Treatise on the Natural Blood of Women
رسالة في الدماء الطبيعية للنساء
ناشر
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٢١هـ
پبلشر کا مقام
وكالة شئون المطبوعات والنشر
اصناف
[المقدمة]
رسالة في الدماء الطبيعية للنساء
بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله نحمدُه ونستعينهُ ونستغفرهُ، ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا.
أما بعد: فإن الدماء التي تصيبُ المرأة وهي الحيض والاستحاضة والنفاس، من الأمور المهمة التي تدعو الحاجة إلى بيانها ومعرفة أحكامها، وتمييز الخطأ من الصواب من أقوال أهل العلم فيها، وأن يكون الاعتماد فيما يرجحَ من ذلك أو يضعف على ضوء ما جاء في الكتاب والسنة.
١ - لأنهما المصدران الأساسيان اللذان تُبنى عليهما أحكام الله تعالى التي تعبد بها عباده وكلفهم بها.
٢ - في الاعتماد على الكتاب والسنة طمأنينةُ القلب وانشراحُ الصدر وطيب النفس وبراءة الذمة.
٣ - ما عداهما فإنما يحتجُّ له ولا يحتجُّ به.
1 / 3
إذ لا حجة إلا في كلام لله تعالى وكلام رسوله ﷺ وكذلك كلام أهل العلم من الصحابة على القول الراجح بشرط أن لا يكون في الكتاب والسنة ما يخالفه وأن لا يعارضه قول صحابي آخر، فإن كان في الكتاب والسنة ما يخالفه وجب الأخذ بما في الكتاب والسنة، وإن عارضه قول صحابي آخر طلب الترجيح بين القولين وأخذ بالراجح منها لقوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩] النساء آية ٩٥.
وهذه رسالة موجزة فيما تدعو الحاجة إليه من بيان هذه الدماء وأحكامها وتشتمل على الفصول الآتية:
الفصل الأول: في معنى الحيض وحكمته
الفصل الثاني: في زمن الحيض ومدته.
الفصل الثالث: في الطوارئ على الحيض.
الفصل الخامس: في الاستحاضة وأحكامها.
الفصل السادس: في النفاس وأحكامه.
الفصل السابع: في استعمال ما يمنع الحيض أو يجلبه وما يمنع الحمل أو يسقطه.
[الفصل الأول في معنى الحيض وحكمته]
الفصل الأول
في معنى الحيض وحكمته الحيض لغة: سَيَلان الشيء وجريانه.
وفي الشرع: دم يحدث للأنثى بمقتضى الطبيعة بدون سبب في أوقات معلومة. فهو دم طبيعي ليس له من مرض أو جرح أو سقوط أو ولادة. وبما أنه دم طبيعي فإنه يختلف بحسب حال الأنثى وبيئتها وجوّها. ولذلك تختلف فيه النساء اختلافًا متباينًا ظاهرًا.
والحكمة فيه: أنه لما كان الجنين في بطن أمه لا يمكن أن يتغذى بما كان خارج البطن ولا يمكن لأرحم الخلق به أن يوصل إليه شيئًا من الغذاء حينئذ جعل الله تعالى في الأنثى إفرازات دموية يتغذى بها الجنين في بطن أمه بدون الحاجة إلى أكل وهضم تنفذ إلى جسمه من طريق السرة حيث يتخلل الدم عروقه فيتغذى
1 / 5
به، فتبارك الله أحسنُ الخالقين. فهذه هي الحكمة في هذا الحيض، ولذلك إذا حَمِلت المرأة انقطع الحيض عنها، فلا تحيض إلا نادرًا. وكذلك المراضع يقلُّ من تحيضُ منهن لا سيما في أول زمن الإرضاع.
[الفصل الثاني في زمن الحيض ومدته]
[السن الذي يأتي فيه الحيض]
الفصل الثاني
في زمن الحيض ومدته الكلام في هذا الفصل في مقامين:
المقام الأول: في السن الذي يأتي فيه الحيض.
المقام الثاني: في مدة الحيض.
١ - المقام الأول: فالسن الذي يغلب فيه الحيض هو ما بين اثنتي عشرة سنة إلى خمسين سنة، وربما حاضت الأنثى قبل ذلك أو بعده بحسب حالها وبيئتها وجوها.
وقد اختلف العلماء ﵏: هل للسنَّ الذي يأتي فيه الحيض حدّ معين بحيث لا تحيض الأنثى قبله ولا
1 / 6
بعده، وإن ما يأتيها قبله أو بعده فهو دم فساد لا حيض؟
اختلف العلماء في ذلك. قال الدارمي بعد أن ذكر الاختلافات: كل هذا عندي خطأ! لأن المرجع في جميع ذلك إلى الوجود، فأي قدر وجد في أي حالٍ وسنً وجب جعله حيضًا. والله أعلم (١) .
وهذا الذي قاله الدارمي هو الصواب، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، فمتى رأت الأنثى الحيض فهي حائض، وإن كانت دون تسع سنين أو فوق خمسين، وذلك لأن أحكام الحيض علقها الله ورسوله على وجوده، ولم يحددْ الله ورسوله لذلك سنًّا معينًا، فوجب الرجوع فيه إلى الوجود الذي عُلقت الأحكام عليه، وتحديده بسنّ معين يحتاج إلى دليل من الكتاب أو السنة ولا دليل في ذلك.
[مدة الحيض]
٢ - المقام الثاني وهو مدة الحيض أي مقدار زمنه.
_________
(١) المجموع شرح المهذب ١: ٣٨٦.
1 / 7
فقد اختلف فيه العلماء اختلافًا كبيرًا على نحو ستة أقوال أو سبعة. قال ابن المنذر وقال طائفة: ليس لأقل الحيض ولا لأكثره حد بالأيام قلت وهذا القول كقول الدارمي السابق وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الصواب لأنه يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار.
1 / 8
الدليل الثالث: أن هذه التقديرات والتفصيلات التي ذكرها من ذكرها من الفقهاء في هذه المسألة ليست موجودة في كتاب الله ولا سنة رسول الله ﷺ مع أن الحاجة بل الضرورة داعية إلى بيانها فلو كانت مما يجب على العباد فهمه والتعبد لله به لبينهما الله ورسوله بيانًا ظاهرًا لكل أحد لأهمية الأحكام المترتبة على ذلك من الصلاة والصيام والنكاح والطلاق والإرث وغيرها من
1 / 9
الأحكام، كما بين الله ورسوله عدد الصلوات وأوقاتها وركوعها وسجودها، والزكاة: أموالها وأنصباؤها ومقدارها ومصرفها، والصيام: مدته وزمنه، والحج وما دون ذلك، حتى آداب الأكل والشرب والنوم والجماع والجلوس ودخول البيت والخروج منه وآداب قضاء الحاجة، حتى عدد مسحات الاستجمار إلى غير ذلك من دقيق الأمور وجليلها، مما أكمل به الدين، وأتم به النعمة على المؤمنين، كما قال تعالى ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل: ٨٩] وقال تعالى ﴿مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [يوسف: ١١١]
فلما لم توجد هذه التقديرات والتفصيلات في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسول الله ﷺ تبين أن لا تعويل عليها، وإنما التعويل على مسمى الحيض الذي علقت عليه الأحكام الشرعية وجودا وعدما، وهذا الدليل - أعني أن عدم ذكر الحكم في الكتاب والسنة، دليل على عدم
1 / 10
اعتباره - ينفعك في هذه المسألة وغيرها من مسائل العلم؛ لأنَّ الأحكام الشرعية لا تثبت إلا بدليل من الشرع من كتاب الله، أو سنة رسوله ﷺ، أو إجماع معلوم، أو قياس صحيح. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في قاعدة له: " ومن ذلك اسم الحيض علق الله به أحكاما متعددة في الكتاب والسنة، ولم يقدر لا أقله ولا أكثره، ولا الطهر بين الحيضتين مع عموم بلوى الأمة بذلك واحتياجهم إليه، واللغة لا تفرق بين قدر وقدر، فمن قدر في ذلك حدا فقد خالف الكتاب والسنة ". انتهى كلامه (١) .
الدليل الرابع: الاعتبار أي القياس الصحيح المطرد، وذلك أن الله تعالى علل الحيض بكونه أذى، فمتى وُجد الحيض فالأذى موجود، لا فرق بين اليوم الثاني واليوم الأول، ولا بين الرابع والثالث، ولا فرق بين اليوم السادس عشر والخامس عشر، ولا بين الثامن عشر
_________
(١) ص: ٣٥ من رسالة الأسماء التي علق الشارع الأحكام بها.
1 / 11
والسابع عشر فالحيض هو الحيض والأذى هو الأذى فالعلة موجودة في اليومين على حد سواء فكيف يصح التفريق في الحكم بين اليومين مع تساويهما في العلة؟ أليس هذا خلاف القياس الصحيح؟ أوليس القياس الصحيح تساوي اليومين في الحكم لتساويهما في العلة؟ .
الدليل الخامس: اختلاف أقوال المحددين واضطرابها فإن ذلك يدل على أنه ليس في المسألة دليل يجبُ المصير إليه وإنما هي أحكام اجتهادية معرضة للخطأ والصواب ليس أحدهما أولى بالاتباع من الآخر والمرجع قوة القول أنه لا حد لأقل الحيض ولا أكثره وأنه القول الراجح فاعلم أن كل ما رأته المرأة من دم طبيعي من غير تقدير بزمن أو سن إلا أن يكون مستمرًّا على المرأة لا ينقطع أبدًا أو ينقطع مدة يسيرة كاليوم واليومين في الشهر فيكون استحاضة وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان الاستحاضة وأحكامها.
1 / 12
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والأصل في كل ما يخرج من الرحم أنه حيض حتى يقوم دليل على أنه استحاضة. وقال أيضًا فما وقع من دم فهو حيض إذا لم يعلم أنه دم عرق أو جرح. اهـ. وهذا القول كما أنه هو الراجح من حيث الدليل فهو أيضًا أقرب فهما وإدراكًا وأيسر عملًا وتطبيقًا مما ذكره المحددون وما كان كذلك فهو أولى بالقبول لموافقته لروح الدين الإسلامي وقاعدته وهي اليسر والسهولة قال الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] وقال ﷺ: «إن الدين يسر ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا» . رواه البخاري.
وكان من أخلاقه ﷺ «أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا» .
1 / 13
[حيض الحامل]
حيض الحامل الغالب الكثير أن الأنثى إذا حملتْ انقطع الدم عنها، قال الإمام أحمد ﵀: " إنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الدم ". إذا رأت الحامل الدم فإن كان قبل الوضع بزمن يسير كاليومين أو الثلاثة ومعه طلق فهو نفاس، وإن كان قبل الوضع بزمن كثير أو قبل الوضع بزمن يسير لكن ليس معه طلق فليس بنفاس، لكن هل يكون حيضًا تثبتُ له أحكام الحيض أو يكونُ دم فساد لا يحكمُ له بأحكام الحيض؟
في هذا خلاف بين أهل العلم.
والصواب أنه حيض إذا كان على الوجه المعتاد في حيضها لأن الأصل فيما يصيبُ المرأة من الدم أنه حيض، إذا لم يكن له سبب يمنعُ من كونه حيضًا، وليس في الكتاب والسنة ما يمنعُ حيض الحامل.
1 / 14
وهذا هو مذهب مالك والشافعي واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، قال في الاختيارات ص ٣٠: وحكاه البيهقي رواية عن أحمد، بل حكى أنه رجع إليه اهـ. وعلى هذا فيثبتُ لحيض الحامل ما يثبْت لحيض غير الحامل إلا في مسألتين:
١ - الطلاق، فيحرمُ طلاق من تلزمها عدة حالَ الحيض في غير الحامل، ولا يحرمُ في الحامل، لأن الطلاق في الحيض في غير الحامل مخالف لقوله تعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١] أما طلاق الحامل حال الحيض فلا يخالفه، لأن من طلق الحامل فقد طلقها لعدتها، سواء كانت حائضًا أم طاهرًا، لأن عدتها بالحمل، ولذلك لا يحرمُ عليه طلاقها بعد الجماع بخلاف غيرها.
٢ - عدة الحامل لا تنقضي إلا بوضع الحمل، سواء كانت تحيض أم لا لقوله تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٤]
1 / 15
[الفصل الثالث في الطوارئ على الحيض]
الفصل الثالث
في الطوارئ على الحيض الطوارئ على الحيض أنواع:
الأول: زيادة أو نقص مثل أن تكون عادة المرأة ستة أيام فيستمر بها الدم إلى سبعة أو تكون عادتها سبعة أيام فتطهر لستة.
الثاني: تقدم أو تأخر مثل أن تكون عادتها في آخر الشهر فترى الحيض في أوله أو تكون عادتها في أول الشهر فتراه في آخره.
وقد اختلف أهل العلم في حكم هذين النوعين والصواب أنها متى رأت الدم فهي حائض ومتى طهرت منه فهي طاهر سواء زادت عن عادتها أم نقصت وسواء تقدمت أم تأخرت وسبق ذكر الدليل على ذلك في الفصل قبله حيث علق الشارع أحكام الحيض بوجوده. وهذا مذهب الشافعي، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وقواه صاحب المغني فيه ونصره وقال: ولو كانت العادة معتبرة على الوجه المذكور في المذهب لبينه النبي ﷺ لأمته ولما وسعه تأخير بيانه؛ إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقته وأزواجه وغيرهن من النساء يحتجن إلى بيان ذلك في كل وقت فلم يكن ليغفل بيانه وما جاء عنه ﷺ ذكر العادة ولا بيانها إلا في حق المستحاضة لا غير. اهـ.
1 / 16
النوع الثالث: صفرة أو كدرة بحيث ترى الدم أصفر كماء الجروح أو متكدرًا بين الصفرة والسواد فهذا إن كان في أثناء الحيض أو متصلًا به قبل الطهر فهو حيض نثبت له أحكام الحيض، وإن كان بعد الطهر فليس بحيض لقول أم عطية ﵂: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئًا) . رواه أبو داود بسند
1 / 17
صحيح، ورواه أيضًا البخاري بدون قولها بعد الطهر، لكنه ترجم له بقوله: باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض. قال في شرحه فتح الباري: " يشيرُ بذلك إلى الجمع بين حديث عائشة المتقدم في قولها حتى ترين القصة البيضاء وبين حديث أم عطية المذكور في الباب، بأن ذلك أي حديث عائشة محمول على ما إذا رأت الصفرة والكدرة في أيام الحيض، وأما في غيرها فعلى ما قالت أم عطية ". اهـ. وحديث عائشة الذي أشار إليه هو ما علّقهُ البخاري جازمًا به قبل هذا الباب، أن النساء كُنَّ يَبعثن إليها بالدرجة (شيء تحتشي به المرأة لتعرف هل بقيَ من أثر الحيض شيء) فيها الكرسف (القطن) فيه الصفرَة فتقول: " لا تعجلْنَ حتى تريْنَ القصة البيضاء ". والقصة البيضاء ماء أبيض يدفعُهُ الرحم عند انقطاع الحيض.
النوع الرابع: تقطع في الحيض، بحيث تَرَى يومًا دمًا، ويومًا نقاءً ونحو ذلك فهذان حالان:
1 / 18
الحال الأول: أن يكون هذا مع الأنثى دائمًا كل وقتها، فهذا دم استحاضة يثبتُ لمن تراهُ حكم المستحاضة.
الحال الثاني: ألا يكون مستمرًّا مع الأنثى بها يأتيها بعض الوقت، ويكون لها وقت طهر صحيح. فقد اختلف العلماء ﵏ في هذا النقاء. هل يكونُ طهرًا أو ينسحبُ عليه أحكام الحيض؟ فمذهب الشافعي في أصح قوليه أنه ينسحبُ عليه أحكام - الحيض فيكونُ حيضًا، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وصاحب الفائق (١) ومذهب أبي حنيفة، وذلك لأن القصة البيضاء لا ترى فيه، ولأنه لو جُعِلَ طهرًا لكان ما قبله حَيضة، وما بعده حَيضة، ولا قائل به، وإلا لانقضتْ العدة القرء بخمسة أيام، ولأنه لو جُعلَ طهرًا لحصل به حرج ومشقة بالاغتسال وغيره كل يومين، والحرج منتف في هذه الشريعة ولله الحمد. والمشهور من مذهب الحنابلة أن
_________
(١) نقل عنهما في الإنصاف.
1 / 19
الدم حيض والنقاء طهر إلا أن يتجاوز مجموعهما أكثر الحيض فيكون الدم المتجاوز استحاضة وقال في المغني " يتوجه أن انقطاع الدم متى نقص عن اليوم فليس بطهر بناء على الرواية التي حكيناها في النفاس أنها لا تلتفت إلى ما دون اليوم وهو الصحيح إن شاء الله لأن الدم يجري مرة وينقطع أخرى وفي إيجاب الغسل على من تطهر ساعة بعد ساعة حرج ينتفي لقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] قال فعلى هذا لا يكون انقطاع الدم أقل من يوم طهرًا إلا أن ترى ما يدل عليه مثل أن يكون انقطاعه في آخر عادتها أو ترى القصة البيضاء اهـ. فيكون قول صاحب المغني هذا وسطًا بين القولين والله أعلم بالصواب.
النوع الخامس: جفاف في الدم بحيث ترى الأنثى مجرد رطوبة فهذا إن كان في أثناء الحيض أو متصلًا به قبل الطهر فهذا حيض، وإن كان بعد الطهر فليس بحيض لأن غاية حالة أن يلحق بالصفرة والكدرة وهذا حكمها.
1 / 20
[الفصل الرابع في أحكام الحيض]
[الأول الصلاة]
الفصل الرابع
في أحكام الحيض للحيض أحكام كثيرة تزيد عن العشرين نذكر منها ما نراه كثير الحاجة فمن ذلك:
الأول: الصلاة: فيحرم على الحائض الصلاة فرضها ونفلها ولا تصح منها وكذلك لا تجب عليها الصلاة إلا أن تدرك من وقتها مقدار ركعة كاملة فتجب عليها الصلاة حينئذ سواء أدركت ذلك من أوله: امرأة حاضت بعد غروب الشمس بمقدار ركعة فيجب عليها إذا طهرت قضاء صلاة
1 / 21
المغرب لأنها أدركَتْ من وقتها قدر ركعة قبل أن تحيض.
ومثال ذلك من آخره: امرأة طَهُرَتْ من الحيضِ قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة فيجبُ عليها إذا تَطهَّرَتْ قضاء صلاة الفجر، لأنها أدْرَكَتْ من وقتها جزءًا يتسعُ لركعة.
أما إذا أدْرَكَتْ الحائض من الوقت جزءًا لا يتسع لركعة كاملة، مثل أن تحيضَ في المثال الأول بعد الغروب بلحظة أو تَطْهُرَ في المثال الثاني قبل طلوع الشمس بلحظة، فإن الصلاة لا تجبُ عليها، لقول النبي ﷺ: «من أدركَ ركعة من الصلاة فقد أدركَ الصلاة» . متفق عليه، فإن مفهومه أن من أدرك أقل من ركعة لم يكنْ مدركًا للصلاة.
وإذا أدركَتْ ركعة من وقت صلاة العصر فهل تجبُ عليها صلاة الظهر مع العصر، أو ركعة من وقت صلاة العشاء الآخرة، فهل تجبُ عليها صلاة المغرب مع
1 / 22
العشاء؟
في هذا خلاف بين العلماء، والصواب أنها لا يجبُ عليها إلا ما أدركتْ وقته، وهي صلاة العصر والعشاء الآخرة فقط. لقوله ﷺ: «من أدركَ ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» . متفق عليه، لم يقلْ النبي ﷺ: فقد أدرك الظهر والعصر ولم يَذْكُرْ وجوب الظهر عليه، والأصل براءة الذِّمَّة وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك حكاه عنهما في شرح المهذب (١) .
وأما الذكر والتكبير والتسبيح والتحميد، والتسمية على الأكل وغيره، وقراءة الحديث والفقه والدعاء والتأمين عليه واستماع القرآن فلا يحرمُ عليها شيء من ذلك، فقد ثبتَ في الصحيحين وغيرهما، «أن النبي ﷺ كان يتكئ في حِجْر عائشة ﵂ وهي حائض فيقرأ القرآن» .
_________
(١) شرح المهذب ٣: ٧٠.
1 / 23