ومع أن هذا " التجميد " للماضي انتصار على الزمن وتشبث بالبقاء، ببقاء اللحظة الجميلة، عند المحبوبة، فإنه ليس إلا وهما في نظر المحب، ولا مخرج من هذا الوهم إلا انتصار حقيقي، لا يتم دون ولادة طفل، فإنه هو الحقيقة الوحيدة التي تستطيع أن تنتصر على الزمن:
ويمر العمر مهزوما
ويعدي عند رجليه
ورجلينا الزمان
يقابل هذا الزمن الماضي الذي " تجمد " عند اللحظة الجميلة في نظر المحبوبة، زمن آخر متجمد، هو الحاضر، الذي يتمثل أحيانا في تحجره كأنه لا يسير:
وعرفت كيف تمط أرجلها الدقائق
كيف تجمد، تستحيل إلى عصور
وغدوت كهفا في كهوف الشط
يدفع ليل تحجر في الصخور
ذلك لأن الإنسان إنما يعيش حاضره في كهف، كهف نفسه أو كهف الواقع، وأن هذا الكهف نفسه هو جوف الحوت، ومع أن الظلمة ترين على أرجائه فإن الشاعر يعبر عن ضجره من استمرار الضوء؟ بعض الضوء - ويصرخ: " ومتى يحتضر الضوء المقيت "، لأنه ليس ضوءا منقذا قادرا على تبديد تلك الظلمة الشاملة، فهو يعلم يقينا أنه في جوف الحوت، في جو جحيمي السعير:
في مداه لا غد يشرق
لا أمس يفوت
غير آن ناء كالصخر على دنيا تموت