لأنه (ع) وسع في المسكوت عنه وضيق في الشبهات فدخوله فيها يوجب التناقض في الكلام والصحيحة إنما تضمنت الأمر بالاحتياط عن الفتوى في المسائل الشرعية للجاهل بأحكامها ولا دلالة فيها على أكثر من ذلك و هذا معنى متفق عليه لا ارتباط له بموضع البحث هذه خلاصة كلماتهم مع تتميم وفصل الخطاب في هذا الباب يتوقف على تحرير محل النزاع أولا فاعلم أنه إن أريد بالنص المنفي فيما لا نص فيه النص الخاص بالأمر المبحوث عنه فاطلاق الحكم باندراجه في الشبهات ممنوع كما أن اطلاق الحكم بخروجه عنها كذلك وذلك لانقسامه إلى قسمين أحدهما ما لا يمكن ادراجه تحت شئ من عمومات الكتاب والسنة وهذا من الشبهات والمشكلات الذي التي يرد علمها إلى الله ورسوله ويحتاط فيها في العمل والآخر ما يمكن ادراجه تحت شئ منها وهذا يشمله حكم ذلك العموم ويلتحق بأحد الأمرين البينين ما لم يتعارض فيه عمومان وحينئذ يندرج في الشبهات ويحتاط فيها علما وعملا وانحصار البيان في النص الخاص ممنوع كما يشهد بذلك مراجعة طريقة السلف الصالح رضوان الله عليهم وتبين من هذا البيان حال ما لو أريد بالنص ما يعم العمومات وحمل الكلام على المهملة مما يخل بفائدته على أن حديث تقسيم الأمور مشتمل على صريح الحصر ونقله (ع) بعد ذلك حديث التثليث في مقام الاستدلال كما هو الظاهر كالصريح في إرادة التقسيم الحاصر وإلا لاختل الاستدلال فظهر أن اخراج ما لا نص فيه عن مجرى التقسيم وتخصيصه بغير المسكوت عنه غير جيد واطلاق الحكم بأن المسكوت عنه وهو ما لا نص فيه مباح للعمومات الدالة على إباحة ما لا نص فيه غير مقبول بل الوجه التفصيل بأنه إن شملته عمومات الإباحة فهو مباح بين الحكم غير مسكوت عنه كما قدمنا وإن لم تشمله كما في مسألة عبد الرحمن فلا معنى للحكم بالإباحة والقول بأنها خارجة عن المبحث فكلام خال عن التحصيل لأن المسألة المجهولة الحكم لا شبهة أنها عند الجاهل بها مما لا نص فيه لأن المراد به ما لم يبلغنا فيه عن الشارع حكم معين لا ما ليس له حكم في الواقع لأنه لا وجود له في نفس الأمر إذ ما من شئ إلا ورد فيه كتاب أو سنة وإن لم يبلغنا كله كما تظافرت به الروايات وهذا من الأمر بين الأمرين فليكن منك على ذكر وأما المسكوت عنه في حديث أمير المؤمنين (ع) فيشبه أن يكون المراد به ما ليس له ذكر صريح في ظاهر القرآن مثل الكلام في حقيقة الروح والبحث عن ماهية كلام الله وحدوثه وقدمه وغير ذلك من الصفات مما يخوض فيه الفضوليون من القاصرين وقد وضعه الله عنهم رحمة لهم و يسرا بهم فإن تكلف ذلك منهي عنه ولا سيما للنفوس الناقصة بل الأصلح لهم الاكتفاء بالايمان المرسل والتصديق المجمل وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله مر بأصحابه وهم يخوضون فغضب حتى احمرت وجنتاه ثم قال أفبهذا أمرتم تضربون كتاب الله بعضه ببعض انظروا إلى ما أمركم الله به فافعلوا وما نهيكم عنه فانتهوا وعن أبي عبد الله (ع) في جواب من سأله أن يكتب إليه بالمذهب الصحيح في التوحيد اعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات فانف عن الله البطلان والتشبيه هو الله الثابت الموجود تعالى الله عما يصفه الواصفون ولا تعدوا القرآن فتضلوا بعد البيان وفيهما دلالة واضحة على ما قلناه وإذ لا سبيل لنا إلى القطع في الشبهات لابهام المأخذ واظلام المسلك فالأمور بحسب القسمة الحاصرة الأولى بالنسبة إلينا قسمان محكم ومتشابه وبحسب الثانية ثلاثة أقسام هذا في الحلال والحرام وكذلك في الفرض والنفل ففرض بين ونفل بين وشبهات يتردد أمرها بينهما من أتى بها نجا يقينا من ترك الفرايض احتمالا ومن تركها وقع فيه فهلك من حيث لا يعلم ومن هنا يعلم أنه كلما وقع الاشتباه بين فعلين وجوديين يعلم وقوع التكليف بأحدهما يقينا ولا يعلم يقينا فالأخذ باليقين يأتي بهما جميعا تحريا للنجاة وحذر من الوقوع في ترك الفرائض يقينا وما يقال في المنع من أن الاتيان بفرد من الأفراد المشكوكة ينفي اليقين ببقاء التكليف وينفي احتماله بالأصل فتشكيك شارح الدروس لا يلتفت إليه الحازم الورع وإذ قد بينا الأمر في الأحكام الشرعية على أساس التثليث واقتصرنا في مداركها على القرآن والحديث فارتفع الخلاف أو قل ونجونا عما نهينا عنه من القول بالرأي والجزاف إلا من زل فإن أكثر الاختلافات الواقعة في الفروع إنما نشأت من الخوض في المتشابهات التي يضطر الناظر فيها إلى الاستمداد بالرأي المتلون السيال الذي لا يقف على حد ولا على حال ومن ثم ترى اختلاف الفتوى عن عصابتنا الأخباريين أقل منه عن الأصوليين لابهامنا ما أبهم الله وسكوتنا عما سكت الله و اقتصارنا على البين المحكم وردنا ما سواه إلى الله والرسول وأولي الأمر فإنهم أعلم وفي الحديث من عمل بما علم كفى ما لا يعلم قال المصنف طاب ثراه في سفينة النجاة ولعلك تقول إن الحكم في كل مسألة واحدة في نفس الأمر كما هو مذهب أهل الحق والأحكام الشرعية إنما تراد معرفتها للعمل وحاجة المكلفين إليها جميعا سواء فما الوجه في اخفاء بعض المسائل وابهامه فتقول إن الحكمة في أكثر الأمور الشرعية غير معلومة لنا إلا أنه يمكننا أن نشير ههنا إلى ما يمكننا يكسر سورة استبعادك بأن نقول يحتمل أن يكون من الحكم في المتشابه المحتاط فيه أنه يتميز المتقي المتدين باحتياطه في الدين وعدم رتاعه حول الحمى خوفا عن الوقوع فيه ممن لا تقوى له ويجترئ في الرتاع حوله ولا يبالي بالوقوع فيه فتتفاضل بذلك درجات الناس ومراتبهم في الدين فكما أن تارك الشبهات في الحلال والحرام وفاعلها في الفرض والنفل ليس كالهالك من حيث لا يعلم فكذا الهالك من حيث لا يعلم ليس كالهالك من حيث يعلم فالناس ثلاث فرق مترتبين وأن يكون من الحكم في المتشابه المخير فيه أن يتوسع التكليف لجمهور الناس باثبات التخيير في كثير من الأحكام وهذه رحمة من الله عز وجل وبه تختلف مراتب التكليف باختلاف مراتب الناس في العقل والمعرفة ولعل أمير المؤمنين (ع) إلى هذا أشار بقوله فلا تكلفوها رحمة من الله لكم فاقبلوها وما لا نعلم من الحكم أكثر مما نعلم هذا كلامه زيد اكرامه ولا تعبؤ فيما لا يتسامح فيه بقول من لا نقف على برهان له به من الكتاب والسنة وإن كان ذلك القول في الأخيرين مشهورا لأن أكثر الأقوال المشهورة بين الآخرين إنما حدثت شهرتها من الشيخ الطوسي (ره) كما حققه العلامة والشهيد الثاني (رض) وذلك لأن الفقهاء الذين نشؤوا بعده كانوا يتبعونه ولا يجترؤون على مخالفته لكثرة اعتقادهم فيه وحسن ظنهم به فكانوا يفتون ويعملون
صفحہ 6