلم المضاف إلى القواعد المذكورة، والخارج عن المطلق لا يلزم خروجه عن المقيد؛ لأن المراد من علم الأصول العلم المضاف لا المطلق، مع أن التعريف بالخارجي عند المصنف يطلق عليه [اسم] الحد.
/ الرابع: [أنه] لا يطرد؛ لأن الحساب يتوصل به إلى بعض مسائل الفرائض، وكذا العربية، وكذا علم الكلام.
ورد: بأن ما يتوصل به من ذلك فهو مبدأ للأصول فهو منه، والحساب استنبط به بعض متعلقات الأحكام لا نفس الأحكام.
الخامس: قوله: (التي يتوصل) يريد بالفعل أو بالقوة، فإن أريد الأول لم ينعكس؛ لخروج من علم تلك القواعد ولم يتوصل إلى الاستنباط بالفعل، وإن أريد الثاني لم يطرد؛ لدخول علم الله تعالى، وعلم الرسول ﷺ، ولا يطلق على ذلك أصول.
وأجيب: نختار الثاني، وعدم الإطلاق لكون أسمائه توقيفية.
1 / 144
السادس: أصول الفقه القواعد، ويعرض لها العلم، فلا يصلح جنسًا. وأجيب: بأنه لما كان علمًا، والعلم إنما يتخصص - كما تقدم - بخصوصية المتعلق به وأضيف إلى القواعد، صار أصول الفقه العلم بالقواعد.
قال: (وأما حده مضافًا: فالأصول: الأدلة).
أقول: لما عرف المفهوم اللقبي، عرف بعد [ذلك] الإضافي، وتعريفه إنما يكون بتعريف المضاف والمضاف إليه.
أما المضاف: فالأصول جمع أصل، وهو ما منه الشيء لغةً، أو ما يبنى عليه غيره.
وأما اصطلاحًا: فالأصول: الأدلة، والألف واللام للعهد، أي أدلة الفقه؛ لأنه لما أضيف الأصل إلى الفقه وهو علم، كان بمعنى الدليل، كما يقال: الأصل في هذا الكتاب، وهو حد لفظي بعد النقل؛ لأن العلم بالقواعد مسمى الأصول، والأدلة حد لذلك المسمى بعد النقل، وأما قبله فلا؛ إذ الأدلة الكتاب والسنة لا العلم بالقواعد، وإن حمل الأصل على معناه اللغوي حتى يكون معناه ما يستند الفقه إليه، كان حدًا له لا بعد النقل.
قال: (الفقه: العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية بالاستدلال).
أقول: لما تكلم عن المضاف، أخذ الآن يتكلم في المضاف إليه.
1 / 145