255

تحفہ الاسماع والابصار

تحفة الأسماع والأبصار

فلما وصل الأمير بعل جادة محل هذا الأمير المسمى إسحاق، سأله عن شأن هذا الرجل الذي أسلم، وقال لبعل جادة: كيف تترك هؤلاء يغيرون ديننا؟ مثل هذا لا يحسن ونحن عازمون على قبض هذا الرجل الذي خرج عن ديننا وقتله، فأجاب عليه الأمير بعل جادة بجواب أهل العقول الراجحة والآراء الناصحة: ألقى الله ذلك في قلبه وقذفه في لبه، فقال له هؤلاء العرب: أهل مروءة وأهل نجدة وشهامة، يرضيهم القليل، ويغضبهم القليل، وما أظن أنهم يتركون هذا الرجل الذي دخل في دينهم يصل إليه مكروه، لو ذهبوا عن آخرهم، وأي فائدة لنا ولك بمثل ذلك والإساءة إلى أضياف الملك، هذا معنى جوابه الذي سمعه بعض من كان متعلقا بخدمتنا من أهل الحبشة، بينه لنا باللسان العربي، فكفه بذلك وأذله الله عز وجل، ثم إن هذا الأمير ببلاد السحرت أمر أهل بلاده كذلك بالحضور لحمل أثقالنا، ثم طلب منهم جيشا عظيما لصحبتنا في الطريق؛ لأجل الخوف فحضر منهم نحو ألفي رجل بالحراب والخيل، وتوجهنا من بلاده فسار بنا نحو خمس مراحل حتى اتصلنا ببلاد (أبرقلي) وهي بلاد وعرة، وجبال عالية، وأوهاط منخفضة، فتلقانا أمير هذه البلاد رجل اسمه (قباقسطوس) فسارع بتجهيزنا من بلده لحقارتها، وارتحلنا منها وسار بنا سيرا متصلا، ومراحل متسعة، قدر سبع مراحل، كلها خايفة، وله عيون يسيرون معنا في روؤس الجبال، ووجدنا بين هذه الجبال نهرا عظيما من آيات الله الباهرة، تلحق حكمه بنحو نيل مصر وسيحون وجيحون، وفيه حيوانات البحر العظيمة، ولقد[87/أ] وصلنا إليها وظهر لنا شيء كالقبة العظيمة، بين الماء في جانب النهر، فخيل لنا أنها صخرة، فلما وصلنا إليها وجدناها حيوانا ميتا يقال له: فرس البحر، الله أعلم ما عرض لها فأهلكها، وهي في الكبر والعظم ما لا أعرف له نظيرا في الحيوان، وهذا النهر لا يتمكن المار منه من قطعه إلا من أمكن مخصوصة، متسعة في عرضها يتبسط فيها الماء، ثم تكون مستوية لا ينحدر فيها الماء؛ لأنه مع الإنحدار تكون له قوة، فإذا كان المكان على هذه الصفة سلك فيه المار والماء يتصل بركاب الفرس السامي، ومقدار العرض في قياس مائة ذراع، وهذا النهر ينصب ماؤه في نيل مصر، على ما حكاه لنا بعض أهل الحبشة، فسبحان الملك القدير الذي أظهر لنا عظيم قدرته، وأرانا عجايب حكمته وصنعته.

صفحہ 381