فاغفر جريمة من خست هديته ... وتلك منه على مقدار قدرته
وكتب آخر مع هدية أهداها ليلا:
بعثت عشيا إلى سيد ... بما هو من خلقه مقتبس
هدية خل صحيح الإخاء ... جرى منه ذكرك مجرى النفس
فجد بالقبول وأيقن بأن ... لفرط الحياء أتت في الغلس
آخر:
يأيها المولى الذي ... عمت أياديه الجميلة
أقبل هدية من يرى ... في حقك الدنيا قليلة
آخر:
قد بعثنا إليك الل ... هـ بشيء فكن له ذا قبول
لا تقسه على ندى كفك الغم ... ر ولا نيلك الكثير الجليل
فاغتفر قلة الهدية منى ... إن جهد المقل غير قليل
ومن ظرائف الهدايا التي هي من أحسن ما يسطر في الصف ويذكر، ما يروى: أن يحيى بن خالد بن برمك عزم على ختان ولده فأهدى إليه وجوه الدولة كل منهم بحسب حاله وقدرته، فصنع بعض المتجملين العاجزين خريطتين وملأ إحداهما ملحا مطيبا وملأ الأخرى سعدا معطرا، وكتب معهما رقعة فيها: "لو تمت الإرادة لأسعفت العادة، ولو ساعدت القدرة على بلوغ النعمة لتقدمت السابقين إلى خدمتك وأتعبت المجتهدين في كرامتك، لكن قعدت بي القدرة عن مساواة أهل النعمة، وقصرت بي الجدة عن مباهاة أهل المكنة، وخشيت أن تطوى صحيفة البروليس لي فيها ذكر فأنفذت المفتتح بيمنه وبركته وهو الملح والمختتم بطيبه ونظافته وهو السعد، باسطا يد المعذرة، صابرا على ألم التقصير متجرعا غصص الاقتصار على اليسير، والقائم بعذري في ذلك (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج) والخادم ضارع في الامتنان عليه بقبول خدمته ومعذرته والإحسان إليه بالإعراض عن جراءته، والرأي أسمى. " ثم دخل دار يحيى ووضع الخريطتين والرقعة بين يديه فلما قرأ الرقعة أمر أن تفرغا وتملأ إحداهما دنانير والأخرى دراهم.
* * * ومن الحكايات المستظرفة: ما يحكى أن بعض القيان افتصدت فأهدى لها محبوها هدايا فكان من جملتهم من أهدى ثلاث سلال مخيطة ففتحت سلة منها فوجدتها مملوءة ماشا وفيها رقعة مكتوب فيها: ماش خير من لاش. وفتحت الأخرى فإذا هي مملوءة عصافير فطاروا، وفيها رقعة مكتوب فيها: "هذه أعتقتها لوجه الله تعالى شكرا له على سلامتك من فصدك" وفتحت الأخرى فإذا هي فارغة لا شيء فيها إلا رقعة مكتوب فيها: "لو كان لنا شيء لأهديناه" فضحك من كان حاضرا، ولم تدع القينة شيئا مما أهدى غليها إلا أعطته منه.
(اعتذار من لم يهد شيئا)
تأنق في الهدية كل قوم ... غليك غداة شربك للدواء
فلما أن هممت بها مدلا ... لموضع حرمتي بك والإخاء
رأيت كثير ما أهدى قليلا ... لديكم فاقتصرت على الدعاء
آخر:
إن أهد نفسي فهو مالكها ... ولها أصون كرائم الذخر
أو أهد مالا فهو واهبه ... وأنا الحقيق عليه بالشكر
أو أهد شكرا فهو مرتهن ... بجميل فعلك آخر الدهر
آخر:
وافق المهرجان حاشاك منى ... رقة الحال وهي داء الكرام
فاقتصرنا على الدعاء وفيه ... عون صدق على قضاء الذمام
آخر:
هديتي تقصر عن همتي ... وهمتي تفضل عن مالي
فخالص الود ومحض الولا ... أحق ما يهديه أمثالي
* * * وكان في قلب الأمين من إسحق الموصلي شيء فأهدى له جارية فردها، فكتب إليه إسحق:
هتكت الضمير برد اللطف ... وكشفت أمرك لي فانكشف
فإن كنت تحقد شيئا مضى ... فهب للخلافة ما قد سلف
وجد لي بالعفو عن زلتي ... فبالفضل تأخذ أهل الشرف
فلم يفعل فكتب إليه:
أتيت ذنبا عظيما ... وأنت أعظم منه
فخذ بحقك أولا ... فامنن بصفحك عنه
١٧- نهاية الأرب -لشهاب الدين النويري (المتوفي ٧٣٣ هـ)
طبعة دار الكتب المصرية ١٣٤٧١٩٢٩
وأهدى ابن الحرون إلى بعض إخوانه أقلاما، وكتب إليه:
1 / 40