وعدد رجل دعبلا نعلا يهديها إليه عند قدمه من الحج فأبطأت عليه فقال دعبل الخزاعي:
وعدت النعل ثم صدفت عنها ... كأنك تشتهي شتما وقذفا
فإن لم تهد لى نعلا فكنها ... إذا أعجمت بعد النون حرفا
* * * وأخبرني أبو أحمد عن أبيه عن أحمد بن أبى طاهر قال كتب إلى أبو على البصير بستهديني بخورا كنت أهديت منه إلى بعض إخواني، والأبيات:
يا شقيقي ويا خليلي إباء ... المرجى لكل خير ومير
أنت من أطيب الأنام بخورا ... غير أنى شممته عند غيري
وهو جم لديك فابعث بدرج ... منه إن لم أكن تعديت طوري
فكتبت إليه:
قد بعثنا إليك منه بدرج ... وأزرناك منه أطيب زور
بين ند وبين عود مطرا ... ما له مشبه بنجد وغور
أنت منه أزكى وأطيب عرفا ... وهو أزكى من كل طيب ونور
ما تعديت فيه طورك عندي ... فتبخر منه بأيمن طير
* * * وحدثني أبو أحمد عن أبيه عن أحمد قال حدثني أبو دعامة الشاعر قال كتب العتابي إلى مالك بن طوق يستزيده ويستهديه ويدعوه على صلة الرحم والقرابة بينه وبينه وكان مما كتب: إن قرابتك من قرب منك خيره وإن ابن عمك من عم نفعه وإن عشيرتك من أحسن معاشرتك وإن أحب الناس إليك أجداهم بالمنفعة عليك وإن أهداهم إلى مودتك من أهدى إليك، ولذلك أقول:
ولقد بلوت الناس ثم سبرتهم ... ووصلت ما قطعوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعا ... وإذا المودة أقرب الأنساب
٨- اللطائف والظرائف في الأضداد -للثعالبي (المتوفي ٤٢٩ هـ) جمع بينه وبين اليواقيت الإمام أحمد المقدسي طبع بمصر ١٣٣٤ هـ
باب مدح الهدية
في الخبر المرفوع: (تهادوا تحابوا)، وفيه (تصافحوا فإن التصافح يذهب غل الصدور، وتهادوا فإن الهدية تسل السخيمة) . قال الشاعر:
إن الهدية حلوة ... كالسحر تجتلب القلوبا
تدنى البعيد من الهوى ... حتى تصيره قريبا
وتعيد معتضد العدا ... وة بعد نفرته حبيبا
وقال ابن عائشة: الهدية سنة الله ﷺ وأدب الملوك وعمارة المودة بين الإخوان. وكان يقال: أهدوا للولاة فإنهم إن لم يقبلوا أحبوا.
وكان الفضل بن سهل ذو الرياستين يقول: ما أرضى الغضبان، واستعطف السلطان، ولا سلت السخائم، ولا رفعت المغارم، ولا استميل المحبوب، ولا توقى المحذور بمثل الهدية. ومن أحسن ما قيل في الإهداء إلى الملوك قول أحمد ابن يوسف المأموني:
على العبد حق لا بد فاعله ... وإن عظم المولى وجلت فضائله
ألم ترنا نهدى إلى الله ماله ... وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله
وكتب بعض الكتاب إلى صديق له: وجدت المودة منقطعة ما دامت الحشمة عليها مسلطة، وليس يزيل سلطان الحشمة إلا المؤانسة، ولا تقع المؤانسة إلا بالمهاداة والملاطفة.
* * * وكتب أبو العيناء إلى بعض الوزراء: قد بعثت إلى الوزير بباكورة عنب، فإن كنت سبقت المهدين لها فلي فضل السبق، وإن كنت مسبوقا فلي فضل النية. ويقال: من قدم هديته نال أمنيته، ومن قدم المئونة ظفر بالمعونة. وقال بعض السلف: نعم الشيء الهدية أمام الحاجة. وقال آخر: الهدية تفتح الباب المغلق. وقال آخر: الهدايا تذهب الشحناء. والهدية رزق الله فمن أهدى إليه فليقبله. وقال بعض العلماء: لعظم خطر الهدية وجلالة قدرها على وجه الدهر قالت ملكة سبأ: (وإني مرسلة غليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون) وقال الشاعر:
للهدايا في القلوب مكان ... وحقيق بحبها الإنسان
وقال الشاعر:
إذا دخل الهدية دار قوم ... تطايرت العداوة من كواها
باب ذم الهدية
أهدى إلى عمر بن عبد العزيز هدية فردها فقيل له: إن النبي ﷺ كان يقبلها فقال: كانت له الهدية هدية وهي لنا رشوة، وقد لعن الله الراشي والمرتشي والرائش. وقال بعض السلف: الهدية للعامل غلول، وفي عمل السلطان رشوة. وأهدى على دهقان هدية فكرهها وأظهر الجزع فعاتبه بعض من صاحبه، فقال: لئن كان ابتداني بها إنه ليدعوني إلى أن أتقلد منه منة، ولئن كافأني على معروف لي عنده إنه ليسألني أخذ ثمن ذلك، فمن أي هذين لا أجزع! ٩- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب -للثعالبي
القاهرة ١٣٢٦١٩٠٩ م
1 / 34