ثم أن المرزبان أمر أن ينفخ في البوق الذي يؤذن فيه بالحرب وأن يضرب الطبل وركب في جنوده وعساكره وخرج من صحار في عسكر جم , فيقال أنه كان في زهاء أربعين ألفا ويقال ثلاثون ألفا , وخرج معه بالفيلة وسار يريد الجوف في لقاء العرب , فعسكر بصحراء سلوت وبلغ ذلك مالكا ومن معه , فركبوا جميعا وكانوا في زهاء ستة آلاف فارس وراجل , وعلى مقدمته ابنه هناة في ألفي فارس من صناديد الأزد وفرسانها , فأقبل في تلك الهيئة حتى أتى صحراء سلوت فعسكر بإزاء عسكر المرزبان , فمكثوا يومهم ذلك إلى الليل ولم يكن بينهم حرب ولا قتال , ثم أن مالكا بات ليلته تلك يعبئ أصحابه يمنة ويسرة وقلبا , ويكتب الكتائب ويوقف فرسان الأزد مواقفهم , فولى الميمنة هناة بن مالك , وولى المسيرة ابنه فراهيد بن نالك , وصار هو في القلب في أهل النجدة والشدة من أصحابه , وبات المرزبان يعبئ ويكتب كتائبه حتى إذا أصبحوا تواقفوا للحرب وقد استعد كل واحد من الفريقين.
وركب مالك ابن فهم فرسا له أبلق وظاهر بين درعين ولبس غليهما غلالة حمراء , وتكمم على رأسه بكمة حديد , وتعمم عليها بعمامة صفراء , وركب معه ولده وفرسان الأزد على تلك التعبئة , وقد تقنعوا بالدروع والبيض والجوشن , فلا يبصر منهم إلا الحدق , فلما تواقفوا للحرب جعل مالك بن فهم يدور على أصحابه راية راية , وكتيبة كتيبة , ويقول يا معشر الأزد أهل النجدة والحفاظ حاموا عن أنفسكم , وذبوا عن مآثر آبائكم , وقاتلوا وناصحوا ملككم وسلطانكم , فإنكم إن انكسرتم وهزمتم اتبعتكم العجم في كافة جنودكم فاختطفوكم واصطادوكم بين كل حجر ومدر , وباد عنكم ملككم وزال عنكم عزكم وسلطانكم , فوطنوا أنفسكم على الحرب وعليكم بالصبر والحفاظ , فإن هذا اليوم له ما بعده.
صفحہ 18