فلما وصل رسوله غليهم هالهم أمره وعظموا رسالته إليهم مع قلة عسكره وكثرتهم وما هم فيه من القوة والمنعة؛ وزادهم غيظا وحنقا وردوا عليه أقبح رد. فعند ذلك زحف عليهم مالك في خيله ورجاله وسار حتى وطئ أرضهم؛ واستعدت الفرس لقتاله ومعهم الفيلة فلما قربوا من معسكره عبأ أصحابه راية راية؛ وكتيبة كتيبة؛ وجعل على الميمنة ابنه هناة بن مالك وجعل على الميسرة فراهيد وقام هو وبقية أولاده في القلب؛ والتقوا هم والفرس فاقتتلوا قتالا شديدا ودارت رحا الحرب بينهم كأشد ما يكون مليا من النهار؛ ثم انكشفت العجم؛ وكان معهم فيل عظيم فتركوه فدنا منه هناة فضربه على خرطومه فولى وله صياح , وتبعه معن بن مالك فعرقبه فسقط.
ثم أن العجم ثابوا وتراجعوا وحملوا على الأزد حملة رجل واحد؛ فجالت الأزد جولة ونادى مالك يا معشر الأزد اقصدوا إلى لوائهم فاكشفوه من كل وجه؛ وحمل بهم على العجم حملة رجل واحد حتى كشفوا اللواء , واختلط الضرب؛ والتحم القتال؛ وارتفع الغبار؛ وثار العجاج حتى حجب الشمس فلم تسمع إلا صليل الحديد ووقع السيوف؛ وتراموا بالسهام فتفصدت؛ وتجادلوا بالسيوف فتكسرت؛ وتطاعنوا بالرماح فتحطمت وصبروا صبرا جميلا , وكثر الجراح والقتل في الفريقين.
صفحہ 22