حقيقة وأن على كل صواب نورا وهي غير عزيزة في روايات أئمتنا صلى الله عليه وآله يعرف ذلك من له أنس بكلامهم والباذل جهده في تتبع الأخبار والإحاطة بها يستشهد ببعضها على بعض ويسهل عليه الأمر جدا ولتتبع أقاويل العامة ومعرفة ما حكامهم وقضاتهم إليه أميل في كل عصر من أعصار الأئمة (ع) مدخل عظيم في ذلك فإن أكثر اختلاف رواياتنا إنما جاء من تلك الجهة كما صرح به الشهيدان وغيرهما و الحمل على التقية أظهر الوجوه التي ترتفع بها المنافاة غالبا بل كثيرا ما يقترن الخبر بما ينادي بالتقية في مضمونه كما لا يخفى على الممارس وأورد هنا أن مذهب الإمامية في حل الأحكام موافق لمذهب من المذاهب الأربعة ولا سيما مذهب الشافعي وكلهم مصونه فيمكن الفتوى في أكثر الأحكام بالحق من غير تقية غايته أن تكون الفتوى خطأ بزعم أكثرهم وإن كانت صوابا عند بعضهم مع اتفاق كلهم على نفي التخطئة وعدم التفسيق وفيه أنه اجتهاد في مقابلة النصوص المستفيضة التي تقدم شطر منها بل ورد الأمر بمخالفتهم في غير صورة التعارض أيضا روى الشيخ في التهذيب والصدوق في عيون الأخبار وعلل الشرايع عن علي بن أسباط قال قلت له يعني الرضا (ع) يحدث الأمر من أمري لا أجد بدا من معرفته وليس في البلد الذي أنا فيه أحد استفتيه من مواليك فقال (ع) ائت فقيه البلد فاستفته في أمرك فإذا أفتاك بشئ فخذ بخلافه فإن الحق فيه وفي العلل عن أبي عبد الله (ع) قال أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة فقلت لا أدري فقال إن عليا لم يكن يدين الله بدين إلا خالفته عليه الأمة إلى غيره إرادة ابطال أمره وكانوا يسألون عن أمير المؤمنين (ع) عن الشئ فإذا أفتاهم جعلوا له ضدا من عندهم ليلبسوا على الناس وفي التهذيب في الموثق عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال ما سمعته شيئا يشبه قول الناس فيه التقية وما سمعت مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه ومن العجب أن معظم تأويلهم في باب الترجيح إنما هو على رواية بن حنظلة وقد تلقوها بالقبول وسموها المقبولة وإن كان لهم فيه كلام وهي مشتملة على هذا الوجه بأبلغ الوجوه مع أن اتفاق القوم على التصويب ممنوع لاشتهار الخلاف فيه بينهم كما نقله العلامة منا والعضدي منهم بل نقل بعض متأخريهم أن المذهب المختار للفقهاء الأربعة التخطئة واهتمام علمائهم في كل عصر بانتشار أقاويلهم وحرصهم على عمل الناس بها وحمل السلطان على ترويجها وايصال الأذى والضرر إلى من خالفها وعدل عنها مما امتلأت به كتب السير خصوصا في حق أئمتنا الطاهرين صلوات الله عليهم إذ كانوا متهمين عندهم بالمخالفة ومحسودين على ما آتاهم الله من فضله وظنونهم سيئة فيهم فكانوا مضطرين إلى التحبب إليهم باظهار الموافقة لهم ومداراتهم بالقول والعمل بالمشتهر في كل عصر من مذاهبهم وبالجملة فهذا من القطعيات التي لا يحوم حولها شك وقد ورد في بعض الأخبار ترجيح الأحدث روى ذلك ثقة الاسلام عن المعلي بن خنيس قال قلت لأبي عبد الله (ع) إذا جاء حديث عن أولكم وحديث عن آخركم بأيهما نأخذ فقال خذوا به حتى يبلغكم عن الحي وإن بلغكم عن الحي فخذوا بقوله قال الكليني وفي حديث آخر خذوا بالأحدث وعن الحسين بن مختار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال أرأيتك لو حدثتك بحديث العام ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بأيهما كنت تأخذ بالأخير فقال لي رحمك الله ولعل الوجه في ذلك فيما لو كان الأسبق بنويا ما ورد في موثقه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله صلى الله عليه وآله لا يتهمون بالكذب فيجئ منكم خلافه قال إن الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن وأما في غيره فإن تغاير المروي عنه فلان المتأخر منهم (ع) أعلم بمقاصد آبائه الطاهرين وأعرف بواقع كلامهم كذا قيل وهو يجري في صورة اتحاده أيضا وقيل إن الأزمنة تختلف في مراعاة مصلحة التقية وهو أعلم بذلك فيتكلمون في كل وقت بما تقتضيه مصلحة ذلك الوقت وهذا أحد معاني قول أبي عبد الله (ع) وقد سئله منصور بن حازم ما بالي أسئلك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب ثم يجيئك غيره فتجيبه فيها بجواب آخر فقال إنا نجيب الناس على الزيادة والنقصان فليس لأحد أن يأخذ في العام بما حكم به عام أول فيختص العمل به بزمن الحضور دون هذه الأزمنة وهو قريب في رواية بن المختار ومن الصريح فيه رواية أبي عمرو الكناني قال قال لي أبو عبد الله (ع) يا أبا عمرو أرأيتك لو حدثتك بحديث أو أفتيك بفتيا ثم جئتني بعد ذلك فسألتني فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك بأيهما كنت تأخذ قلت بأحدثهما وأدع الآخر فقال قد أصبت يا أبا عمرو أبى الله أن يعبد إلا سرا أما و الله لئن فعلتم ذلك أنه لخير لي ولكم أبى الله لنا ولكم في دينه إلا التقية واعلم أن المشهور بين الأصحاب أنه لا معارضة بين عام وخاص ولا مطلق ومقيد ولا مجمل ومبين بل يبنى كل من الأدلة على ما يقابله عملا بالدليلين وقال الصدوق في اعتقاداته اعتقادنا في الحديث المفسر أنه يحكم على المحمد كما قال الصادق (ع) وكثيرا ما يبنى على هذه القاعدة في الفقيه وربما يقال وجوب حمل المطلق على المقيد ليس بمسلم مطلقا لأن في حمل المطلق على المقيد لا بد من ارتكاب خلاف ظاهر البتة فلو جاز تأويل في المقيد لم يكن ارتكاب خلاف الظاهر فيه أكثر منه في الأول لم يتعين حمل المطلق على المقيد بل مع التساوي ويحكم بالتوقف ومع النقصان يرتكب التأويل في المقيد انتهى وهو راجع إلى ما قلناه بقي الكلام في التدافع الواقع بين ما تضمن الارجاء عند تعذر الترجيح وما تضمن التخيير وربما يرفع بتخصيص الأول بالعبادات والثاني بالماليات ولا يعرف له وجه أو تخصيص الأول بمن يمكنه ذلك ويرجو اللقاء والثاني بغيره فيكون هو الحكم زمن الغيبة أو أن الارجاء والتوقف إنما هو في العلم والتخيير والتوسعة في العمل وهو ظاهر شيخ الأجل محمد بن يعقوب الكليني مجدد المذهب في المائة الثالثة بعد أبي جعفر الباقر (ع) في المائة الأولى وأبي الحسن الرضا (ع) في المائة الثانية على ما ذكره علماء الفريقين (رض) حيث قال في أول كتابه الذي لا يوجد له في كتب الاسلام عديل اعلم أرشدك الله أنه لا يسع أحدا تمييز شئ مما اختلفت الروايات فيه عن العلماء برأيه إلا على ما أطلقه العالم بقوله عليه السلام
صفحہ 15