والخطأ الثالث: أنا نقول معاشر المثبتين كلما أثبتّموه هو الحال عندكم فأرونا موجودا في الشاهد، والغائب، هو ليس بحال لا يوصف بالوجود ولا بالعدم، فإن الوجود الذي هو الأعم الشامل، القديم والحادث عندكم حال والجوهرية والتحيز، وقبوله للأعراض والعرضية واللونية والسوادية.
وأخص وصف هذا السواد بعينه، كلها أحوال، فليس على ما يقتضي مذهبكم شيء ما في الوجود ليس بحال وإن ثبت ليس بحال، فذلك الشيء يشتمل على عموم وخصوص، والأخص والأعم عندكم حال فإذا لا شيء إلا شيء، ولا وجود إلا لا وجود، وهذا أمحل المحال.
فالحق إذًا في المسألة أن الإنسان يجد من نفسه ضرورة تصور أشياء كلية عامة مطلقة دون ملاحظة جانب الألفاظ جانب الأعيان، ويجد من نفسه اعتبارات عقلية لشيء واحد، وهي إما أن ترجع إلى الألفاظ المجردة، وقد أبطلناها. وإما أن ترجع إلى الأعيان الموجودة المشار إليها وقد زيفناها فلم يبق إلا أن يقال: هي معان موجودة محققة في ذهن الإنسان والعقل الإنساني هو المدرك لها من حيث هي كلية عامة، ولا وجود لها في الأعيان فلا موجود مطلقا، في الأعيان، ولا عرض مطلقا ولا لون مطلقا، بل هي في الأعيان بحيث يتصور العقل منها معنًى كليا عاما، فتصاغ له عبارة تطابقه، وتنص عليه، ويعتبر العقل فيها معنى ووجها، فتصاغ له فيها عبارة حتى لو طاحت العبارة، أو تبدلت لم يبطل المعنى المقدر في الذهن المتصور في العقل.
1 / 65