تحفہ الاسماع والابصار
تحفة الأسماع والأبصار
اصناف
ولما كان صباح الجمعة تاسع شهر شوال سنة أربع وخمسين وألف[1664م] وكنت قد أخبرت بعض الخواص بذلك، وأن يعرف الإمام بما عزم عليه صنوه من التسليم، فعمد للإجتماع مجلس عام لجميع أهل العلم، وأهل الفضل فمجلس الإمام -عليه السلام- إلى جنب أخيه -أيده الله- وصدره في المجلس وعليه السكينة والوقار والخشوع غاية من التواضع، وعليه عمامة صغيرة قدر أربعة أذرع وفرو صغير من أكسية حيس وقميص واحد، وتكلم بما لا أضبطه إلا بالمعنى، وهو أنه حمد الله تعالى بمحامده كلها، ثم صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأطال فيهما، ثم تكلم في الإمامة ولزومها، وقيام التعبد بها، وعلى التزام الحجة بأحكامها وشرايطها المجمع على اعتبارها، ثم ذكر صنوه وقال: هذا شيخنا وكبيرنا ولا يزال بين الأخوة شيء، وكذا ساير القرابة، وهذا أخي والحمد لله لم يكن بيني وبينه شيء من ذلك بخلاف إخوتي، فقد ربما يكون شيء، وقد قام بهذا الأمر وأنا أعلم قصوره عنه بما يطول، وأنتم يا إخوان تعلمون ذلك وأنا أعرض عليكم صحة ما أقوله إن شئتم، وإلا فقد جرت الأمور إلى ما ترون، وأنا الآن أعطي من نفسي ما بذلته بالأمس فمن كان في شك مما دعوت إليه، فهو معذور عن البيعة[41/ب] ممهل في النظر، فإن يجد مخرجا عن هذه الإمامة فلست عليه بوكيل، والخطاب إليه والحق لله سبحانه وتعالى، وأكثر من الكلام مما هذا معناه، وتكلم مولانا أحمد -أطال الله بقاه- وقال ما معناه: إني لم أسارع في هذا الأمر منافسة في الرياسة، وإنما قصدت حفظ الموجود، والقيام بالمعهود، وتأكدت الحجة والعقود، برأي من عرفتهم من هذه العيون، وتعويلهم علي في القيام، والآن فقد عرفت عدم إجابتي، وقد أبليت إلى الله معذرتي، وأنا راضي ببيعة أخي، ولا أشرط عليه إلا حفظ أهل البيعة الأولى، وأن لا يسلط عليهم أهل الأهواء، ثم قال متمثلا بما قاله الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام المنصور بالله -عليه السلام- في بيعة الإمام أحمد بن الحسين -عليه السلام-:
رضنياك للدنيا وللدين فارتفع ... على النجم مسموعا لك النهي والأمر
فقال الإمام -عليه السلام-: وعلي من ذلك ما استطعت، ثم بايعه مولانا أحمد وتلاه مولانا صارم الدين إبراهيم بن أحمد بن عامر، ثم القاضي شمس الإسلام أحمد بن سعيد الدين، وقال: لم يكن بيننا وبين الحق عداوة، وإنما أردنا نفع الإسلام وجمع كلمة الأنام، وقد حصل والحمد لله كثيرا، ثم تلاه السيد العلامة محمد بن الحسن بن شرف الدين الحمزي الكحلاني، ثم القاضي العلامة جمال الدين علي بن سعيد الهبل الخولاني، ثم من حضر ممن لم يبايع قبل ذلك، وسر المسلمون بهذا الإتفاق بعد الشقاق، وسارت الكتب بعد ذلك شرقا وغربا وبعدا وقربا، وكان ذلك في يوم الجمعة تاسع شهر شوال عام أربع وخمسين وألف [1644م].
صفحہ 248