شك أن الرضى والمحبة يطلقان على الإرادة، ويطلقان على رقة وتحنن، وتعقب ذلك في مقتضى العادة إرادة إحسان بمن تحنن عليه، ثم إن كانت المحبة هي الإرادة لا يجوز أن يقال: إن الباري محبوب لأوليائه؛ لأنه لا يصح أن يكون مرادًا، فإن الإرادة إنما تتعلق بمتجدد من حيث إنه متخصص ببعض وجوه الجواز، ويتعالى عن ذلك الأزلي ويتقدس.
والتحقيق في هذا الفصل أن المحبة بمعنى الإرادة، والإرادة أيضا لفظ مشترك يطلق على الشهوة والميل، ويطلق على القصد، فأما القصد فلا يصح أن يتعلق به تعالى. وأما الميل فقال إمام الحرمين (١): يستحيل أن يمال إليه.
وقرر ذلك بأن الميل إنما يتعلق بالخطوط البشرية، ولا حظ للعبد في نفس الذات، وهذا لا يصح، بل يجد الإنسان ميلا لمن أحسن، ولا يحسن في الحقيقة إلا هو، فمن لاحظ نعمه، وأدام ذكرها في قلبه، وعرف إحسانه إليه، فيضطر إلى معرفة ثبوت ميل في ذاته يحسه في نفسه كما يحس آلامه ولذاته.
وقد نجد الواحد منا يميل لعالم زاهد سمع بذكر كماله وجوده، وإن لم ينله منه إحسان، فثبت أن الميل لا يمتنع أن يتعلق بالله تعالى. فتأمله. (هـ كلام المقترح).
فحصل منه أن الرضى والمحبة شيء واحد وهما الإرادة في
_________
(١) إمام الحرمين، الإرشاد ص١٠٣ بتصرف.
1 / 19